مأزق الاتحاد الديمقراطي
شباب بوست
19/06/2018
مقالات
مأزق الاتحاد الديمقراطي
إذا كنتَ من غير المهتمّين بمتابعةِ ملفّ حزب العمال الكردستاني في سورية ، أو بتعبيرٍ أدقّ من غيرِ المختصّين فيه ، فإنّه يكفيكَ أن تقرأ مقالاً واحداً في موقع الاتحاد الديمقراطي PYD أو بياناً كلَّ أسبوعٍ ، لتعرفَ النقاط التي تشغل بالَ الحزب في تلك الفترة ، ومقاربته تجاهها.
ذلك أنّ حزباً مؤَدلجاً كالعمال الكردستاني ، تقودهُ ثلةٌ دكتاتورية هرمةٌ ، قادمة مادياً من فترةٍ السبعينات اليسارية ، وذهنياً من العهد الحجري الحديث ، وتسعى لإعادة البشرية إلى عصر القبائل والعشائر التي يعتبرونها الأنقى أخلاقياً وسياسياً ، لن يكون لديها أي مساحةٍ من حرية التعبير ، و بالتالي فكلّ من يكتب فيه مجرد موظفين ، يرددون ماجاء في الخُطبة الموزعة من قنديل ، حالهم حال خطباء النظام ، بيدَ أنّ لكل راوٍ حبكته القصصية ، وقدرته الخاصة على التشويق ، عبر إضافة بعض المنكّهات والدّعابات والغرائب.
وبناء على ماسبق فإن أهم مايشغل بالَ العمال الكردستاني خلال هذه الفترة هي ثلاثة أمور ، يأتي في مقدمتها موضوعُ تبرير انسحابهم من مدينة منبج ، أو بالأحرى إقناع الشارع الكردي السوري أنهم لم يكونوا فيها أصلاً .
كرة الثّلج تدحرجت من لقاءٍ لمظلوم عبدي قائد قوات سورية الديمقراطية مع صحيفة الشرق الأوسط في السادس والعشرين من نيسان الماضي ، كشف فيه بالحرف وننقل من الشرق الأوسط ” أن مجلس منبج العسكري اجتمع مع الجانب التركي والأميركي في قاعدة إنجرليك بتركيا، وطلبوا رسمياً مشاركة وحدات حماية الشعب الكردية في معركة تحرير منبج، ووافق الجانب التركي على طلبهم” انتهى الاقتباس ، حصل ذلك في ربيع 2016 ، أي بعد ستة أشهرٍ على الأقل من تأسيس قوات سورية الديمقراطية قسد ، التي ينتمي إليها مجلس منبج العسكري الذي شكلته “قسد” في 30 آذار 2016 وذلك باتحاد ستة فصائل تنتمي إليها أصلاً ، فهل من المنطقي أن يكون لتابعٍ الخِيَرَة من أمره في أن يطلب أو يرفض مايريد رئيسه أو قيادته ، وهل لمصنوعٍ إلا أن يكون طوعَ بنانِ الصّانع؟!
إيراد مظلوم للحادثة في ذلك الوقت – حسب رأينا – لم يكن إلا تمهيداً لماحصل الآن من توافق تركي-أمريكي حول منبج ، وأنه كان على علمٍ مسبقٍ بالتحضيرات الجارية له ، فأراد أن يمهّد للأمر ، لأنه عاد فأكد في موقع آخر من المقابلة أنه لم يعدْ لهم علاقة بغرب الفرات نهائياً.
مع ذلك فإن مستشار الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD سيهانوك ديبو ينفي حصول اتفاقٍ حيال منبج ، ثم يعتبره في ذات المقال تفاهماً مرحلياً ، وقبل أن يُنهي المقال يعتبره حركةً ذي علاقة بالانتخابات التركية ، ويبدو كأنه يتّهم أمريكا بمساعدة أردوغان على الفوز في الانتخابات.
أما الدكتور “جوان مصطفى” الناطق الرسمي للرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، ففي لقاء مع موقع آدار برس في السابع من هذا الشهر ، ينفي وجود أيّ اتفاقيّة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية بخصوص منبج ، و أنّ كل ما تصرّح به تركيا يأتي في مسار الدعاية الانتخابية لحكومة العدالة والتنمية .
و مع أن تعليق الدكتور جوان أكثر منطقية من سابقه ، إلا أنني لا أفهم كيف اتفق الاثنان على ربط اتفاق منبج بالانتخابات التركية .
ففضلاً عن أنه من غير المنطقي أن تُسدي الولايات المتحدة خدمةً لحكومة العدالة والتنمية في هذا المجال ، فإن تصريحات مظلوم عبدي المنشورة في الشرق الأوسط في 26نيسان تزامنت تقريباً مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 18 نيسان عن الانتخابات المبكرة.
يكاد المريبُ أن يقول خذوني ، هذا هو حال العمال الكردستاني وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطيPYD.
النقطة الثانية التي يقرأ مسؤولو الاتحاد الديمقراطي فنجان قهوتها كل صباح هذه الأيام ، هي الانتخابات التركية.
فمع أن استطلاعات الرأي تشير إلى مسافاتٍ شاسعة بين أردوغان ومنافسيه ، وإمكانية تلمّس ذلك من قبل أيّ متابعٍ بسيط للشأن التركي ، فضلاً عن أن كلّ الأزمات التي تعصف بالمنطقة تصبّ في صالح حزب العدالة والتنمية ، وتدفع الأتراك للتمسك به أكثر ، إلا أن قيادة الاتحاد الديمقراطي PYD ترى غير ذلك.
ففي البلاغ الصادر في 2/6 بنتيجة اجتماعها الاعتيادي الثالث لهذا العام ، توقعت قيادة الحزب – أو هكذا تتمنى – أنّ تركيا مقبلة على أزمة تفوق أضعافاً الأزمة السورية ، وحتى إن حصلت الانتخابات فإن فرص نجاح حزب العدالة والتنمية تبدو ضئيلة.
واعتبرت الرابع والعشرين من حزيران محطة مهمة في تاريخ تركيا الحديثة والمنطقة ، فهو إن فاز أردوغان فذلك حلول فوضى عارمة في المنطقة ، وإن خسر فإنه لن يسلم السلطة ، وفي كلا الحالتين فإن تركيا سوف تدخل نفقاً أكثر قتامةً من النفق السوريّ.
بينما يذهب مستشار الرئاسة المشتركة سيهانوك ديبو إلى ” احتمال إلغاء الانتخابات ، وأن التوقعات الأولية تشير إلى أن أردوغان لن يحصد سوى خيبته ” .
ثم يناقض نفسه في ذات المقال فيعتبر فوز أردوغان سوف مفيداً أكثر في سقوط وانهيار تركيا ، وإن خسر فلن يسلم السلطة ، ويجزم أخيراً بأن تركيا مقبلة على حرب أزمة.
وبعد أشهرٍ طويلةٍ من إعلان “قسد” نهاية تنظيم داعش إثر دحره من محافظة الرقة ، وغالبية محافظة دير الزور ، وإنجاز مهمتها “الخيرية” على أكمل وجه ، وتأكيد الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي ذلك ، وإعلان الرئيس ترامب نيتّه سحب جنوده بناء على تلك النتيجة ، بتنا نسمع مؤخراً غير ذلك ، حيث تبين أن التنظيم لم يتم القضاء عليه نهائياً ، فهو مازال يسيطر على عشرة آلاف كيلو متر مربع ، أي مايعادل مساحة لبنان – حسب قولهم – وأن هناك خلايا نائمة موجودة في المناطق المحرّرة ، ولا تزال تشكل خطراً ، وهي قابلةٌ للحياة والتطور ، وربما إعادة سيطرتها أقوى من قبل ، هذا ماصرح به مظلوم عبدي لصحيفة الشرق الأوسط ، وهو موضوع النقطة الثالثة التي تهمّ حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري الآن.
يبدو أن المتاجرة بقتال داعش كانت الأربح في حياة العمال الكردستاني ، والتهديد بعودتها هو الأكثر إيلاماً ، والأقوى لدفع التحالف على البقاء مدةً أطول ، فضلاً عن أنه الأجدى في المقايضة ، وإلا فمالرابط بين “حملة دير الزور وتحرير عفرين من جديد” ذلك ماصرّحت به الرئيسة المشتركة لمجلس قوات سورية الديمقراطية إلهام أحمد لموقع ولات برس في الثالث من أيار الماضي.
ويجزم الدكتور جوان الناطق الرسمي للرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي أن الولايات المتحدة لن تنسحب بهذه السهولة في حين مايزال الإرهاب موجوداً ومسيطراً على مناطق لا بأس بها.
تلك هي ثلاث مهماتٍ على العمال الكردستاني وذراعه السورية أن يجتازها بأقل الخسائر ، وهي ماتدفعه لطلب الحوار مع النظام ، و المجلس الوطني الكردي ، والدعوة إلى مؤتمر الرياض3 ، بعد أن اكتشف متأخراً انسداد الأفق أمامه.