أيادي قسد تطال المدارس الخاصة في الحسكة

مهند الكاطع – خاص شباب بوست

لقد دأبت ميليشيات الأمر الواقع المرتبطة بحزب العمال الكردستانيوالتي تعمل تحت مسميات مختلفة ( الأسايش، الحماية الشعبية، قسد، مسد..الخ)، والتي كانت قد اعلنت مراراً عن إقامتها لإدارة ذاتية في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، على محاربة التعليم بشتى الوسائل، فلم يقتصر الأمر على تجنيد الأطفال قسرياً في صفوف ميليشياتها ودفعهم لحتفهم، الأمر الذي كانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد أدانته أكثر من مرة، بل تعدى الأمر إلى محاولة هدم المؤسسة التعليمية برمتها، عبر السيطرة على المدارس الابتدائية، وتغيير المناهج واستبدالها بمقررات ركيكة وتفتقر لأي محتوى علمي، وتحتوي على مئات الأخطاء الفادحة، فضلاً عن ترويج هذه المناهج لإيديولوجية العمال الكردستاني والعسكرة بين صفوف الأطفال. اذ غالباً ما تركز المناهج الجديدة على نشر صور مقاتلين ومقاتلات تابعين لحزب العمال الكردستاني مع لمحة تمجيديه عن حيوات هؤلاء المقاتلين ، يمكن ملاحظة عناوين بعض الدروس للصف الثالث الابتدائي التي تشيرُ غالباً إلى مفردات مستخدمة في الصراع والمعارك، ” بطل، شهيد، خالدون، عروس كوباني، سأعيش حراً”، بالإضافة إلى تقديس عبد الله آوجلان ونشر صوره بوصفه قائداً للشعب، وبطلاً للأمة.

لقد قامت قوات قسد منذ عام 2015 وحتى عام 2017 بالسيطرة على معظم المدارس الابتدائية والاعدادية في محافظة الحسكة، ففي منطقة القامشلي على سبيل المثال قامت هذه الميليشيات بالسيطرة على أكثر من 82% من مدارس القامشلي ونواحيها وقراها ، حيث بقيت فقط 41 مدرسة تدرس المنهاج الحكومي من أصل 221 مدرسة. في حين من المقرر أن تستكمل ميليشيات قسد السيطرة على المدارس الثانوية في المحافظة هذا العام 2018-2019.

ما يمكن ملاحظته أن نسبة كبيرة من الكوادر التي تقوم بالتدريس في مدارس الإدارة الذاتية من غير المؤهلين، فالأغلبية الساحقة منهم حاصل على شهادة التعليم الابتدائي، أو الإعدادي، ونسبة ضئيلة جداً منهم حاصلين على شهادة التعليم الثانوي، أو إجازات جامعية خارج ملاك الدولة السورية تربوياً.

إغلاق المدارس “المسيحية” الخاصة

عدد المدارس الخاصة قليل جداً، ومن ضمن هذه المدارس مدرسة الأمل الخاصة التابعة لطائفة السريان الأرثوذكس و التي تضم نحو 9 فروع لها في جميع أنحاء محافظة الحسكة، وهذه كلها تم السيطرة عليها قبل عدة أيام من قبل ميليشيات قسد، إضافة إلى مصادرة مدارس الأرمن الارثوذكس الابتدائية والاعدادية، وكذلك مدارس السريان الكاثوليك والبروتستانت والآشوريين، حيث بلغ مجموع المدارس المسيحية التي تمت السيطرة عليها 13 مدرسة ابتدائية واعدادية.

لم تقدم ميليشيات العمال الكردستاني أي مبرر لهذه السيطرةباستثناء حجة عدم حصولهم على التراخيص اللازمة ومخالفتهم أحكام هيئة التربية والتعليم في مقاطعة الجزيرة. إلا ان هذه السيطرة تأتي في إطار ما يسمى الإدارة الذاتية، التي تحاول من خلالها فرض هيمنتها بالقوة على جميع مكونات المجتمع الجزراوي، وإجبار الأهالي على الرضوخ لمناهج الإدارة الذاتية المؤدلجة والتي لا تقدم أي قيمة علمية في واقع الأمر، أو الجلوس في المنزل. وكل ذلك ضمن إطار سياسة التجهيل للمجتمع المتبعة في سياسة العمال الكردستاني، فقد دأب حزب العمال الكردستاني خلال حربه مع تركيا على حرق المدارس أيضاً في القرى الكردية هناك، واغتيال المعلمين، الأمر الذي ساهم في تجهيل المنطقة لسنوات طويلة.

موقف الطوائف المسيحية

كان ؤوساء وكهنة الكنائس المسيحية في الجزيرة والفرات قد عقدوا اجتماعاً في يوم 18 آب 2018 وأصدروا بياناً أكدوا من خلاله رفضهم القاطع لكل أشكال التعدي على حقوق المسيحيين، موضحين بأن خطوات إغلاق المدارس تستهدف الوجود المسيحي في المنطقة، ورافضين أيضاً اي خطوات لفرض تراخيص أو مناهج على هذه المدارس التي تتمتع بصفة شرعية وقانونية، بل وتعتبر من أقدم المدارس في المحافظة، وأن أهميتها لا تقل عن أهمية الكنائس. إلا أن الإدارة الذتية بعد عشرة أيام على هذا البيان، قامت بإجراءات عملية واقتحمت المدارس وصادرتها.

المرصد الآشوري لحقوق الإنسان فقد أكد في بيان أصدره بأن “عناصر مسلحة من الإدارة الذاتية قاموا باقتحام المدارسة المسيحية في القامشلي”.

وأشار المرصد إلى أن “العناصر المسلحة اقفلت المدارس، وطردت المعلمين والإداريين والطلاب، كونهم لم ينصاعوا لأوامرهم بتدريس مناهج غير شرعية وغير معترف فيها محليا واقليمياً ودولياً، وليس لها أي أساس قانوني أو تربوي”.

حقيقة استهداف الوجود المسيحي

من الصعب الحديث عن استهداف وجود مسيحي من خلال ممارسات ميليشيات العمال الكردستاني التي تضم ضمن قواعدها احزاب وهيئات وميليشيات مسيحية أيضاً، كما أنه يبدو أن الحديث عن استهداف المسيحيين والوجود المسيحي هو محاولة لاستجداء موقف دولي من المفترض أنه يستجيب عادةً لنداءات الأقليات وخاصة المسيحية منها. فنحن لم نسمع مثلاً من الطوائف المسيحية والكيانات السياسية والحقوقية لهم أي إدانة اتجاه سيطرة الميليشيات الكردية على مئات المدارس خلال السنوات الثلاث الماضية، ولم يبدأوا بالاحتجاج إلا بعض ان تم مصادرة مدارسهم الخاصة.

الواقع بأن هذه الميليشيات تستهدف جميع المكونات في المحافظة، بما فيها الكردية، فهي تستهدف العملية التعليمية برمتها، وتحاول تجهيل الأجيال الحالية والقادمة بهذه الممارسات اللامسؤولة، وتسعى لفرض اجندتها وايديولوجيتها وإبقاء المؤسسة التعليمية بشكل خاص تحت سيطرتها وحرمان الأطفال من التعليم الأساسي. لا اعتقد أن هذا بعيداً عن أهداف النظام أيضاً، فالعلم طالما كان عدو الاستبداد، ومن مصلحة النظام أيضاً أن تبقى هذه الأجيال جاهلة متخلفة، ولا أدل على ذلك من تدمير البنية التعليمية والتحتية في باقي المحافظات السورية بحجة محاربة الإرهاب، وتهجير الملايين من أهالي ريف دمشق وحمص وحلب ودير الزور والرقة.  

مطلوب من الجميع بذل أكبر قدر ممكن لإيقاف جرائم وانتهاكات الميليشيات الكردية في منطقة الجزيرة السورية، وان يستشعر الجميع من كافة الأطياف والمكونات المسؤولية ويقفون موقفاً واحداً اتجاه هذه الممارسات الإرهابية العدوانية.