أبعاد اعتقال صالح مسلم في التشيك
شباب بوست
27/02/2018
مقالات
مهند الكاطع – خاص شباب بوست
بدء العلاقة مع أوجلان
صالح مسلم من مواليد سنة 1951م ، ينحدر من قرية شيران التابعة لعين العرب، تلقى تعليمه الابتدائي في عين العرب وأكمل الأعدادية في دمشق ثم أختتم دراسته الثانوية في دمشق، قبل ان ينتقل إلى اسطنبول لمتابعة دراسته الجامعية في جامعة اسطنبول التقنية، حيث تخرج منها سنة 1977 مهندساً كيميائياً. حصل صالح مسلم محمد على عقد عمل في المملكة العربية السعودية، مع المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين) التابعة لوزارة البترول السعودية، وتعرف أثناء إقامته في السعودية على حزب العمال الكردستاني، وبدأ بالانخراط والعمل في صفوفه وبعودته إلى سورية سنة 1983م التقى أوجلان ودياً في المنزل الذي كان يقيم فيه في حي المزة في قلب العاصمة دمشق، وبدأت هنا علاقة الرجلان، وهناك عدة صور يظهر فيها صالح مسلم مع عبد الله آوجلان تارةً ومع مقاتلي العمال الكردستاني (الكريلا) في جبال قنديل تارة أخرى.
إعادة تشكيل العمال الكردستاني “سورياً”
كانت الضغوط التركية على دمشق تزداد يوماً بعد يوم على النظام السوري، وبدأ النظام منذ عام 1997م بمحاولة التخلص من ورطة العمال الكردستاني، وقبل التخلص من أوجلان، فقد عمد النظام عبر أجهزة مخابراته إلى تأسيس حزب كردي ( شبه رسمي)، باسم ” التجمع الوطني الديمقراطي الكردي السوري” بقيادة رجل المخابرات السياسية السورية ( مروان زركي) يعاونه في قيادة هذا الحزب بعض الكرد السوريين المحسوبين على عبد الله آوجلان، مثل عمر أوسي ( عضو مجلس الشعب الحالي)، وكان صالح مسلم أيضاً عضو في المكتب السياسي لهذا الحزب، وقد أعلن هذا الحزب الذي كان يجري التحضير له من قبل أجهزة الاستخبارات السورية عن نفسه بشكل رسمي في 10 كانون الاول / ديسمبر 1998، أي بعد خروج اوجلان من سورية بشهرين، وذلك للحفاظ على اكبر قدر من اعضاء العمال الكردستاني السوريين وذلك للالتفاف على اتفاقية اضنة الامنية مع تركيا قدر المستطاع، عبر جعلهم يعملون تحت غطاء حزب سوري بشعارات مختلفة ظاهرياً، ولاستخدامهم لاحقاً متى ما سنحت الفرصة.
اعتقل اوجلان، وتم الاعلان عن هدنة طويلة الامد، وطالب اوجلان انصاره بسحب مقاتلية خارج الحدود وحل الحزب، وتشكلت على اثر ذلك وبتعليمات من اوجلان اربعة احزاب كردية تابعة للعمال الكردستاني باسماء مختلفة في كل من تركيا وسورية والعراق وايران ، وتأسس بذلك سنة 2003 تأسس حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)، فرع الكردستاني في سوريا، وامتداد الحزب الذي ساعد النظام بتشكيله تحت اسم ( التجمع الوطني الديمقراطي الكردي السوري) . بعد أن أقام مؤتمره التأسيسي الأول في معاقل حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل.
محطات بين الفتور والتحالف مع النظام
بقي مسلم يعمل في حلب في مكتبه الهندسي الذي افتتحه و مارس من خلاله نشاطه السياسي غير بعيد عن أعين وإشراف المخابرات السورية، وسنة 2007 وعلى أثر بعض الحوادث الأمنية في عين العرب ، صدر أمر من الأمن السوري باعتقال مسلم وزوجته عائشة افندي واثنان من معاونيه، قضى احد معاونيه في السجن، بينما بقيت زوجته 9 اشهر في السجن، وتوارى صالح مسلم عن النظام داخل حلب، ويقال أن أحكام وصلت حد الاعدام صدرت بحقه، لكن مع بدء الثورة السورية عام 2011، تم العفو عنه، وتم استدعاءه والاتفاق معه على الظهورلاقامة تحالف مع منحه حرية الحركة داخل سورية واستخدام المنافذ والمخارج الحدودية بكامل الحرية، وبدأ تعاونه من النظام منذ ذلك الحين بشكل كبير، وبدأ مسلم بتأسيس القوات العسكرية رديفة للنظام، مستفيداً من الاعداد الكبيرة من عناصر العمال الكردستاني التي بدأت على اثر هدنة معلنة مع الاتراك واتفاق بالانسحاب، للانسحاب ودخول الاراضي السوري بكل حرية، كما قام النظام السوري باطلاق سراح كل العناصر المرتبطة بالعمال الكردستاني، وبدأ العمل والتعاون والتحالف بصورة شبه علنية في منطقة الجزيرة وعين العرب وعفرين.
لم يمنع ذلك صالح مسلم ان يعلن نفسه بانه احد اطراف المعارضة الداخلية وذلك بتوجيه من النظام غالباً، مستخدماً الغطاء الذي وفرته ( هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي) التي تأسست في 6/10/2011 وشغل صالح مسلم رئيس الاتحاد الديمقراطي منصب نائب المنسق العام لـ ” الهيئة” حسن عبد العظيم.
كانت الهيئة حريصة على وجود حزب كردي، وبشكل خاص حزب يعلن بانه مع وحدة سورية، ويعلن موافقته على مبادئ هيئة التنسيق والالتزام باطارها، غير ان الهيئة بكل أسف لم تعر أي اهتمام لممارسات الحزب والانتهاكات التي ارتكبها بحق العرب والاكراد السوريين ، ولم تستطع التوفق لاصدار قرار بالتخلي عن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي كانوا يدركون بأنه يتلقى دعمه من النظام.
صالح مسلم وعلاقاته الاقليمية والدولية
كان صالح مسلم يحاول العمل مع كافة الأطراف ، ويحاول اللعب على كافة التناقضات، وبهذا الشكل أو ذاك كان يحاول تقديم نفسه كقائد ميليشيا تستطيع تنفيذ مصالح أي طرف والتعاون معه شريطة ان تكون المنفعة متبادلة، وعلى اسسا ذلك استطاع صالح مسلم مد جسور تواصل بادئ الأمر مع بغداد في عهد المالكي وقام بزيارة رسمية إلى بغداد، ثم زيارة لطهران ، وبدأ التنسيق معهم ومع النظام السوري، وكان وجود عناصر تابعة لحزب الله في الحسكة إضافة إلى التغطيات الإعلامية التابعة لحزب الله وإيران في المناطق التي اعلن عنها صالح مسلم منذ عام 2013 مناطق ادارة ذاتية دليل على حجم التعاون المتبادل آنذاك، ثم تطور تنسيقه ليشمل الجانب الروسي ، خاصة مع استثمار التوتر الذي كان قائماً بين تركيا وروسيا، وبقيت اتصالاته قائمة باطراف خليجية اهمها الإمارات، وصولاً إلى التحالف الذي أقامه أخيراً مع الأمريكان تحت غطاء الحرب على داعش، والذي استطاع تأمين مصالح مشتركة له وللأمريكان في المنطقة الشرقية، تمثلت ببناء 11 قاعدة للأمريكان، مقابل إقامة الأمريكان مظلة حظر جوية تمنع أي قوة للنظام وحلفاءه من الاقتراب من هذه المناطق أو مهاجمة قوات الحماية الكردية التابعة لصالح مسلم فيها. ولا شك أن هذه المناطق تمثل أغنى وأهم المناطق في سورية من حيث الثروات الطبيعية والمائية والزراعية على مستوى سورية.
الموقف التركي
كان الاتراك يلتقون بمسلم في انقرة بشكل معلن، وكان المسؤولين الاتراك يصرحون بعد اللقاءات عن وجهات نظرهم، وكان الاتراك في سنة 2014 يحاولون الضغط على صالح مسلم ويبلغونه بضرورة الانخراط بجسم المعارضة السورية، ولا يكونوا شركاء لنظام الاسد وفق تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي السابق بولند ارينج، موضحين بأن صالح مسلم ، أبدى موافقته بادئ الأمر على طلب تركيا، إلا أنهم ذهبوا، وتعاونوا مع الأسد وشكلوا كانتونات، ومجالس ووزارات بشمال سوريا، بدعم من النظام”. وبقي التصعيد مستمراً بين العمال الكردستاني وتركيا، وبلغ ذروته بارتكاب عمليات تفجير داخل تركيا في عدة مناطق ومدن، وهجمات نفذها العمال الكردستاني على مراكز أمنية ومطارات وتجمعات ومظاهرات شعبية، الأمر الذي دفع بقطيعة كاملة مع أي جهود تهدئة كانت قائمة فتجددت الاشتباكات المتأثرة بالامدادات التي كان يقدمها فرع العمال الكردستاني في سورية الذي يمثله جناح صالح مسلم. وكانت السلطات التركية في نوفمبر 2016 اصدرت مذكرة اعتقال بحق مسلم، و47 مسؤولا رفيع المستوى آخرين في “الاتحاد الديمقراطي” الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية تحت ذريعة صلاته مع “حزب العمال الكردستاني”. وفي 13 من الشهر الجاري أدرجت الحكومة التركية مسلم على لائحة “أكثر الإرهابيين الملاحقين” متوعدة بتقديم أربعة ملايين ليرة تركية (أكثر من مليون دولار) مقابل تسليمه.
اعتقال مسلم في التشيك
كانت وكالة الأناضول التركية أعلنت بأنه تم مساء يوم السبت 24 شباط / فبراير 2018 اعتقال صالح مسلم في العاصمة التشكيية ، بعد أن أوقف عناصر الشرطة الجنائية الدولية الإنتربول مسلم استنادا إلى طلب ومذكرة اعتقال صدرت بحقه من قبل الحكومة التركية.
ويبدو أن تركيا وفق البيانات الرسمية الصادرة من وزارة العدل قد شرعت باتخاذ الاجراءات بشأن طلب تسليم مسلم، مشيرة إلى وجود دعاوى عامة ضده لدى المحكمة الجنائية العليا الرابعة في انقرة، على خلفية تفجير استهدف حديقة غوفان في العاصمة التركية في مارس 2016. كما وجهت المحكمة إلى مسلم تهمة الإخلال بوحدة الدولة والقتل العمد وإلحاق الضرر بالممتلكات العامة ونقل مواد خطيرة. وأشارت الوزارة إلى أن مذكرة التسليم بحق مسلم ستقدم إلى السلطات التشيكية عقب قرار السجن المؤقت بحقه، بموجب الاتفاقية الأوروبية بتسليم المجرمين.
بين اوجلان ومسلم
لا اعتقد بأن هناك مقارنة حقيقة يمكن إجراءها بين أوجلان ومسلم، فأوجلان الزعيم الذي ظهر كشخصية كاريزمية وبات شخصية رمزية لتيار ومناصري العمال الكردستاني وكل المؤمنين بالعنف الثوري الذي ينتهجه العمال الكردستاني، وربما لم ولن يتمكن صالح مسلم بأن يكون البديل الرمزي على أوجلان ، حتى إذا تماثلت ظروف اعتقال الرجلين، من حيث الاعتقال بتواطئ غربي – أروبي، ولا ندري إذا ما كان ايضاً سيتم تسليم صالح مسلم سواء بطريقة مباشرة كما هي الحال عند تبادل المجرمين، أم عبر اخراجه من دول الشنغن كما حصل مع اوجلان والايعاز للاتراك بمكان وجوده للقيام بعملية اختطافه كما حدث مع اوجلان.
على أي حال، ثمة نقطة مشتركة بين صالح ومسلم، وتشابه في ناحية حيوية واضحة، من جهة أن كلاهما كان أداة طيعة بأيدي الآخرين، وانهم نفذوا أجندة للآخرين، وأن ما حققوه كان عبارة عن سراب مقابل الخدمات التي قدموها، كما أن ذات السياسية تؤدي بطبيعة الحال لذات المخرجات، فسياسة العمال الكردستاني لم تجلب لأكراد تركيا سوى الويلات، وكذلك فرعها السوري بقيادة مسلم لا يبدو انها جلبت للأكراد سوى مزيد من الأوهام وبداية ربما لواقع سيء بعد ان وضعهم في حالة عداء غير مبرر مع الآخرين من ابناء شعبهم السوري.
لا يسعنا إلى انتظار الأيام وربما الأسابيع القادمة لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور، ثمة مؤشرات بأن اعتقال مسلم لم يأتي بمحض صدفة، بل ربما هناك طبخة كبيرة جرت، وربما اعتقاله كله هو نتيجة لصفقة كبيرة اشتركت بها عدة دول فاعلة، واختيرت التشيك فقط كمحطة اخيرة هامشية تماماً كما كانت كينينا تمثل المحطة الاخيرة لأوجلان قبل اعتقاله. وما يدعونا لهذا الاعتقاد، هو لما له من تأثير مباشر على زعزعة وتشتيت قوات مسلم واضعافها، وتراجع الروح المعنوية لدى انصار هذه القوات في سورية.