الإيقاعات اليومية للألم تتغير حسب نوعه ويحددها المصدر والساعة البيولوجية. لذا إذا شعرت بأن آلام ظهرك والصداع تزداد سوءاً ما أن تحاول الخلود إلى النوم، فعلى الأغلب أنك لا تتوهم ذلك.
نعتقد في بعض الأحيان أن الألم عرضة للتحكم فيه بواسطة مفتاح تشغيل وإيقاف.
على سبيل المثال، إن أصبت بالصداع جراء جلوسك لفترة طويلة أمام الكمبيوتر، تناول قرص إيبوبروفين وسيختفي صداعك.
لكن الواقع أكثر تعقيداً، خاصة للأشخاص الذين يعانون من حالات الألم المزمن.
الألم أكثر تعقيداً من الشعور به
في ضوء ذلك يقول الدكتور مارك بوريش، أستاذ مساعد في قسم Vivian L. Smith لجراحة الأعصاب في كلية ماكغفرن الطبية في مركز جامعة تكساس لعلوم الصحة بمدينة هيوستن UTHealth : «إن الألم أكثر تعقيداً قليلاً من عملية الشعور به أو عدمه. ففي أمور عرضية مثل الصداع أو آلام الظهر، غالباً ما يتحدث الناس عن الألم المتذبذب، الذي يأتي ثم يزول مع مرور الوقت» .
يعمل بوريش كجزء من مجموعة بحثية في مركز UTHealth مع د. زينغ جايك تشين، الأستاذ المساعد في علوم الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية، جنباً إلى جنب مع د.سيونغ هي سالي يوو، الأستاذ المشارك في علوم الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية.
الإيقاعات اليومية للألم
لا يخضع الألم فقط لسيطرة عوامل خارجية مثل الإصابات أو الإجهاد؛ إذ تظهر المزيد من الأبحاث أن الحساسية للألم وحالات الألم تتبع إيقاعاً على مدار 24 ساعة، أو ما يعرف بإيقاع الساعة البيولوجية.
يملك الجسد بأكمله إيقاعاً بيولوجياً، والذي يحدد وفقاً لدورة الليل والنهار، جنباً إلى جنب مع عوامل أخرى.
لكن الخلايا الفردية، بما في ذلك الخلايا العصبية، يمكن أن يكون لها إيقاع ساعة بيولوجية خاص بها، ربما تتزامن مع الجسم وربما لا.
وتظهر حالات الألم المختلفة أنماطاً مختلفة من الألم على مدار اليوم.
إذ تظهر الآلام الصباحية لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض التهابية، بما في ذلك الصداع النصفي، والتهاب المفاصل الروماتويدي، وآلام الأسنان.
لكن الأشخاص الذين يعانون من آلام الأعصاب، كما هو الحال في الألم العصبي التالي للهربس أو اعتلال الأعصاب السكري أو السرطان، يكونون أكثر عرضة لآلام أسوأ في المساء أو في الليل.
يصبح الألم أسوأ في وقت محدد من اليوم
في ضوء ذلك يعلّق د.بورش قائلاً: «بالنسبة لهذه الأنواع من الأمراض، فهناك نمط يومي بحسب الساعة البيولوجية للألم. إذ يميل الألم إلى أن يصبح أسوأ في أوقات معينة من اليوم أكثر من غيرها» .
في بعض الأحيان، لا يكون الألم سيئاً للغاية، لكن في أوقات أخرى يكون الألم شديداً بما يكفي ليعيق الأفراد من الذهاب إلى العمل أو ممارسة الرياضة أو حتى زيارة الأصدقاء.
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن للآلام المسائية أن تعكر صفو النوم كذلك، مما يزيد من سوئه.
أما في حالة الأشخاص الأصحاء، فتتذبذب حساسية الألم أيضاً على مدار اليوم.
فيقول بوريش إن بعض الدراسات تظهر أنه «إذا أتاك مريض عادي لا يشكو من أي ألم، وقمت على سبيل المثال بتحفيز عصب في ساقه للألم، ستجد أن عتبة الإحساس بالألم لديه تنخفض قليلاً وتزداد حساسيتها في أوقات محددة من اليوم» .
في دراسة أجريت عام 2015، عرض باحثون إسرائيليون مجموعة من الرجال للحرارة والألم البارد في أوقات مختلفة من اليوم. ووجدوا أن حساسية الرجال للألم كانت أقل أثناء الصباح.
ووجدت دراسات أخرى أن الناس أقل حساسية للألم الكهربائيوألم نقص التروية الناتج عن قطع إمداد الدم عن الساعد.
وشملت هذه الدراسات كلاً من الرجال والنساء.
نمذجة إيقاعات الألم
يشمل الإحساس بالألم العديد من المكونات، بدءاً من مستقبلات الألم في الجلد وأجزاء أخرى من الجسم التي تستشعر الحافز الأولي، وصولاً إلى الخلايا العصبية التي تعالج هذه الإشارات، والدماغ الذي يفسر تلك الإشارات.
ولفهم أفضل للكيفية التي نواجه بها الألم، قامت مجموعة من الباحثين من جامعة ميشيغان وجامعة نيويورك بتطوير نموذج رياضي للكيفية التي تُعالَج بها إشارات الألم في الحبل الشوكي.
ونشرت نتائجها في 11 يوليو/تموز في مجلة PLOS Computational Biology.
يرى بوريش أن ما يميز معالجتهم هو تضمين الباحثين مدارس فكرية متعددة في نموذجهم، مثل نظرية بوابة التحكم في الألم، والآليات الجزيئية للساعة البيولوجية، والبيانات السلوكية بشأن حساسيات الألم، مع محاولة الدمج بين المدارس الثلاث.
في نظرية بوابة التحكم في الألم، يُمنع مرور إشارات الألم على نطاق ألياف عصبية معينة بواسطة ألياف عصبية أخرى، الأمر الذي يحفز الخلايا العصبية التي ترسل إشارات الألم إلى الدماغ من البث طوال الوقت.
عندما يصل المحفز المؤلم إلى مستوى معين، فإنه يتجاوز عملية التثبيط وتُفتح «البوابة». ينشّط هذا الخلايا العصبية المتجهة إلى الدماغ، مما يخلق تجربة الألم.
يرى بعض العلماء أن هذا التوازن الطبيعي للتثبيط/الحث، يتلاشى في حالات مثل ألم الاعتلال العصبي.
يحدث ألم الاعتلال العصبي بسبب الأمراض التي تتضمن إصابات المخ أو الحبل الشوكي أو الألياف العصبية.
وربما يظهر على أنه ألم حارق أو كهربائي أو ألم حاد. عندها، يمكن لأي محفز إيلامك، حتى لو كان غير مؤلم كارتداء جواربك.
تجدر الإشارة إلى أنه عندما قام واضعو الدراسة الجديدة بتشغيل نموذجهم من خلال عمليتي تثبيط أو حث طبيعيين لإشارات الألم في النخاع الشوكي، تطابقت نتائجهم مع ما شوهد في الدراسات التجريبية، بما في ذلك التذبذبات اليومية.
الإيقاع نفسه يحكم ألم الحرارة والبرودة
في تعليقه، يقول د.نادر غاسملو، الأستاذ المساعد ومدير مختبر Pain Chronobiology & Neuroimmunology بجامعة كوينز في مدينة كينغستون بأونتاريو، إن الدراسات أظهرت أن ألم الحرارة وألم البرودة والألم الميكانيكي لديها جميعاً نفس الإيقاع على مدار اليوم.
على جانب آخر، عندما قام الباحثون بتشغيل النموذج مرة أخرى بإشارات تثبيط أو حث متقطعة، جاءت نتائجهم مطابقة لما يظهر في الدراسات التي تبحث في إيقاعات ألم الأعصاب اليومية.
علاج الألم عن طريق إيقاعاته
يشير هذا البحث إلى الطريق نحو وسيلة مختلفة لعلاج الألم، واحدةٌ تأخذ في اعتبارها التذبذبات اليومية للألم.
تعرف تلك الطريقة باسم العلاج الزمني، وهي ما قال عنها د.نادر إنها «أسهل طريقة لاستخدام إيقاعات الساعة البيولوجية لصالحنا» .
في أغلب الأحيان، يعطى المرضى الأدوية بحيث تظل كمية الدواء الموجودة في دمهم أعلى من مستوى معين.
يقول د.نادر: «عادةً إذا تناول المريض الأدوية الموصوفة، فستكون الوصفة على غرار قرصين في الصباح، وقرصين ليلاً» .
ولكن بسبب تذبذب آلامهم على مدار اليوم، فربما يبلون أفضل بتناول حبة واحدة في الصباح وثلاثاً في الليل.
استخدم هذا النهج ولاقى بعض النجاح في حالات التهاب المفاصل الروماتويدي.
كما جرى اختباره في الحالات المرضية غير المؤلمة، مثل تناول أدوية ضغط الدم أو العلاج الكيميائي.
يعلّق د.نادر على فاعلية تلك الطريقة، فيقول: «من خلال تغيير الوقت الذي يتلقى فيه المريض جرعته، يمكن فعلاً تحقيق تأثير أكبر على النتيجة» .