اللوحة للفنانة مروى النجار
اللوحة للفنانة مروى النجار

الموت ومقاماته

الموت و مقاماته*

«لا تمت ميتةً عادية في حرب غير عادية».

حمد العبود

تُخبرني صديقتي المريضة بزكام خفيف وعرضي أن للموت مقامات متفاوتة، وأنه ليس متساويًا، وأن الموتى ليسوا سواسية، يتساءل صديقي أيضًا:
«كيف ستقابل وجه ربك إذا متَّ بأنفلونزا الخنازير مثلاً!».

فتاة مسكينة ثانية -ليست صديقتي- نجتْ لسبب ما لا أحد يعرفُ ماهيته من قذائف الحرب، لتموت بعد أن انزلقت فوق قشرة موز فسقطت قتيلة، رحمها الله، لقد استحى أهلها وخجلوا أن يقولوا للجيران كيف ماتت ابنتهم، اكتفوا بدفنها وقراءة الفاتحة.

في الحرب غير العادية، لا يُفضّل ولا يُستحسن أنْ تموت كيفما تشاء، عليكَ أن تعلم بأن هناك قواعد وخيارات متاحة ومحددة. أن تموتَ برصاص القناص فهو خير على خير، وإن كان ممكنًا فمُتْ بقذيفة في ساعة محددة من اختيارك أنت، أو في ساعة مفاجئة تمامًا كأي عيد ميلاد ادّعيتَ أنكَ نسيته، فقط لترسم على وجهك علامات المفاجأة والانبهار بعيد ميلادك الذي رتّبه الأصدقاء.

في الحرب غير العادية أيضًا لا تمت لوحدك، خذ معك من يسلّي وحشتك ويشاركك القبر. أعرفُ أبًا كان يخافُ جدًا على أولاده، عندما مات أخذ العائلة كلها معه، هذه هي التربية الحديثة والموت الحديث، وكله في سبيل تحقيق «كواليتي» ثنائية الحياة والموت بشكلٍ رفيع المستوى ونخبوي.

لا تنتحر أيضًا، فهذه موضة قديمة، سافر من دير الزور إلى حلب بدلاً من ذلك.
“كيف ستواجه وجه ربك إذا مُتَّ شبعانًا بنوبة قلبية لكثرة الشحوم الثلاثية في الشريان الأبهر”.
فعلاً هي حياة معقدةٌ جدًا، وموتٌ بيروقراطي.
لا تهاجِر من أجل حياة أفضل، إنما هاجِر من أجل موت أفضل. وعليكَ أن تقتنصَ موتكَ المناسب في اللحظة المناسبة، وفي الحين الذي يموتُ فيه الكل بالرصاص فكّرْ بالذهاب والموت غرقًا، دَعْ أهلَ الحي يتكلمون عن إنجازك، وأهلك يفاخرون بك وبذكراك وموتك.

مُتْ نظيفًا معقمًا بملح البحر بدل أن تموت بالكيماوي.
مُت باردًا في ثلاجة على الطريق السريع.
مُت اختناقًا بغبار الأبنية والمدارس المقصوفة.
مُت بفطرٍ سام من غابات مقدونيا، وشارِك فِطر فَطورك مع أصدقائك.

مُت وأنت تحاول أن تُنقذ طفلاً من الجفاف لأنه لم يذُق الحليب منذ ستة أشهر.
مُتْ لأنك نسيتَ الهوية، أو لأنك تأخرت في استخراج ورقة تأجيل خدمة العلم الإلزامية.
لكن لا تمُت بسبب زكامٍ اعتياديٍ جدًا وعرضي.
الموتُ ليس متساويًا قطعًا، فمن ماتَ وهو يقطع الحدود إلى تركيا ليس كمن مات وهو يعبر الحدود ليعود إلى سوريا، هذه واضحةٌ ولا شك.
وبالتأكيد، فإنّ منْ مات ليس كمن رأى الموت ألف مرة دون أن يناله، واكتفى بالكتابة عنه، كأن يقول:
“إن الموت ليس متساويًا، والموتى ليسوا سواسية.”

———————————————————————————————–
*من كتاب “الموت يصنع كعكة عيد الميلاد” صادر عن دار pudelundpinscher السويسرية لعام ٢٠١٧ بنسخة ثنائية اللغة (عربي/ ألماني) قامت بالترجمة من العربية المترجمة لاريسا بندر.
وصل الكتاب إلى القائمة القصيرة لجائزة الأدب العالمي المترجم التي تنظمها سنويا مؤسسة “بيت ثقافات العالم” في برلين.
يتوفر الكتاب في مكتبات الدول الثلاث التي تتحدث اللغة الألمانية.

عن شباب بوست