تعقيباً على اشتباكات القامشلي…
من دونِ أيّة مقدّمات ، انتهت اشتباكاتُ القامشلي ، بين النّظام وربيبِه PYD مثلما بدأتْ .
وكالعادة لم تُعرف الأسبابُ الحقيقية لما حدث ، ولا بنودُ الاتّفاق الذي حصل – إن وجدَ أصلاً – ولن يتم إعلان ذلك لاحقاً أيضاً.
هدنةٌ لساعات ، ثم يجري تمديدُها ، وهكذا تنتهي القصّة ، ويَحمدُ المواطن ربّه على نعمةِ الأمن والأمان ، فلا براميلُ سقطت ولا صواريخُ قصفت.
تعددت الرواياتُ التي كان مصدرُها جهةٌ واحدة ، في حين التزم النظامُ وشبّيحته الصمت.
وكالمعتاد شطحت الأفكار بعيداً ، تسليم واستلام ، الجزائر ، تقسيم ، فدرالية ، إيراني ، روسي ، لتضخيم الوهم ، الذي نجح فعلاً في إحداث استقطابٍ قوميٍ ، بدا واضحاً لدى الجانب الكردي ، الذي اتفقت غالبية أطرافه على تأييد قوات الأسايش ، باعتبار أن مايجري هو خطوةٌ نحو الأمام ، زادها قوةً تصريحٌ مشكوكٌ فيه عن محاولةٍ فاشلة للنظام باستخدام الطائرات الحربية.
أما العرب فهم منقسمون أصلاً ، بين مؤيدٍ للنظام طالبَ بالحسم العسكري ، ومؤيدٍ للثورة شامتٍ بالشّبيحة الذين تركهم النظام لمصيرهم.
بيانا الأسايش والإدارة الذاتية ، بالإضافة لتصريحي قياديين اثنين في الحزب ، اتفقت على أن سبب ماحصل هو تدخلُ النظام في شؤون الأهالي ، وإقدامه على اعتقال الشبابِ وتجنيدهم ، وفصلِ بعض الموظفين وقطع رواتب آخرين ، فيما بدت وكأنها المدافع الأمين عن مصالح الناس ، في حين ماتزال سجونُها تخفي الكثيرين ، وما زال تجنيد القُصّر والبالغين قائمٌ على قدمٍ وساق.
المثيرُ للضّحك أن بعض الإعلاميين المقربين من PYD اتهموا النظام بمنع إقامة الفدرالية وتقسيم سورية ، في الوقت الذي كانت صفحاتُ مؤيدي النظام تنعتُ الطرف الآخر بالانفصالية وتقسيم البلاد ، ويدركُ كلّ متابعٍ أن هذه ليست تهماً ، بقدر ماهي مديحاً وثناءً لكل طرفٍ بين مؤيديه.
اشتباكات القامشلي كانت مناوراتٌ بالذخيرة الحيّة ، تمكن كل طرفٍ خلالها من شدّ عصبِ حاضنته أو مؤيديه على الأقل ، والتأكيد لهم أنه الحامي الحقيقي لوجودهم ، وإشغالهم عن التفكير به كمستبدّ فترةً من الزمن.
الثابتُ فيما جرى أن مدنيين سقطوا ، ليس لهم علاقةٌ بطرفي النزاع ، والثابتُ أيضاً أننا خسرنا كثّوار – أوهكذا ندّعي – في اختبارٍ آخر ، استطاع النظام وميليشياته ، استقطاب أغلبيتنا من صفوف الثورة.
ويبقى السؤال القديم الجديد قائماً عن سبب تكرار هكذا اشتباكات بين الحلفاء ، ويظل الجواب قاصراً .
ماحصل في القامشلي مؤخراً – ليس الأول ولن يكون الأخير – وهي لا تعدو كونها تصرفاتٍ فردية ، مردّها إلى قياداتٍ محلية ، لم تعِ حتى الآن طبيعةَ التحالف القائم ، وتعتقدُ أنه مرحليّ تكتيكي ، يقتصر على ابتزاز الآخر واستخدامه.
كما أنّها تعبيرٌ عن أزمةٍ حقيقية يعيشها الطرفان ، نتيجة خطابٍ مزدوجٍ يمارسانه داخلياً وخارجياً.
داخلياً ، يسعى كل منهما إلى إقناع مقاتليه ، بأنه يستغل ( يضحك على ) الآخر ، للوصول إلى أهدافه البعيدة ، هذا في إقامة الدولة الكردية ، وذاك في الحفاظ على حدوده الشمالية ، وتحاشي صراعٍ كان من الممكن أن يستنفذ قوته في المحافظة التي تزيد عن ضعفي مساحة لبنان.
وخارجياً ، يدّعي كلّ منهما أنه يقاتل الإرهابيين ، ويعمل لصالح سورية البلد النهائي الواحد الموحد ، في معزوفةٍ قديمة لم تعدْ تغني وتسمن من جوع.
مقاتلو PYD هواةٌ مؤقتون ، وجدوا أنفسهم فجأة في خضمّ الصراع ، ليسوا هم مقاتلو PKK ، المنضبطون عسكرياً حتى النهاية ، مثلهم مثل أقرانهم في ميليشيا الدفاع الوطني.
الخاسرُ ممّا جرى كانت حاضنة الثورة ، والخاسر الأكبر كردياً كان المجلس الوطني الكردي ، الذي بدا أعزل خارج الصّراع ، ملتزماً الصمت ، وخسر جزءاً من مؤيديه إضافةً لمكتبين لأحزابه ، قامت قوات الأسايش بإغلاقهما أثناء الاشتباكات ، وكأنّ إغلاقهما أمرٌ لايحتمل التأجيل ، وهو مايؤكد أنه كان أحد المستهدفين.
عبدالله النجّار
حقوقي و كاتب و محلل سياسي سوري مختص بالشأن الكردي