أحالت القاضية في محكمة فارمنغتون هيلز، مارلا باركر، المراهق العربي الأميركي محمد الطنطاوي (16 عاماً) إلى المحاكمة بتهمة القتل العمد لوالدته ندى حورانية (35 عاماً) الصيف الماضي.
وقال الادعاء إن الطنطاوي أقدم على خنق والدته ثم رماها من نافذة الطابق الثالث من منزل العائلة، محاولاً إظهار أنها توفيت نتيجة سقوطها عن طريق الخطأ.
وكان الطب الجنائي قد كشف بأن الضحية فارقت الحياة جراء تعرضها لضربة قوية على الرأس ثم الخنق الذي أدى إلى وفاتها، وكانت المحكمة بصدد توجيه تهمة القتل من الدرجة الثانية للطنطاوي قبل أن تتوصل التحقيقات إلى أدلة جديدة تثبت أن حورانية قُتلت عمداً.
وشهدت جلسة الاتهام، يوم الجمعة ٨ كانون الأول (ديسمبر)، شهادات للطب الجنائي وشرطة فارمنغتون هيلز، وقد غصت القاعة بالحضور وتقاسمَها أقرباء وأصدقاء الضحية من جهة، والمتهم من جهة أخرى.
ووجدت القاضية باركر أن هناك ما يكفي من الأدلة لإحالة الابن إلى المحاكمة بتهمة القتل العمد، لاسيما بعد تضارب أقواله بشأن نشاطه قبل وأثناء وبعد وقوع الجريمة صباح ٢١ آب (أغسطس) الماضي.
في المقابل، رد محامي الدفاع بأن السلطات لم تبحث عن مشتبه بهم آخرين في جريمة القتل، على الرغم من «إمكانية وجود أشخاص يرغبون بإيذاء الضحية»، مشيراً إلى أن تصرفات حورانية «المتأمركة» كانت محل سخط كثيرين في مجتمعها الإسلامي، لاسيما مع بدئها إجراءات الطلاق وتواعدها مع آخرين بعد انفصالها عن زوجها الطبيب السابق باسل الطنطاوي.
وحورانية هي مدربة لياقة بدنية في قرية فرانكلين، وقد عثرت عليها ابنتها (١٤ عاماً) جثة هامدة على مصطبة المنزل الخلفية (الباتيو) في فارمنغتون هيلز، وقامت بإبلاغ الشرطة على الفور.
واستمعت المحكمة إلى شهادة خبير الطب الجنائي في مقاطعة أوكلاند روبن أورتيز-رييس، الذي تولى فحص جثة الضحية، وكذلك الرقيب في شرطة فارمنغتون هيلز ريتشارد وهبي الذي كان أول العناصر المستجيبين لاتصال العائلة.
من جانبه، قال الطبيب أورتيز-رييس إنه أجرى فحصاً ثانياً للجثة بعد إجراءات الدفن، وتبين له أن حورانية توفيت قبل سقوطها.
وبدوره، أدلى الشرطي وهبي بشهادته حيث كان أول عناصر الشرطة المتواجدين في مكان الجريمة عند الساعة الثامنة صباحاً يوم وقوع الجريمة حيث رأى المتهم وشقيقتيه ومعهم والدهم باسل الطنطاوي، فيما كانت الأم جثة هامدة على الباتيو خلف المنزل.
وقال وهبي إنه فحص النافذة التي سقطت منها أثناء تنظيفها، وكانت مفتوحة، لكن عدم وجود دماء نازفة من الجثة أثار ارتيابه، كاشفاً عن وجود لقطات مصورة تثبت أن حورانية قُتلت عمداً وليس جراء سقوطها بالخطأ.
مفاجأة الكاميرات
خلال تفقده منزل العائلة، لاحظ وهبي وجود عدة كاميرات مراقبة في أنحاء المنزل، وقد تبين أنها رُكّبت قبل شراء المنزل من قبل عائلة الطنطاوي التي كانت تظن أنها لا تعمل.
ولكن الشرطة تواصلت مع الشركة التي قامت بتركيب الكاميرات، لتكتشف أنها لا تزال تعمل وأنه يجري تسجيل المشاهد على جهاز «دي في آر» موجود داخل المنزل.
وعلى الفور، عادت الشرطة إلى المنزل وحصلت على إذن زوج الضحية للتفتيش عن الـ«دي في آر» الذي تم العثور عليه وسط مفاجأة العائلة المفجوعة.
وعلى الرغم من أن الكاميرات لا تغطي نافذة غرفة العلّية التي سقطت منها حورانية، إلا أنها تظهر كامل المسافة من خمسة أقدام أسفل النافذة وصولاً إلى الباتيو. وتظهر اللقطات المسجلة خيالات تتعارك قبل أن يتم قلب الجثة وقذفها من النافذة بقدم شخص آخر، غير واضح المعالم.
وقد أظهرات الكاميرا الجثة وهي تسقط هامدة دون حراك أثناء هبوطها إلى الأسفل.
ولم يتم عرض الفيديو أمام المحكمة، ولكنه يظهر أيضاً أن نور العلية أطفئ وأضيء عدة مرات مباشرة بعد سقوط الجثة.
وكذلك تُبيّن لقطات الفيديو، الابن المتهم وهو يتحدث إلى الطوارئ عبر «٩١١» لتلقي تعليمات الإسعافات الأولية. وقال الرقيب وهبي إن محاولات الطنطاوي لإنقاذ حياة والدته كانت هزيلة حيث لم يكن يطبق التعليمات كما يجب، على الرغم من أنه كان يزعم ذلك.
وقال وهبي إن أقوال الابن تضاربت بشأن نشاطه قبل وبعد وقوع الحادثة، لاسيما عند مواجهته بحقيقة أن الكاميرات وثقت أحداث صباح ذلك اليوم.
وكان الطنطاوي قد قال في أقواله الأولية إنه استيقط حوالي الساعة السادسة صباحاً واستحم ومشط شعره استعداداً ليوم جديد، قبل أن يسمع بكاء شقيقتيه ويكتشف وفاة والدته.
وفي أقواله اللاحقة، أشار إلى أنه استيقظ ووجد أمه تحمل أدوات التنظيف وتتجه إلى غرفة العلية في الطابق الثالث من المنزل، والتي تستخدمها كغرفة ملابس، من أجل تنظيفها.
وأضاف أن دوره كان تثبيت السلّم لمساعدة أمه في أعمال التنظيف، و«لكنه لم يكن يعرف أن عليه أن يبقى ممسكاً به» فعاد إلى غرفته للنوم ولم يعرف بسقوط والدته إلا بعد سماع بكاء شقيقتيه.
وأكد الرقيب وهبي أن الفيديو لا يُظهر من كان يتصارع مع الضحية قبل إلقائها من النافذة، ولكنه يؤكد للسلطات أن شخصاً آخر كان معها في الغرفة قبيل سقوطها.
ولم يتم عرض لقطات الفيديو التي أسهب وهبي في الحديث عنها أمام المحكمة.
في المقابل تمسك محامي الدفاع ديفيد كرايمر ببراءة موكله، مؤكداً أن ليس هنا من دليل واحد يؤكد أن الطنطاوي هو من قام بقتل والدته، مطالباً المحكمة بتثبيت حقيقة أن الشرطة لم تبحث في إمكانية أن يكون هناك شخص آخر مسؤول عن الجريمة، مشيراً إلى أن تصرفات حورانية كانت تثير حنق الكثيرين من مجتمعها.
تفكك عائلي
قبل جريمة القتل، كانت أسرة الطنطاوي، السورية الأميركية، قيد التفكك بعد سلسلة من التطورات الدراماتيكية التي أدت إلى المباشرة بإجراءات الطلاق بين حورانية وزوجها (٤٦ عاماً) في آذار (مارس) الماضي، وذلك عقب اعتراف الأخير بالاحتيال على نظام الرعاية الصحية من خلال عيادته الطبية في بلدة كانتون.
وكان الادعاء العام في ميشيغن قد وجّه في أيار (مايو) ٢٠١٦، أربع تهم بالاحتيال على «مديكيد» ونظام الرعاية الصحية لطنطاوي الذي أقرّ بذنبه وتفادى عقوبة السجن بعد تجريده من رخصة عمله كطبيب، وتغريمه حوالي ٢٧٨ ألف دولار.
وكان الطنطاوي قد فصل عن عائلته في العام ٢٠١٦ بقرار قضائي بعد إدانته بالاعتداء على زوجته، بتهمة دفعها من أعلى درج المنزل عقب خلاف نشب بينهما ليلة عيد العشاق من ذلك العام.
وقد أقر الأب حينها بالتهمة الموجهة إليه كما وضع تحت المراقبة بواسطة قيد إلكتروني، كذلك منع من الاقتراب من زوجته أو لقاء أبنائه من دون رقابة.
والطنطاوي الذي اقترن بحورانية في سوريا عام ١٩٩٩، له منها ثلاثة أبناء.
وكان الابن محمد الطنطاوي وشقيقتاه الأصغر سناً (14 و12 عاماً) في حضانة الأم قبل وفاتها، ولم يتم البت بمصير حضانة الفتاتين بعد، في حين يقبع محمد خلف القضبان بانتظار محاكمته التي سيحدد موعد انطلاقها في وقت لاحق من الشهر الجاري.
إلى جانب التوتر العائلي الناجم عن قضايا الاحتيال الطبي وإجراءات الطلاق والضائقة المالية، تبين للمحكمة أن الطنطاوي الأب كان لديه اعتراض على كيفية تربية زوجته لأطفالهما «على الطريقة الأميركية»، بشكل مخالف لثقافتهم السورية والإسلامية.
وكشفت المحامية السابقة للضحية، كارولين ماركوفيتش، أن الابن كان يعرب عن غضبه تجاه تصرفات أمه «المتأمركة»، وغالباً ما كان يتسلل للقاء والده الذي خضع لأمر قضائي بفصله عن العائلة، غير أن اللقاءات ظلت تجمعهما بالخفاء، وفق وثائق المحكمة.
وبحسب المحامية ماركوفيتش، كان الابن «يعود دائماً إلى المنزل ولكنه كان في كل مرة يشبه والده أكثر كمسلم محافظ»، حيث كان يبدي اعتراضه الدائم على تصرفات أمه «المتأمركة»، مشيرة إلى إمكانية تورط الأب في تحريض ابنه على والدته.
ويواجه محمد الطنطاوي عقوبة السجن المؤبد في حال إدانته أمام محكمة مقاطعة أوكلاند حيث يحاكم كشخص بالغ.