سامر الأحمد
نظم معلمون وطلاب من 10 مدارس، في حي غويران في مدينة الحسكة، اعتصامًا، قبل عدة أيام؛ للتعبير عن رفضهم فرض سلطات ما يسمى (الإدارة الذاتية) المنهاج الدراسي الجديد.
تفرض ما تسمى (الإدارة الذاتية)، منذ العام الماضي، منهاجًا خاصًا بها على مختلف مدارس محافظة الحسكة، فيما لا يحرك النظام ساكنًا، وقد أغلقت المدارسَ الرافضة، وأبقت فقط على المدارس الخاصة السريانية التي تدّرس منهاج النظام، وحين أصبحت الأخيرة مقصدًا للطلاب العرب والأكراد، هددتها بالإغلاق في حال قبلت تسجيل طلاب غير مسيحيين.
وصف محمود الماضي المعلم السابق في مدارس القامشلي، في تصريح لـ (جيرون)، عمليةَ فرض المنهاج بأنها خطوة “خطرة”، وقال: “أخطر ما تواجهه المنطقة الخاضعة لسيطرة ميليشيا (الإدارة الذاتية) هو العبث بمناهج التعليم وبمصير الأجيال، فمنذ عامين فرضَت مناهجها على المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وتنوي هذا العام تطبيق هذه المناهج على المرحلة الثانويّة؛ وهو ما أدّى إلى استياء عام بين الناس، ودفعهم إلى التظاهر الذي واجهته ميليشيا (الإدارة الذاتية) بالقمع والاعتقالات”.
تعمل “الإدارة” حاليًا -بحسب مصدر خاص لـ (جيرون)- على إقامة دورة صيفية؛ في مدرسة المعري، ومركز الشبيبة في مدينة عامودا لتعريف المعلمين على المنهاج الجديد، بنسختيه العربية والكردية، وأضاف المصدر أن (الإدارة) “تدفع رواتب لا تتجاوز 35 ألف ليرة للمعلم، وبسبب رفض كثير من المعلمين العمل بهذا الراتب؛ لجأت مؤخرًا إلى تعيين بعض حاملي الشهادة الثانوية وأحيانًا الإعدادية، بسبب نقص الكوادر”، ونقلت مصادر إعلامية من الحسكة أنه تم طباعة 3 ملايين نسخة من هذا المنهاج، في مطبعة تابعة للإدارة في منطقة المالكية.
ثمة عملية فصل بين الطلاب الأكراد والعرب، وهناك نسختان من المنهاج: عربية يتم فرضها على المدارس في المناطق ذات الأغلبية العربية، وكردية لمدارس المناطق الكردية.
كشف الأستاذ (ج. ع) مدير مدرسة بريف القحطانية لـ (جيرون)، عن مضمون هذا المنهاج، بقوله: “تم التلاعب بمضمون المناهج على نحو كبير، حيث تم استبدال مادة التربية القومية التي كان يفرضها النظام لتعليم الطلاب أفكار البعث، بمادة الأمة الديمقراطية التي يتم إجبار الطلاب من خلالها على تعلّم أفكار وتنظيرات زعيم حزب العمال الكردستاني (عبد الله أوجلان)، كما تم تغيير مادة التاريخ، واستبدال الحديث عن الدولة الأموية والعباسية -مثلًا- بالحديث عن تاريخ الشعب الكردي والسرياني في الجزيرة السورية، وفق منظور (الإدارة الذاتية) وأفكارها التي لا تستند إلى وقائع تاريخية حقيقية، كما تم التلاعب بالخرائط في مادة الجغرافية، وإضافة خرائط لما تسمى مقاطعة شمال سورية (روج أفا) كترويج لتقسيم سورية”، وكان الأشكال الأكبر -بحسب (ج. ع)- هو: “استبدال مادة التربية الإسلامية بكتاب جديد يسمى الثقافة والأخلاق، يتناول تاريخ الديانة الزرداشتية والأيزيدية، وبعض الديانات التي تقدس الطبيعة”.
هذا المنهاج أثار ردات فعل غاضبة ورافضة له من أهالي المنطقة، حيث رفضه سكان المدن ذات الغالبية الكردية، بطريقة غير مباشرة، عبر امتناع الكثيرين عن إرسال أولادهم للمدارس، بينما احتج بعض السكان العرب في ريف القامشلي وحي غويران في الحسكة، بشكل علني وخرجوا في عدد من الاعتصامات والتظاهرات الرافضة لهذا الأمر.
يشير الناشط من الحسكة رودي الكردي في حديث خاص لـ (جيرون) إلى أن السكان، في “المناطق الخاضعة لسيطرة هذه الإدارة، يرفضون هذا المنهاج ويمتنعون عن إرسال أولادهم لعدد من الأسباب، أهمها الخوف من تأثر الأطفال بأفكار هذه الإدارة الداعية للعنف وحمل السلاح ونشر الكراهية، كما يعاني الطلاب من صعوبة التعلم باللغة الكردية قراءة وكتابة؛ لأنهم اعتادوا على الدراسة باللغة العربية، كما يظهر التخوف من حذف مادة التربية الإسلامية، والمجيء بكتاب الأديان القديمة البعيد عن ثقافة سكان المنطقة”، وأضاف: “الناس هنا يرون أنهم انتقلوا، من منهاج بعث عروبي مفروض بالقوة، إلى منهاج زرداشتي إقصائي مفروض بالقوة، إنهما وجهان لعملة واحدة”.
أما عرب الحسكة فلديهم تخوفات مضاعفة من هذا المنهاج الذي يرونه غير بعيد عن محاولة النظام أدلجة التعليم بإضفاء أفكار البعث، حيث يرى المدرس محمود الماضي أن “رفض هذا المنهاج يأتي في المقام الأول؛ لأنه مؤدلج فقد حذفت صورة بشار وألصق بدلًا منها صورة أوجلان، لذلك فهي تكرّس العنصرية وتؤجّج النعرات القومية والطائفية”.
وأضاف: “يتخوف الناس على مستقبل أبنائهم، إذا ما درسوا هذا المنهاج في ظل عدم وجود اعتراف رسمي أو شهادات معترف بها من قبل أي دولة، ناهيك عن عدم وجود كوادر تدريس مهنيّة، وإنّما فرضوا كوادر تابعة لهم لا تحمل مؤهلات علميّة”.
نتج عن عملية فرض المناهج، من قبل سلطات الأمر الواقع في الحسكة، امتناع الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس؛ ما أدى إلى انتشار ظاهرة التسرب من التعليم، على نطاق واسع في الحسكة.
المصدر: جيرون