نشر موقع “أتلنتيكو” الفرنسي تقريرا سلط فيه الضوء على التأثير المتنامي لروسيا في الأراضي السورية، الذي يتجلى خاصة من خلال موجة التعيينات الجديدة.
وقال الموقع، في تقريره ترجمته “عربي21” وصدته الوسيلة، إنه منذ تدخلهم العسكري في أواخر شهر أيلول/ سبتمبر 2015، كان لدى الروس فكرة تغيير السلطة السياسية القائمة في دمشق. وينبغي التفاوض الآن لأنه، ميدانيا، ظل الوضع ثابتا على حاله. وعلى الرغم من المضايقات التي تتعرض إليها، تسيطر قوات الحكومة السورية على غرب البلاد، باستثناء منطقة إدلب الواقعة في الشمال الغربي.
وأكد الموقع أنه لا يمكن استرداد هذه المنطقة المتمردة عسكريا حتى بدعم من الميليشيات الأجنبية بقيادة طهران والجيش الروسي، لأن القوات السورية لا تملك الوسائل التقنية والبشرية اللازمة لذلك. وفي الواقع، يعد العدو قويا جدًا. وفي حالة الطوارئ، يمكن أن تدعمه أنقرة مباشرةً. أما تركيا، التي تستضيف حوالي ثلاثة ملايين لاجئ، فلا تملك الوسائل لاستقبال المزيد منهم. وقد يكون هجوم الحكومة السورية كارثيا في هذا المجال.
وذكر الموقع أن الولايات المتحدة تنسحب تدريجيا من سوريا لأن مصالحها المباشرة أضحت اليوم في مناطق أخرى (في الشرق الأقصى)، بينما تسعى تركيا للحفاظ على الأمن على حدودها الجنوبية من خلال التركيز على حزب العمال الكردستاني.
ولدى إيران مشاغل أخرى في ظل العقوبات الأمريكية والتوتر المتصاعد مع السعودية والإمارات، أما روسيا التي حصلت على ما أرادته، وهو التواجد العسكري في البلاد على المدى الطويل، فباتت كل الظروف متوفرة بالنسبة لها لبدأ مفاوضات جدية، لكن دون الأسد وعائلته.
ونوه الموقع إلى أن الإمكانية السياسية التي تقترحها موسكو تطرح مشكلة لأن المرشحين المحتملين لخلافة عشيرة الأسد موجودون بالفعل في القائمة السوداء للبلدان الغربية مع إمكانية مثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم عديدة. لكن ماذا عن الخليفة المحتمل لبشار الأسد؟
في السابع من الشهر الجاري، عُين اللواء علي مملوك، المستشار المقرب لبشار الأسد وأحد الأعضاء المؤسسين لأجهزة المخابرات التابعة للقوات الجوية، نائبا للرئيس مكلفا بالأمن.
وفي السابق، كان مملوك يشغل منصب رئيس مكتب الأمن القومي، أي أنه كان يشرف على تنسيق عمل جميع هذه الأجهزة السرية في سوريا. لكن، رُفعت عديد الدعاوى القضائية ضده في الخارج وخاصة في فرنسا، حيث يتم تتبعه بتهمة “التواطؤ في أعمال التعذيب، والتواطؤ في حالات الاختفاء القسري وفي جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب”. وهو يُمنع من السفر إلى الغرب.
وأورد الموقع أن مهام مملوك السابقة دفعته إلى مقابلة العديد من المسؤولين الأجانب، سواء في سوريا أو خارجها. فقد انتقل إلى موسكو والقاهرة وعمان رسميا، واستقبل بشكل سري في أنقرة وجدة وحتى روما. وقد يكون مملوك قد التقى بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي استقبله بحفاوة. ويمكن لترامب الاستغناء عن رأي أوروبا من أجل الحصول على بداية اتفاق سيصوره على أنه نجاح شخصي له في الانتخابات الرئاسية المقبلة لسنة 2020.
وأضاف الموقع أن علي مملوك، المسلم السني، موضع شكوك من قبل بعض المراقبين. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الأمر ينطبق على العديد من المعيّنين الجدد، وهو ما يعد من الناحية السياسية أمرا غير اعتباطي في دولة ذات أغلبية سنية، التي ينتمي معظم قادتها الحاليين إلى الطائفة العلوية.
يعرف الروس الجنرال مملوك جيدا، الذين تربطهم به علاقات وثيقة منذ سنوات عديدة، حتى قبل انهيار الاتحاد السوفيتي. كما عوّض اللواء محمد ديب زيتون، رئيس شعبة المخابرات العامة اللواء مملوك في منصب رئيس مكتب الأمن القومي، ومن المرجح أن يكون سنيا هو الآخر. ومع ذلك، تم تضمينه أيضا في القوائم السوداء الغربية. وقد حل محله في منصبه السابق اللواء حسام لوقا.
وأشار الموقع إلى أنه في إطار لعبة الكراسي هذه، تم استبدال جميل حسن على رأس أجهزة المخابرات التابعة للقوات الجوية السورية التي قادها منذ سنة 2009 باللواء غسان إسماعيل. وقد خلف ناصر العلي حسام لوقا كرئيس لشعبة الأمن السياسي. وتولى اللواء ناصر ديب إدارة الأمن الجنائي بدلاً من صفوان عيسى.
وأورد الموقع أن استبدال جميع مسؤولي المخابرات لا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة. ويرى البعض أن لموسكو، التي سيكون لها الأسبقية على طهران في سوريا، تأثير في مثل هذه التحويرات. ويجب الانتظار حتى يتم تأكيد أن الروس سيطروا حقًا على سوريا. ولكن تكمن المشكلة في أن السكان المدنيين هم الذين يدفعون ثمنا باهظا لاستمرار وضع الحرب منذ سنة 2011.