الطريق من كركوك إلى الرقّة
مهند الكاطع – خاص شباب بوست
كم كان الأسبوع المنصرم حافلاً بالأخبار والمفارقات، لم يعد المشاهد العربي يعرف أيهما أجدرُ بالمتابعة، أحداث كركوك العراقية أم أحداث الرقّة السوريّة.
لقد تفاجئ الجميع بإعلان الجيش العراقي المدعوم من الحشد الشعبي الشيعي تحرير كركوك ومعظم المناطق المتنازع عليها والتي كانت قوات البيشمركة الكردية قد احتلتها في حزيران 2014م وتدعي أنها باتت ضمن حدود كردستان، بل كانت تسمي كركوك ( قلب كردستان).
أعقب ذلك في نفس الإسبوع إعلان ميليشيات العمال الكردستاني التي تعمل في سورية باسم قوات سورية الديمقراطية ( قسد) عن تحرير الرقّة عاصمة الرشيد بعد أن دمر التحالف الدولي 90% من منازلها وهجّر أهلها شر تهجير.
قوات سورية الديمقراطية احتفلت بما اسمته تحرير الرقّة المدينة العربية الخالصة، ورفعت صورة كبيرة جداً لعبد الله آوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني في الساحة المركزية للرقة، وأهدت هذا التحرير لزعيم الحزب الذي لا يزال مصنفاً على قوائم الإرهاب العالمية بما فيها قائمة الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال تزود عناصر هذا التنظيم في سورية بالسلاح والعتاد. لم تتأخر هذه الميليشيا بالإعلان عن أن الرقة باتت جزء من تجربة الإدارة الذاتية، وأنها ستسلم إدارتها للمجلس المدني للمدينة والذي تم تعيينه من قبل العمال الكردستاني وفقاً للعناصر الذين يمكن شراء ولائهم والاعتماد عليهم.
عودة إلى كركوك، تلك المدينة التي لها خصوصية كبيرة ليس لكونها فقط تضم عناصر مختلفة عربية وتركمانية وكردية وغيرها من العناصر الأثنية والطائفية المختلفة، بل لأهميتها الاقتصادية مع وجود كميات كبيرة من النفط تتجاوز رائحته الحدود العراقية إلى الدول الإقليمية وربما العالمية. هذا كله يفسر الاهتمام الكبير للأكراد بكركوك، واعلانهم على لسان مسعود البرزاني منذ السيطرة على كركوك سنة 2014 بأن البلدة باتت جزء من إقليم كردستان. إضافة إلى المناطق الأخرى المتنازع عليها التي أصرت القيادة السياسية في كردستان العراق على إجراء استفتاء فيها رغم رفض الخطوة إقليمياً وعالمياً.
استغلت حكومة بغداد تورط القيادة الكردية بمسألة الاستفتاء الذي ولد ميتاً، ولم تعترف به أي دولة في العالم، وفي هذا الإطار شهدت المنطقة تحركات سياسية وعسكرية وتقارب إيراني – تركي – عراقي، جاء في محصلته تحرك عسكري عراقي مفاجئ باتجاه كركوك والمناطق المتنازع عليها، ليتم السيطرة على المدينة خلال ساعات ودون أي مقاومة، ساعد على ذلك انسحاب القوات الكردية المرتبطة بالطالباني وتسليم مواقعهم للجيش العراقي، الأمر الذي يربطه الكثير من المراقبين بزيارة قاسم سليماني قبل أيام من الهجوم إلى السليمانية، مستغلاً الخلاف السياسي بين الحزبين الرئيسين في كردستان العراق ، ليضمن ولاء الطالبانيين اتجاه التحركات العراقية الأخيرة.
البرزاني رغم أنه استطاع إقامة علاقات دولية مع دول إقليمية وعالمية، ونجح في اقناع العديد من الدول بفتح ممثليات قنصلية في أربيل والاستثمار في إقليم كردستان العراق، يبدو أنه عبر لعبة الاستفتاء والسيطرة على المناطق المتنازع عليها، منتهزاً شعار الحرب على داعش، قد جعله يفقد كل حلفائه دفعة واحدة، ويعود لنقطة البداية.
وهنا نتساءل ، هل يعتقد صالح مسلم وميليشياته، بأنهم أهم عند أمريكا مثلاً من البرزاني ؟ وهل يتوهمون بالفعل بأنهم يستطيعون تحقيق مشروع قومي لهم في سورية باستغلال الأوضاع الراهنة في سورية؟
أنا أرجح بأن التخلي عن العمال الكردستاني سيكون في ساعة صفر مفاجئة للجميع، وسيكون حينها وضع جماعة قسد أسوء بكثير من حالة أكراد العراق، الذين عملياً لم يخسروا إقليمهم ( كردستان العراق)، لكن ميليشيات العمال الكردستاني في سورية، فلن تجد عند رفع الغطاء عنها قرية أو وادي في الجزيرة يأويها، بل سيسقط مشروعهم دفعة واحدة وللأبد.