استفاقت مدينة اللاذقية، الثلاثاء، على أصوات عشرات سيارات الإسعاف وهي تنقل جرحى الجنود من ريف اللاذقية. وكانت فصائل معارضة إسلامية قد شنّت هجوماً خاطفاً على محاور متعددة في جبل التركمان شمال شرقي اللاذقية.
ومنذ الصباح وحتى المساء، لم تتوقف سيارات الإسعاف وغيرها من السيارات المدنية عن نقل المصابين والقتلى. وفُتِحَ داخل مدينة اللاذقية خط نقل عسكري، لنقل المصابين، الأمر الذي لم تشهده المدينة منذ التدخل الروسي نهاية العام 2015. ووصل إلى مستشفى اللاذقية العسكري حوالي 70 جريحاً، و30 إلى المستشفى العسكري القديم، وإلى مستشفى تشرين الجامعي وصل حوالي 20 مصاباً.
واجتمع المئات من ذوي الضحايا والمقاتلين أمام المستشفيات، وهم بمعظمهم من ريف اللاذقية. مصادر “المدن” أشارت إلى أن “المقاتلين في الجبل لا يملكون وسائل اتصال حديثة باستثناء قوات النمر وقوات صغيرة من الفيلق الخامس، التي لم تكن على جاهزية للتعرض لمثل هذا الهجوم”.
“المدن” قابلت بعض الجرحى، من “قوات الدفاع الوطني” و”كتائب حزب البعث” و”اللواء 44″ العامل أساساً في اللاذقية. وأكد معظم المصابين جهلهم بما تعرضوا له، إذ كان “الهجوم عنيفاً ومفاجئاً، في وقت واحد”. وأغلب المصابين من قوات الحراسة المفروزة على الجبهات، لا من قوات النخبة أو قوات منظمة للدفاع عن مناطقها.
وأكد الجرحى أنهم حاولوا، دون جدوى، طلب النجدة منذ الصباح، لتعرض مواقعهم الدفاعية كلها لتمهيد ناري متوسط وخفيف. ضابط برتبة ملازم، مصاب قال لـ”المدن”، إن “تقدم المعارضة على خط بلدة ربيعة كان سهلاً، إلا أنهم اكتفوا بفتح مدافعهم لإخراجنا من مناطقنا”.
وأشارت مصادر أمنية من النظام لـ”المدن”، “أن لا قيادة موحدة لقطاعات الدفاع على حدود اللاذقية، وذلك بسبب استحواذ سهيل الحسن المزعوم على معركة إدلب وانتشار قواته في الريف الساحلي، واستقلال القرار العسكري لقواته، وابتعاده عن مركزية العمل داخل مؤسسة الجيش”. مصادر النظام الأمنية، التي ربما وجدت الفرصة مناسبة للهجوم على “النمر”، قالت: “الأخطر من كل ذلك هو دعم الروس للنمر وحده. فالروس لم يتحركوا عبر طائراتهم العسكرية لصد الهجوم الأخير، لعدم طلب سهيل الحسن ذلك”.
المصادر الأمنية قالت لـ”المدن”، إن “الروس يتعاملون فقط مع الإيرانيين وسهيل الحسن على مستوى القوات البرية ووضع الخطط”، وأضافت: “قيادة الجيش الرسمي لا تملك أي صلة واضحة مع الروس”، ولذا لم تتمكن جبهة الدفاع عن اللاذقية من التواصل مع الروس، بحسب تلك المصادر.
المصادر الأمنية أبدت غضبها وتحاملها على “النمر” وكأنه المسؤول عن انهيار جبهة جبل التركمان المفاجئ. إلا أنها لم توفر “الفيلق الخامس” من هجومها أيضاً، وقالت إن “مصابي قوات الفيلق الخامس التابع إنشائياً وإدارياً للروس تخضع لعزلة ويمنع التواصل معهم أيضاً”، في إشارة إلى اللامساواة في التعامل مع الجرحى.
مصادر “المدن” تحققت من عزل المصابين من “قوات النمر” عن غيرهم من المصابين، وقالت: “داخل المستشفيات يظهر الانقسام الكبير بين القوى المقاتلة التابعة نظرياً للنظام”.
في مدينة اللاذقية، استنفرت وانتشرت في أغلب الشوارع قوات من “المخابرات الجوية” و”الأمن العسكري”، وأقامت ما يُشبه الحواجز التي أطلقت النار لفتح الطرق أثناء مرور مواكب الإسعاف. وقد فرغت المدينة من السكان، جراء الخوف الذي سرى فيها، مترافقاً مع عودة نشر قوات الأمن.
الناس عموماً عادت للتساؤل عن المعركة، بطريقة أصابت النظام بالحرج. معركة خطيرة تندلع في الريف ولا تتدخل لوقفها طائرات النظام أو الروس العسكرية، فهل علاقة النظام بالروس في أحسن أحوالها؟
العلويون لم يعودوا إلى امتداح الروس ودورهم في سوريا، بعد موجات الخوف المتكررة في ريف اللاذقية خلال هذا العام. وأيضاً فقد أضاع سهيل الحسن، شهرته، وباتت علاقته بالروس مريبة، وفيها جانب من الاستعلاء على القوى المحلية العلوية.
لذا، فالنظام، ولتعويض صورته الضعيفة، نشر قواته الأمنية داخل المدينة، في استعراض لقوته ووجوده. مصدر أمني برر نشر تلك القوات، لـ”المدن”، بالقول إنها “لبعث الثقة والاطمئنان في قلوب المواطنين”.
لا حماية جوية إلا للقوات الإيرانية و”الفيلق الخامس” و”مليشيا النمر”، في حين يتُرك عناصر “اللواء 44″ و”اللواء 102” من أبناء اللاذقية وريفها لمواجهة مصيرهم، كما يقول الناس. “قوات الجيش السوري والمليشيات الوطنية المقاتلة معه معزولة ومخذولة” يقول أحدهم، و”الجبهة خاصرة ضعيفة في غياب الإرادة الروسية والإيرانية”.
في المدينة مناخ عام يُهاجم الروس ويفضح ضعف النظام، وسط إشاعات أمنية لم تعد تُجدي للتخدير، بأن قائد “الفرقة الرابعة” ماهر الأسد، سيحاول إعادة تشكيل خطوط الجبهة بعد مناشدات الأهالي و”حزب البعث”.
اللاذقية شبه فارغة، فالخوف عاد، بعدما اعتاد العلويون الكسل والاعتماد على الروس والإيرانيين. فهل يعيد ما حدث استفزازهم للقتال؟