عبد الله النجّار: عفرين العائدة إلى حضن النظام…

عبد الله النجّار: عفرين العائدة إلى حضن النظام…

ربّما ينقلبُ النّضال إلى حالةِ عداءٍ مع الحاضنةِ في حال فشلهِ في مواجهة العدوّ ، وقد تنقلبُ الانتصاراتُ إلى حالاتٍ انتقامٍ منها في بعض الأحيان ، وبذلك تتحول المليشيات التي تدّعي النّضال ، إلى عصاباتٍ من المرتزقة ، ويصبحُ همّها جنيُ أكبرِ قدرٍ من الأرباح والمكاسب الماديّة عن طريق الترهيب.

هذا هو حالُ حزب العمال الكردستاني ، وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، الذي عاد إلى سورية بعد شهرين من انطلاق الثورة باتفاقاتٍ أمنية ومالية توسطتها إيران ، بعد الزخم الكبير الذي شهدته مظاهراتُ الكرد السّوريين المؤيدين للثورة ، وتخوفِ النّظام من أن تكون الجزيرةُ السورية أوّلُ المناطق الخارجة عن سيطرته ، بما تمتلكه من مساحاتٍ واسعةٍ لايمكنه تغطيتُها عسكرياً ، ومواردَ نفطيةٍ كافيةٍ لتمويل أي كفاحٍ مسلح ، وتحوّلها بذلك إلى نقطة انطلاقٍ لتحرير كامل التراب السوري.

ورغم أن الذاكرةَ الجمعيّة للأكراد تحتفظ بأمثلةٍ تاريخيةٍ سوداء عن خيانةِ الرّوس لهم ، إلا أن الحزب كان أولُ المرحّبين بهم لحظةَ إعلانهم التدخل الجويّ إلى جانب النظام في 30/9/2015 ، حيث طالبهم بتسليحه ، وتنسيق تحركاتهم معه في مواجهة مايسمى بالإرهاب ، مبدياً استعداده للقتال إلى جانبهم .

كما أيد قصفهم للمناطق المحررة ، بحجّة احتوائها على تنظيمات إرهابية “يقصد بها كل الفصائل التي تقاتل النظام ” في وقت كان هو يقاتل فصائل الجيش الحرّ.

أمّا ميدانياً فقد قاتلت قواتُ الحزب تحت الغطاء الجويّ الرّوسي في حلبَ وريفِها ، فسيطرت على عدة قرى كانت تحتَ سيطرةِ فصائلَ الجيشِ الحرّ في ريف اعزاز ، وكان لها دورٌ محوري في قطع طريق الكاستلو الذي أدى إلى حصار فصائل الجيش الحرّ في حلب وسيطرة النظام عليها لاحقاً ، كما أبدت استعدادها لإرسال مقاتليها للقتال في ريف اللاذقية أيضاً.

ولم تكتف قوات حزب العمال الكردستاني بذلك ، بل أعلنتْ عن نيّتها مؤخراً التوجهُ لقتال فصائل الثورة في إدلب تمهيداً لإعادتها إلى سيطرة النظام ، بمايعنيه ذلك من القضاء على الثورة نهائياً ، غير عابئةٍ بدماء مئات الآلافِ من الشهداء ومثلهم من المعتقلين ، وملايين المهجرين ، بالإضافة إلى خلقِ شرخٍ قوميّ عربي- كردي ، ربّما يودي بالمنطقة كلها إلى الهلاك.

كانت أولى الخيانات الروسية لحزب العمال الكردستاني هي إخراجُه من منبج ولو ظاهرياً ، وتسليمها للنظام بذريعة حمايتها من الاجتياح التركي.

وعلى هذا المنوال سوف تسيرُ باقي المناطق الواقعة تحت سيطرة العمّال الكردستاني ، واحدةً تلو أخرى ، لتعود إلى حضن الأسد ، ومن ضمنها عفرين ، التي سوف تعود لحضن النظام آجلاً أم عاجلاً ، ولن يسمح الحزب للأحرار المتبقين فيها ، ولا لأهلها بتقرير مصيرهم بأيديهم ، أو تحديد موقفهم الذي بالتأكيد لن يكون بعيداً عن موقف الأحرار السوريين الذين يسعون منذ سبع سنوات ، إلى نيل حريتهم وكرامتهم.

عفرين كما عين العرب / كوباني ، والدرباسية وعامودا ، والمالكية ، لم تخرج عن سيطرة النظام ، لأن عملية الاستلام والتسليم التي جرت مع حزب العمال الكردستاني ، كانت هادئةً ولغاياتٍ وقتية فرضتها ظروف الثورة ، ولهذا السبب بقي النظام أمنياً وإدارياً موجوداً فيها ، وإن ظهرت بعض الخلافات هنا وهناك ، فهي مجردُ تنافسٍ محليّ على المكاسب والنفوذ.

فائدةُ النّظام من استجلاب حزب العمال الكردستاني كانت عظيمةً ، فهو عرف كيف يربكُ خصومه الأتراك الداعمين للثورة ، واستطاع تذكيرهم بثلاثين سنة من الصراع مع حزب العمال الكردستاني ، ليسوا بحاجة إلى تكرارها في سورية.

كما استفاد عسكرياً من مقاتلي الحزب ، فهم اجهضوا الثورة في المناطق التي سيطروا عليها ، دون أن يخسر النظامُ رصاصةً واحدة ، كما جنّدوا آلاف الشباب الكرديّ بالترغيب والترهيب ، وساقوهم للقتال إلى جانب النظام عنوة ، الأمرُ الذي لم يكن هو قادرٌ عليه.

وبالمقابل فقد استفاد الحزب من ذلك أيضاً ، حيث حصل على موارد مالية أنقذته من انهيارٍ كان منتظراً بين الفينة والأخرى ، بعد أن قُطعت عنه كل أشكال الدعم والتبرعات ، وباتَ مقاتلوه يعانون حتى من نقص في المواد الغذائية والألبسة ، وكثرت حالات الفرار من جبال قنديل ، حتى بين الكوادر الذين أفنَوا عمرَهم هناك.

كما استعاد ماتبقى من حاضنته الشعبية ، التي شارفت على الإفلاس ، لابل استطاع تنميتَها ، عبرَ الأعداد المتزايدة من القتلى ، ومعروف في الوسط الكردي ، أن عوائل قتلى الحزب يُحسبون عليه شاؤوا أم أبَو.

واستعاد الحزب مركزه المحوري في المجتمع الكردي ، بعد أن كاد يختفي من المشهد ، واقتصر وجوده على البيانات الالكترونية لمدة عقد من الزمن.
عودة عفرين إلى حضن النظام ليست سهلة ، فهي آخر مدينةٍ بقي للحزب تأثير فيها بعد طرده من سورية نهاية 2002 ، وبحكم البعد ظلت بمنأى عن تأثير أحزاب الحركة الوطنية الكردية.

علاوةً على ذلك فإن عفرين تعتبر حالياً المركز الاقتصادي الأول ، بمايمكن اعتباره بديل حلب في منطقة الشمال السوري ، وهي تصدر إنتاجها خاصةً من الألبسة إلى كل المناطق بمافيها المناطق المحررة أيضاً ، وهي بذلك تعتبر مركزاً مهماً لجمع التبرعات والضرائب والرسوم.

فهل يستغني الحزب عن عفرين مضحياً بكل هذه الامتيازات ، تحاشياً لمعركة يعلم أنه غير قادر على تحمل نتائجها ، أم ينسحب منها ويسلمها للنظام باتّفاقٍ يضمن له بعض مصالحه على المدى المتوسط ، تحاشياً للمواجهة.

هذا ماسوف تكشفه الأيام القليلة القادمة.

عبدالله النجار


اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

  • Related Posts

    قسد في مهب الريح: هل اقتربت لحظة النهاية؟
    • أبريل 8, 2025

    تمرُّ قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بمرحلة مفصلية من وجودها، إذ لم تعد تحظى بالدعم الدولي نفسه الذي مكنها من السيطرة على مناطق واسعة من شمال شرق سوريا خلال الحرب ضد…

    Continue reading
    دور النظام السوري وقسد في تحييد الأكراد عن الثورة السورية
    • مارس 23, 2025

    انطلقت الثورة السورية في مارس 2011 ضد نظام بشار الأسد، الذي رد بعنف شديد على الاحتجاجات السلمية. ومع تصاعد الأحداث، سعى النظام إلى إشعال الانقسامات الطائفية والإثنية بين مختلف مكونات…

    Continue reading