من المسؤول عن تهجير المسيحيين من الجزيرة السورية؟
الحسكة (كنان سلطان)
شكلت جملة العوامل التي شهدتها سوريا، هاجسا يؤرق أبناء المنطقة من المدنيين، وأسهمت ظروف الحرب وظهور ميليشيات مسلحة، تحكم بقوة السلاح، في إفراغ المنطقة من سكانها ومنهم المسيحيون على وجه الخصوص، بحيث تعددت الأهداف من وراء ذلك.
يتشكل المجتمع في الجزيرة من طيف واسع وغني من التكوينات المجتمعية، ذات الانتماءات الدينية والقومية المختلفة، من عرب وكرد ومسيحيين، ويتوزع الوجود المسيحي على مساحات واسعة من سوريا، ويتركز وجودهم في محافظة الحسكة بشكل رئيسي، ووفقا لإحصائيات غير رسمية، فإن نسبة المسيحيين قدرت بنحو 10 بالمئة قبل الثورة، ما لبث أن تراجع هذا العدد إلى نحو 400 ألف شخص في عموم سوريا مع قابليته للنقصان مستقبلا.
وعن العوامل التي ساهمت في هجرة المسيحيين، يقول مدير المرصد الآشوري جميل دياربكرلي “بداية هجرة المسيحيين السوريين كانت بنهاية خمسينيات القرن الفائت، كانت عواملها اقتصادية سياسية، وارتبطت بتراجع هوامش حرية التعبير عن هويتهم وخصوصيتهم، تزامنت مع الوحدة بين سوريا ومصر.
ويضيف دياربكرلي هذه الحقبة أحدثت تغيراً عميقاً في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي، ونمت خلالها هواجس لدى المسيحيين، بسبب تطبيق بعض الإجراءات الاقتصادية الجديدة كالإصلاح الزراعي، وبروز ملامح الدولة البوليسية الأمنية التي قيدت الحريات، وضيقت على جميع الفعاليات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وصولا إلى فترة البعث للسلطة ومن ثم حافظ الأسد الذي استمر في انتهاج سياسات قمعية”.
وبحسب دياربكرلي ؛ فإن العوامل الأخرى التي عمقت مخاوف المسيحيين والسوريين عموما، وعجلت من هجرتهم من سوريا، غياب سلطة القانون في زمن البعث وانتهاك الخصوصية التي ميزت الكلدان في بلدهم، فهم يمتلكون قومية ولغة مختلفة ومتمايزة عن باقي السوريين، فضلا عن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وارتفاع حدة البطالة والتضييق الأمني في ظل نظام قمعي اعتمد نهج الدولة التسلطية.
وأشار دياربكرلي إلى أن كل سلطة وصلت للبلاد ساهمت بشكل أو بآخر بتهجير المسيحيين، من خلال ممارسات قمعية وانتهاكات بحقهم، وأخيراً وليس آخراً الإدارة الذاتية الكردية، والمجموعات الإسلامية المتطرفة، وفق قوله.
وأردف “الوحدات الكردية من خلال سيطرتها على المنطقة وممارسة سلطتهم بقوة السلاح كسلطة أمر واقع لا تعطي أريحية للمسيحيين، منها التجنيد الإجباري، في مليشيات لا تخدم أجندات وطنية، جعل من منطقة الجزيرة منطقة خالية من الشباب، فمنهم من آثر الالتحاق بالجيش النظامي لأن الحروب التي يخوضها باتت حروب مذهبية وطائفية أكثر مما تكون وطنية، ومن لم يهاجر بسبب الخدمة الإلزامية للنظام نراه يهاجر بسبب الخدمة الإلزامية الكردية”.
وشدد دياربكرلي على أن قانون حماية أملاك الغائبين الذي مكنهم من وضع يدهم على الأراضي والعقارات الخاصة بالمهاجرين وأغلبهم من المسيحيين، ومحاولاتهم التضيق على المدارس المسيحية وفرض عليها مناهج كردية” جعلت المسيحيين يعانون أوضاعا مزرية مع علمهم التام بالكيفية التي سلم بها النظام منطقتهم لحزب الاتحاد الديمقراطي”.
وألمح إلى دور الفصائل المسلحة المحسوبة على المعارضة السورية والمجموعات الإسلامية المتشددة، فهي الأخرى بطشت بالمسيحيين، سواء في رأس العين أو في قرى الخابور الآشورية، وما أعقبها من عمليات خطف ونهب للمنازل، إبان دخول تنظيم “الدولة” إلى قرى الخابور وخطف أكثر من 300 آشوري، في واقع كهذا حقيقة سوريا أصبحت بيئة طاردة للمسيحيين، بحسب ما أكد مدير المرصد.
وشدد دياربكرلي على أن الوجود المسيحي ضروري للمسلمين قبل المسيحيين ذاتهم، وحماية ما تبقى منهم هو مسؤولية إسلامية ودولية قبل أن تكون مسيحية.
وختم “هناك إرادة دولية وإقليمية بإعادة تقسيم المنطقة، وجعلها منطقة ذات لون واحد، وما تهجير المسيحيين وإفراغ المنطقة منهم سوى حلقة من حلقات هذه الخارطة الجديدة”.