سوتشي أم صحارى 2؟!
في تموز2011 أقام النظام مهرجاناً في مجمع صحارى بدمشق ترأسه فاروق الشرع ، واستمر يومين ، قاطعته المعارضة ، وحضرته أحزاب النظام التي تدّعي المعارضة وهي منها براء ، ونتج عنه ثلاث توصيات أهمها إلغاء المادة الثامنة من الدستور.
ومع أن النظام استجاب لمطالب المؤتمر وألغى المادة المذكورة نصّاً ، إلا أنها بقيت قائمة عملياً ، واستمرت فروع الحزب في قيادة الحياة العامة والخاصة في البلاد ، وبقي أمناء فروع ” البعث ” في المحافظات رؤساءً للجّان الأمنية فيها.
وبالرغم من إلغاء النظام لحالة الطوارى ، إلا أن البلاد شهدت قتلاً وتدميراً لم يشهد له التاريخ مثيلاً ، واستجلب المرتزقة والطائفيين من كل أصقاع الأرض لمساعدته في قتل شعبه ، فضلاً عمّا بقي لديه من قوات.
ومنذ اعلان الرئيس الروسي عن نيته الدعوة إلى ما أسماه ” مؤتمر للحوار الوطني السوري ” في نهاية تشرين الأول الماضي ، يجتهد النظام لاختيار ممثليه إليه ، من أحزاب ” تدّعي المعارضة ” وأخرى صنّعها و خرجت للعلن خلال الشهرين الماضيين ، وشخصياتٍ موالية له ، اجتماعية واقتصادية ودينية ، كممثلين للشعب السوري ، بحيث تكون الكتلة الكبرى من المشاركين الـ1500 في المؤتمر من العملاء والمحسوبين عليه ، وبالتالي تضيعُ أصوات المعارضة الوطنية في زحمة الهتّافين له والمنادين باستمراريته وأبديته ، بالشكل الذي يتحول فيه المؤتمر الموعود إلى مهرجانٍ خطابيٍ أسديٍ بامتياز ، يمكن تسميته فيها بصحارى2 ، تطلق فيه الوعود التي لن يكون مصيرها أحسن حالاً من وعود فاروق الشرع عام 2011.
من القامشلي على سبيل المثال ، سوف يرسل النظام 25 ممثلاً عن الطائفة المسيحية ، وضعفيهم على الأقل ممثلين عن العرب والأكراد ، أما حزب الاتحاد الديمقراطي PYD المقرّب من روسيا والنظام ، فهو إن غاب عن المؤتمر بهذا الوصف ، فسوف يحضره عبر ممثلين مستقلين ، وقسْ على ذلك.
ويبدو من تصريحات الروس أنّ جدول المؤتمر سوف ينصبّ على تقسيم المشاركين إلى مجموعات ، واحدة لإعداد مسودةٍ للدستور، وأخرى لقانونٍ الانتخابات ، وثالثة اقتصادية ، وهلم جرا ، ويغيب مصير النظام ورأسه عن المؤتمر ، بحيث يبدو وكأنه متفقٌ عليه ، وهو ماصرح به أمس ألكسندر لافرينتييف عند حديثه عن حضور الإيجابيين واستقبالهم في المؤتمر فقط ، وبالشكل الذي يتبخر فيه المطلب الرئيسي للشعب السوري المتمثل برحيل النظام ، وتعطى الأولوية لقضايا فنّية ثانوية ليست محلاً للنقاش.
يعوّل الروس على المؤتمر في حيازة نصرٍ سياسيٍ دولي تمنحهم إياه المعارضة بمجرد حضورها ، يكون مؤكداً للنّصر العسكري الذي لم يكتسب الدرجة القطعيّة حتى الآن ، والذي مافتئ المسؤولون الروس يكررونه ليلاً نهاراً دون أن يقره أحدٌ لهم.
ذلك أن حيازة النّصر السياسي هي بمثابة صكّ براءة لهم من دماء السوريين ، وهي تتضمن اعترافاً ضمنياً بأن كل من قتلوهم كانوا إرهابيين ، وهو عكس الواقع والحقيقة ، فضلاً عمّا يعنيه ذلك من تتويجهم كقطب آخر قادر على التدخل والحسم حين يعجز الغرب ويفشل.
أمام تحدّي سوتشي أو ” صحارى 2 ” يبدو أن الهيئة العليا للمفاوضات أمام مفترق جديد ، فهي إما أن تشارك تحت ضغط منصّة موسكو التي أصبحت جزءاً منها ، وإما أن تشهد انشطاراً يودي بحياتها ، بعد تلغيم روسيا للهيئة في الرياض2.
مالايفصح عنه الروس ، يتركون مهمة شرحه لرئيس منصة موسكو قدري جميل ، الذي ينظر إلى شعارات الثورة على أنها متطرفة ، ويدعوها إلى الواقعية السياسية التي تعني من وجهة نظره التسليم والاستسلام للأمر الواقع الذي فرضه الروس بعد عامين من تدخلهم المباشر على الأرض .
وهو نفسه الذي أعلن بتورية لم تستر عورة ، أن سوتشي سوف يكون التجربة الناجحة لصحارى الفاشل ، الذي حضره آنذاك بصفته رئيساً لحزب الإرادة الشعبية ، وكوفئ بعدها بحقيبة وزارية في حكومة النظام ، قبل أن يتركها ويغادر إلى موسكو.
وبغض النظر عمّا تبيّته روسيا للمعارضة في سوتشي ، فإنه في أحسن الأحوال تجاه الثورة ، سوف تنتج منصةٌ جديدة ، تفوق كميّاً كل المنصّات الموجودة ، وسوف تطالب موسكو والنظام بضمها إلى وفد المعارضة من جديد ، وهو تفسير ماقاله وزير الخارجية الروسي لافروف في تصريحات منشورة على موقع وزارته بتاريخ 31/10/2017 ، وهكذا رويداً رويداً يتحول وفد المعارضة إلى نسخة أخرى عن وفد النظام.
الواقعية والمنطق يقضيان بألا يكون الروس في موقع الوسيط ، بل أنّ موقعهم الصحيح هو في الطرف الآخر من المعادلة ، وليس من الحكمة والنباهة أن نقبل وساطتهم أبداً ،
وبما أن نهاية كل حرب تبدأ بالتفاوض بين الخصوم ، فلتكن مفاوضاتنا معهم على هذا الأساس.
ربما تضطر المعارضة إلى الحضور ، إلا أن حضورها هذا لايخولها التنازل عن ثوابت الثورة ، التي هي من اختصاص أولياء الدمّ ، وربما يستطيع النظام بمساعدة الروس استعادة السيطرة على كل الأراضي السورية إلا أن ذلك لا يعني انتهاء الثورة التي انطلقت من حواضن الخوف فاتحةً الأفق أمام عهدٍ جديد لن يكون فيه للنظام المجرم أي دور.