وجه جديد للحياة في دير الزور: حول دير الزور ودور العشائر (مقال رأي)


عبدالله الغضوي (كاتب سوري): مركز السياسات الدولية

بالفعل كان تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الحجرة في طريق أي تحول أو تغيير في دير الزور، فبعد انتهاء التنظيم بشكل نهائي في مارس 2019 تغيرت المسارات السياسية والاجتماعية والعسكرية، ليس في غرب الفرات في مناطق سيطرة الميليشيات الإيرانية وقوات النظام فحسب، بل حتى في شرق الفرات حيث سيطرة التحالف الدولي وقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، وأصبحت دير الزور منطقة استقطاب إقليمي.


نهاية تنظيم داعش بشكل عملي في شرقي الفرات شكل عامل ضغط وخوف على الجانب الإيراني وقوات الجيش السوري ذلك أن التنظيم غادر دير الزور إلى الصحراء ليعيش مرحلة جديدة. ففي العاشر من حزيران (يونيو) 2019 قام الحرس الثوري الإيراني والجيش السوري بعمليات تمشيط واسعة في البادية لخلايا داعش التي فرت من معركة الباغوز بعد أن استشعرت إيران خطر انتشار الخلايا النائمة في الصحراء المتاخمة لسيطرة الميليشيات الإيرانية، ونفذت عملية تمشيط في منطقة “T4 في صحراء تدمر، وبعد أيام من هذه العملية كانت الهواجس الإيرانية في محلها حيث سيطر عناصر التنظيم بعد أيام على الطريق الدولي الذي يصل بين ما يسمى المحطة الثالثة في البادية ودير الزور، كان ذلك من انعكاسات هزيمة التنظيم وهروب بعض مقاتليه إلى البادية بعد أن فقد الحاضنة بشكل كبير جدا.


وعلى الرغم من الاضطرابات الأمنية التي وقعت في دير الزور من عمليات استهداف لقوات سوريا الديموقراطية على يد تنظيم داعش حيث فقدت قوات سوريا الديموقراطية عدة قيادات كردية وعربية في دير الزور، إلا أن الحملات الأمنية المتكررة للتحالف الدولي وقسد ساهمت في التخفيف إلى حد كبير من خطورة الخلايا النائمة للتنظيم، لكن هذا الأمر أظهر في الوقت ذاته تذمر جديد من قبل الأهالي لقوات سوريا الديموقراطية وبالتحديد “الكرد”، بسبب الاعتقالات المتكررة لمشتبهين مدنيين وبعض حالات الفساد التي أصبحت حديث الأهالي في دير الزور، ما أدى إلى تحول في العلاقة بين العشائر وقوات سوريا الديموقراطية، وزاد التوتر بين الغرب والأكراد محاولة قسد تعميم نمط الحياة العسكري في دير الزور بما يسمى بالتجنيد الإلزامي وسوق الشباب التي تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 30 سنة إلى الخدمة العسكرية في قوات سوريا الديموقراطية، ما دفع العشائر إلى عقد اجتماع عاجل لبحث الأمر في شهر مايو الماضي وقدموا مطالب لقسد والتحالف الدولي أبرزها التوقف عن سحب الشباب إلى الخدمة الإلزامية والتوقف عن تصدير النفط إلى مناطق سيطرة النظام، فيما تعالت أصوات الانتقاد للكرد والاتهامات بالفساد المالي من عائدات النفط، وازداد التوتر بين الأكراد والعشائر بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية.


وبدا واضحا في دير الزور (شرق الفرات) أن ثمة حراكا سياسيا وقدرة على التعبير السياسي والاجتماعي لدى المدنيين وشيوخ العشائر معا عما يجري في تلك المناطق على عكس الصمت في الماضي سواء في مرحلة الحكومة السورية أو بعد اندلاع الأزمة، حيث أصبح شيوخ العشائر اليوم في قلب العاصفة بعد أن ضغطت المجتمعات عليهم لأخذ دورهم القيادي وتحميلهم مسؤولية ضياع القيادة والقدرة على تمثيل المنطقة.


الوجه الجديد لدير الزور هو ممارسة وجهاء العشائر لدورهم السياسي والاجتماعي بعد زوال تنظيم داعش وإحساسها بأنها لاعب قادر على التغيير والتأثير وهو دور مسلوب طوال العقود الماضية خلال حكم الأسد الأب والابن وخلال الأزمة السورية، حتى في ظل سيطرة الجيش الحر، هذه الصحوة العشائرية قابلها الكرد بالاستيعاب من أجل كسبهم تحت مظلة مجلس سوريا الديموقراطي “مسد” وهو تشكيل يجمع كل التيارات في شمال شرق سوريا، بل عمل الكرد على تعزيز نفوذ العشائر من خلال دورهم في التوسط من أجل إطلاق سراح المدنيين المعتقلين المدنيين الذين خرجوا من مناطق سيطرة داعش بعد معركة الباغوز، ففي مطلع حزيران (يونيو) أعلنت قسد إطلاق سراح 800 مدني من مخيم الهول كانت أوقفت قسد في أعقاب معركة الباغوز وذلك بوساطة عشائرية قدموا الضمانات للكرد بحفظ الأمن والاستقرار في شرق دير الزور.


وبالفعل؛ انخفضت حدة التوتر في مناطق شرق الفرات وانتهت بشكل كبير موجات المظاهرات التي كانت تطالب بخروج الكرد من المنطقة، إذ بلغت اللافتات إلى وصف الكرد بالمحتلين لدير الزور، إلا أن هذا انتهى بشكل عاجل نتيجة تطمينات كردية للعشائر أن وجودهم يأتي في إطار المسؤولية الأمنية وليس السيطرة على المنطقة خصوصا وأن هذه المناطق ليست مناطق كردية من الناحية الاجتماعية.
وسط حالة التغير الاجتماعي والأمني والسياسي السريع في دير الزور، جاءت الزيارة المفاجئة والحضور العلني لوزير الدولة السعودي ثامر السبهان إلى شرق الفرات وعقد اجتماع في قاعدة العمر النفطية مع وجهاء العشائر ورئيس المجلس المحلي في دير الزور بحضور المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا ويليام روباك ومساعد وزير الخارجية للملف السوري جويل رايبورن، هذا الاجتماع أعاد الدور المفقود للعشائر خصوصا بعد أن وعد السبهان العشائر بدعم عملي وسريع على الأرض، ما يعني أن السعودية قادمة بشكل واضح في سوريا من بوابة دير الزور.


العودة السعودية إلى دير الزور طالما انتظرتها العشائر في تلك المناطقة بحكم العلاقات العشائرية والبعد السني وتقارب الثقافات الاجتماعية، إلا أن الدور السعودي في هذه المرة كان وفق تفاهمات معينة، فقد طلب السبهان من شيوخ العشائر عدم التعامل مع الحكومة السورية وتركيا والتعاون بشكل كامل مع قوات سوريا الديموقراطية مقابل تحسين الأوضاع الاقتصادية وشراء كل محاصيل الحبوب عبر رجال أعمال سعوديين، وكذلك العمل على إصلاح البنية التحتية لآبار النفط الأمر الذي سينعكس اقتصاديا بشكل كبير، ولم تغب مواجهة المد الإيراني في دير الزور عن الاجتماع المشترك بين الطرفين وضمان عدم ظهور تنظيم داعش، وقد أيدت العشائر مطالب السبهان وتعهدت بالعمل على مواجهة النفوذ الإيراني مقابل التزام كامل بعدم عودة سيطرة الحكومة السورية على شرق الفرات.


بعد أيام من زيارة السبهان دعت الحكومة السورية إلى اجتماع لعشائر الحسكة في حلب، في إطار السباق المحموم نحو عشائر شرق الفرات، وكان مهندس هذه الاجتماع رجل الأعمال حسام القاطرجي المعروف بشرائه للنفط والقمح من مناطق سيطرة قسد بهدف دعم حكومة دمشق، إلا أنه ما من أحد من عشائر شرق الفرات حضرت هذا المؤتمر.


الوجه الجديد للحياة السياسية والاجتماعية في دير الزور مليء بالألغام والمفاجآت بسبب حالة الصراع على المنطقة والجموح للعب دور ما من أجل السيطرة على المنطقة، فنهاية تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لا تعني أنه انتهى من الوجود، فالقواعد الشعبية الماضية مازالت قائمة في بعض المناطق، وهذا ما يفسر على سبيل المثال حركات الاحتجاج المتتالية في منطقة الشحيل، ذلك أن الحاضنة الشعبية الكبيرة في الشحيل كانت من جبهة النصرة ومن ثم تحولت إلى تنظيم داعش، وهذه القاعدة الشعبية من الطبيعي أن ترفض الوجود الكردي وتكون مناهضة لشيوخ العشائر.. وبالتالي لا يجب التغاضي على الخلفيات الأيديولوجية لكل منطقة، خصوصا وأن مبررات ظهور قوى دينية متطرفة قائمة، فالأكراد هم اللاعب الأساسي في دير الزور، وهناك وجود للقواعد الأمريكية في حقل العمر، وعلى الضفة الغربية انتشار واسع للميليشيات الإيرانية التي تحظى بكراهية واسعة في المنطقة، وبالتالي قدرة الحشد ضد هذه القوى لا يمكن الاستهانة بها في المرحلة القادمة.. مالم تتنبه القيادات العشائرية لتلك المعطيات وتعمل على استيعاب أخطاء الماضي والاقتراب من فئات الشباب المتذمر نتيجة الواقع الاقتصادي.


خلاصة القول أن الدور العشائري في شرق الفرات أصبح، أصبح نقطة ارتكاز في المشاريع السياسية ومحاولات إعادة الاستقرار وفرصة تاريخية لكل القوى العشائرية في مناطق الجزيرة السورية، ذلك أن دير الزور – على وجه الخصوص- الآن نقطة المواجهة مع إيران وسيكون لهذه العشائر الدور البارز في وجه التمدد الإيراني بحيث تكون هذه العشائر حزام أمني سني ضد أي مشاريع إيرانية في شرق الفرات.. وكذلك تؤسس بالتعاون مع التحالف الدولي لبيئة طاردة للأفكار المتطرفة.

عن شباب بوست

انظر ايضا

منهاج الإدارة الذاتية التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي PYD

اليكم نسخ كاملة من الكتب اللتي تستخدم في مناهج التعليم التابعة للمناطق اللتي يسيطر عليها …

تفاصيل الصفقة “القذرة”.. الأكراد هرّبوا آلاف الدواعش من الرقة محملين بأسلحتهم وطائرات التحالف تنير لهم الطريق

  كشفت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“ عن تفاصيل صفقةٍ سريةٍ سمحت للمئات من …

(قسد) تصرح بما تتمنى.. “القواعد الأميركية باقية وتتمدد”

(قسد) تصرح بما تتمنى.. “القواعد الأميركية باقية وتتمدد”

(قسد) تصرح بما تتمنى.. “القواعد الأميركية باقية وتتمدد” سامر الأحمد قلل خبراء وسياسيون سوريون من …

اترك تعليقاً