كشف المؤرخ العربي بشير نافع، الخميس، عن اجتماع أمني كبير، نهاية آذار/ مارس 2011، بداية الثورة، ضم شخصيات أمنية سورية وعراقية ولبنانية.
وأوضح نافع، في مقاله الذي نشر على “عربي21“، الخميس، أن اجتماعا عقد في مكتب رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق، شارك فيه أحد كبار المسؤولين في حزب الله، وقائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ووزير الأمن القومي العراقي، إضافة إلى ماهر الأسد، شقيق الرئيس.
“درس لمئة عام”
وكشف المؤرخ العربي أن بشار قال بالاجتماع: “لقد قمنا بتلقينهم درسا في حماة أسكتهم 40 عاما، وسألقنهم درسا يسكتهم لمئة عام”، بحسب ما نقل عن “واحد من أبرز مراكز الدراسات في المشرق”.
وأشار إلى أنه “لم يكن خافيا من يقصد الرئيس بمن عقد العزم على تلقينهم الدرس؛ وليس فقط في مثل لقاء كهذا، ولكن أيضا في مجمل مواجهته لثورة الشعب، استبطنت مواقف النظام وسياساته توجها طائفيا، سعى إلى تقسيم السوريين إلى سنة متمردين، وعلويين موالين”، بحسب تعبيره، مشيرا إلى استدعاء النظام للمليشيات الطائفية من لبنان وباكستان وأفغانستان، والدعم العسكري واسع النطاق من إيران؛ وعندما فشل هؤلاء، لم يتردد في استدعاء الروس.
“توقف الثورة كارثة”
واعتبر نافع في مقاله، الذي يحمل عنوان “هذه الحرب يمكن الانتصار فيها”، أن احتمال توقف الثورة السورية، بعد خسارة حلب، سيجعل النتائج “كارثة، على سوريا وعلى الإقليم برمته”، على حد قوله، مؤكدا أن “حلب، المحاصرة منذ شهور، ليست سوى معركة، واحتلالها من قبل النظام لا يجب أن يغير الكثير في مسار الحرب”، موضحا أن “النظام السوري ضعيف، فاقد للسيطرة والسيادة، وهزيمته أمر ممكن، وقد كاد بالفعل أن يهزم أكثر من مرة في حرب السنوات الست”.
وأشار نافع إلى أن الثورة السورية لم تكن حربا أهلية، وإنما كانت، لسنوات، “تعبيرا عن حراك شعبي كبير وواسع من أجل بناء سوريا جديدة، من أجل حرية السوريين جميعا، وإقامة نظام ديمقراطي وعادل”، مشيرا إلى أنه “من الواضح أن الثورة السورية تحولت، خلال العامين الماضيين، إلى حركة تحرر وطني مسلحة، وإلى ما يشبه الحرب الأهلية”، محملا النظام المسؤولية الأولى والكبرى لهذا التحول، لأنه “الذي صمم من البداية على إخماد الحراك الشعبي بالقوة المسلحة، رافضا مقابلة شعبه في منتصف الطريق”، بحسب تعبيره.
وأكد نافع أن استمرار حكم الأسد يعني عودة الأغلبية السورية إلى الحياة في ظل نظام أبشع بكثير مما كان عليه قبل انطلاق الثورة في ربيع 2011، و”ستتحول سوريا إلى وطن من جحيم لأغلبية السوريين، جحيم أشد وطأة وأبشع بكثير مما شهده السوريون خلال السنوات الست الماضية، ولن يعود اللاجئون إلى مواطنهم، وستشهد سوريا عملية هندسة طائفية ديمغرافية لم تعرفها في تاريخها”.
“اختلال في المشرق”
وإن توقفت الثورة فسيشهد المشرق خللا فادحا في ميزان القوى، يهدد بوقوع فقدان مديد للاستقرار، بحسب نافع، الذي أوضح أن “السماح لإيران بالانتصار في سوريا سيمنح سيطرة استراتيجية على كل المنطقة من البصرة إلى الساحل السوري”، مؤكدا أن هذا “لن يكون في صالح إيران نفسها، التي ستعمل على إشعال المزيد من الحروب في الإقليم وإيقاع أذى بالغ في شعبها وعموم المسلمين الشيعة في المشرق، ولن تكون بالتأكيد في صالح دول الإقليم الأخرى، التي ستشهد انفجارات طائفية داخلية، وربما حتى حروبا أهلية”.
وبالنسبة لتركيا “فستجد نفسها في مواجهة جدار طائفي يعزلها عن جوارها العربي في الجنوب، وحصار روسي جوي، يبدأ من القواعد الجوية في جنوب روسيا وشمال جورجيا، في شبه جزيرة القرم، إلى السيطرة الروسية على الأجواء السورية”.
“على حافة الانتصار”
وأشار المؤرخ الفلسطيني إلى أن “الثورة تقف بالفعل على حافة الانتصار، ببعض الصبر والثبات”، موضحا أن “نظام بشار يعيش أضعف حالاته منذ اندلاع الثورة، سواء على مستوى مقدراته العسكرية والاقتصادية، أو سيطرته على البلاد وتعبيره عن سيادة الدولة”، فهو لا يتواجد إلا في ثلث البلاد، حيث تشاركه السيطرة مليشيات شيعية من عدة دول، إضافة لوحدات إيرانية وروسية.
وحتى بكل الدعم المتوفر له من حلفائه، لا يستطيع النظام خوض معركتين كبيرتين في وقت واحد، وربما تصلح تدمر شاهدا على وضع النظام وقواته، نافيا وجود المليشيات الأفغانية وحدها لحماية وجود النظام في تدمر، لأن قوات سورية نظامية ووحدات روسية كانت في المدينة أيضا، وما إن بدأت داعش هجومها على تدمر، طبقا للتقارير الروسية، حتى فر قائد قوات النظام وأغلب ضباطه وجنوده؛ واحتاج الروس إطلاق حملة قصف جوي، استمرت لساعات، من أجل تأمين خروج جنودهم.
فيتنام وأفغانستان
وشبه بشير نافع سوريا اليوم، بـ”ما كانت عليه فيتنام في بداية السبعينات وأفغانستان في منتصف الثمانينات”، حيث وجد نظام حكم، سيطر على عاصمة البلاد، أدار ما يشبه الدولة ومؤسسات الدولة، تحدث باسم فئة صغيرة من الشعب، وتكفلت بحمايته ووجوده قوى أجنبية هائلة، و”لم يكن هناك ضرورة لإيقاع هزيمة عسكرية حاسمة بالقوى الأجنبية، بل مجرد استنزافها وجعل وجودها غير قابل للاحتمال، سواء بفعل خسائرها المستمرة، أو بفعل رد فعل الرأي العام في بلادها”، بحسب تعبيره.
وفي أفغانستان، كما في فيتنام من قبلها، سقط النظام بمجرد انسحاب القوات الأجنبية. بخلاف سوريا، حيث تسيطر قوى الثورة على مساحات واسعة من البلاد، لم تستطع قوى المقاومة تأمين وجودها في مناطق ملموسة من فيتنام الجنوبية وأفغانستان إلا في مراحل متأخرة من الحرب.
واختتم نافع بقوله: “ليس ثمة غموض أو ارتباك في الخيارات السورية، حتى بعد احتلال حلب: إما العودة إلى حياة الاستعباد ونظام حكم الأقلية الفاشية، والخلل باهظ التكاليف في ميزان القوى الإقليمي، أو استمرار الثورة حتى تحقيق الانتصار”.
وأكد أن “الانتصار ليس ممكنا وحسب، بل ولا يجب أن يتطرق إليه الشك. ولكن الشرط الأول لتحقيق هذا الانتصار، هو إعادة بناء الذراع العسكرية للثورة تحت راية الجيش السوري الحر، ونهوض قيادة سياسية واحدة، بتصور واضح لمستقبل سوريا وشعبها”، على حد قوله.