غياث سعيد ناج من معتقلات النظام يريد محاكمة جلاديه*

“كنا نبكي جميعًا، عندما تم إخبار محمد بأن أخاه مات تحت التعذيب، بينما كان هو في غيبوبة، لقد كان نحيب محمد مؤثرًا جدًا، حتى إننا نسينا آلامنا، وحاولنا التخفيف عنه. كنا 170 معتقلًا في مهجع صغير، في إدارة المخابرات العامة في دمشق”.

هكذا وصف غياث سعيد (47 عامًا) ما حصل معه، في أحد أيام العامَين اللذين قضاهما في سجون النظام السوري، بعد أن اختطفه عناصر الأمن العسكري، في مدينة السويداء (جنوب سورية)، بسبب نشاطه المعارض للنظام.

اختُطف غياث، من مسقط رأسه في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، عام 2014، وحُرِم من رؤية أطفاله وزوجته، عامين متتاليين، من دون أي مذكرة قضائية أو محاكمة.

أكمل غياث، وهو يصف ما حصل معه، في حديث لـ (جيرون): “أمضيتُ عدة أيام، في المنفردة (غرفة ضيقة جدًا تتسع لشخص واحد، ولذلك سميت بالمنفردة، لكن النظام السوري كان يضع فيها، من شخص واحد إلى عشرة)، ثم وُضعت في مهجع جماعي، مدة أربعين يومًا، تعرضتُ فيها لمختلف أنواع التعذيب، حيث تعرضت للضرب بالسياط، وبعصي حديدية، كما أنني تعرضت للصعق بالكهرباء والتجويع والإهانة والشتائم، وتم تعليقي عدة ساعات على ما بات يُعرف، عند السوريين، بــ (الشبح)، حيث كان المحقققون يحاولون إجباري على الاعتراف بحمل السلاح، مع أنني كنت ناشطًا سلميًا، وكل أهل السويداء يعرفونني، ثم تمّ تحويلي إلى سجن عدرا القريب من دمشق، بتهمة الإرهاب، وبقيت هناك بانتظار المحاكمة، وقد كنت مصابًا بعدة أمراض، وبعد مضي عامين على اعتقالي؛ تم الإفراج عني، من دون محاكمة، في عام 2016”.

غياث واحد من آلاف المعتقلين السوريين الذين وثقت اعتقالهم الشبكات الحقوقية المحلية والدولية، في سجون نظام الأسد، حيث يتعرض هؤلاء لشتى أنواع التعذيب والإذلال والإخفاء القسري، كما أن غالبيتهم لا يخضعون لمحاكمة، وقد تم اعتقالهم بشكل تعسفي دون مذكرات قضائية.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية سورية مستقلة) وثقت، حتى شهر آب/ أغسطس الماضي، غياب 85 ألف مدني سوري بشكل قسري، ويتحمل النظام المسوؤلية عن معظم هذه الحالات، كما وثقت الشبكة نفسها أكثر من 100 ألف مدني سوري، تم اعتقالهم من قبل النظام السوري دون مذكرات قضائية، ومعظمهم لم يخضعوا حتى الآن لمحاكمات، ويعيشيون في ظروف اعتقال تخالف أبسط الشروط الإنسانية المتعارف عليها دوليًا.

المنظمات الحقوقية الدولية كانت قد أصدرت عشرات التقارير، حول ما يجري في المعتقلات السورية والفروع الأمنية، بحق المعتقلين من ممارسة مختلف أنواع التعذيب، على يد عناصر النظام السوري، وبعضها أدى إلى وفاة المعتقلين تحت التعذيب، وهذا ما أشار إليه تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي)، في شهر شباط/ فبراير الماضي، بخصوص إعدام النظام لأكثر من 13 ألف معتقل، في سجن صيدنايا قرب العاصمة دمشق.

ينتهك النظام السوري الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم إقراره عام 1948 في المادة الخامسة التي تنص على منع تعرض أي إنسان للتعذيب أو العقوبات، كما ينتهك المادة التاسعة التي تنص على عدم جواز القبض على أي إنسان أو حجزه تعسفًا، ويخالف المادة 11 التي تنص على اعتبار أن كل متهمٍ بريءٌ حتى تثبت إدانته.

المحامي والناشط الحقوقي غزوان قرنفل أكد لـ (جيرون) أن “المادة 391 من قانون العقوبات السوري نصت على أنه من سام (ضرب) شخصًا بأنواع من الشدة لا يجيزها القانون، رغبة منه في الحصول على إقرارٍ عن جريمة أو على معلومات بشأنها؛ عوقب بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات، وإذا أفضت أعمال العنف عليه إلى مرض أو جراح؛ كان أدنى العقاب الحبس سنة، وأكدت المادة 53 من الدستور السوري الصادر عام 2012 على عدم جواز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك، ولا يسقط هذا الفعل الجرمي بالتقادم، ومن هنا؛ نجد أن الدستور رفض جريمة التعذيب، واعتبرها من الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم، وأحال عقاب فاعلها إلى القانون الذي عاقب الفاعل بالحبس، كما أسلفنا”.

أوضح قرنفل: “سورية كانت قد وقّعت عام 2004 على اتفاقية مناهضة التعذيب، بعد نحو عقدين من صدورها، ولكن هل التزمت السلطات السورية بما وقعت عليه، وهل احترمت دستورها وقوانينها!”. وبالنسبة إلى إمكانية الملاحقة، قال قرنفل: “لا يمكن وقف هذه الجرائم دون البدء بالمساءلة، ورفض منح الفاعلين أي حصانة منها، إن تجاهل مسألة المحاسبة عن تلك الجرائم يعني تكريس ثقافة الإفلات من العقاب، وهذا أخطر ما قد يواجهه مجتمع؛ لأنه يتيح لسلطة الاستبداد افتراس المجتمع وانتهاك حقوقه، ويوسع نطاق طغيانه”.

أضاف قرنفل: “هذا ما دفع الحقوقيين السوريين إلى البحث عن بدائل للمحاسبة، أمام إصرار روسيا وحلفائها على حماية العصابة الحاكمة؛ فكان أن اهتدى السوريون، بالتعاون مع منظمات حقوقية أوروبية، إلى الاستفادة من بعض القوانين الأوروبية التي تنص على ولاية عالمية لها بمستويات مختلفة بالمحاسبة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتبعًا لذلك؛ أقام ناشطون سوريون تعرضوا للتعذيب دعوتين الآن أمام القضاء الألماني، ضد عدد من الرموز الأمنية السورية، كما أقيمت دعوى في فرنسا بجريمة الإخفاء القسري، وهناك إمكانية للمزيد من الدعاوى التي يمكن إقامتها، في السويد والنرويج”.

ينتظر غياث، والكثير من المعتقلين السوريين، أن يلاقي الأسد، وضباطه المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات بحق المعتقلين السوريين، المصيرَ نفسه الذي لاقاه ديكتاتور الأرجنتين “خورجي فيديلا” الذي تتهمه منظمات حقوقية بإخفاء 30 ألف من الناشطين المعارضين لحكمه، في ثمانينيات القرن الماضي، حيث تعرض للمحاكمة، بعد مضي عشرين عامًا على ارتكابه هذه الفظائع، وتم إيداعه في السجن عام 2013.

يقول غياث: “وصلت إلى تركيا، بعد أن تمكنت من الهروب من منزلي، بسبب وصول تهديدات جديدة لي، تفيد بأن النظام ينوي اعتقالي للمرة الثانية، الآن أحاول الوصول إلى أوروبا، وعندي هدف واحد، أريد أن أرفع دعوى في المحاكم الأوروبية ضد نظام الأسد، وضباط فرع إدارة المخابرات العامة الذين أشرفوا على تعذيبي؛ كي لا ترى ابنتي أيامًا مشابهة لما مررنا به، نريد أن يُحاكَم المجرمون؛ كي نضمن مستقبل أطفالنا”.

*تم إنتاج هذه القصة الصحافية، بدعم من منظمة (صحافيون من أجل حقوق الإنسان) الكندية، وصندوق الأمم المتحدة للديمقراطية.

المصدر: جيرون

عن شباب بوست

انظر ايضا

من كان يستميت لفتح مدارس خاصة به اصبح اليوم يغلق مدارس غيره

الاحتقان مستمر و انباء عن اجراءات تصعيدية من الطرفين غدا

محمد اليساري…. رأي في مسلسل قيد مجهول

الكاتب و السيناريست محمد اليساري محمد اليساري لن يختلف اثنان تابعا هذا المسلسل في الأيام …

اتجاه معاكس في زمن التظليل الإعلامي

علي محمدوف – خاص ترك برس كانت حلقة هذا الأسبوع في برنامج الاتجاه المعاكس الذي …

إضاءة.. ناحية اليعربية ( تل كوجك/كوجر)

مهند الكاطع اليعربية ناحية في الجزيرة العليا، تتبع منطقة المالكية، محافظة الحسكة، وتقع على الحدود …