ألمانيا ونظريات اللجوء السوري

فايز العباس

لماذا تفتح ألمانيا باب اللجوء للسوريين بهذا الشكل اللافت؟ سؤالٌ تطرق له الكثير من الناس وعلى الكثير من الأصعدة، وربما كان من أطرف التحليلات (وهو من باب السخرية)؛ أن ألمانيا ستحول فضلات السوريين إلى وقود نووي، وقد أيّد القائلُ به حجتَه بتسريبات من ويكيليكس.

بغض النظر عن هذا الرأي الساخر، فإنه من المنطق أن يستمر البحث عن الأسباب القريبة والبعيدة لِما قامت به ألمانيا من إجراءات، تجعل منها وجهة السوريين الأسهل والأكثر تميزًا، بالمقارنة مع باقي دول اللجوء الأوروبية، ولعل أكثر الحديث يدور حول فكرة السوري عن نفسه بأنه العنصر الأهم على وجه الأرض، ذلك أننا كشعب سوري نرى بأن الإنسان السوري لديه من المهارات والميزات ما يجعل منه مَطمعًا استراتيجيًا يحاول الجميع الاستفادة منه، فمن النظريات ما يذهب بأصحابها للقول: إن ألمانيا، بناء على معدلات العجز البشري في شريحة الشباب التي تميل إلى التناقص وربما إلى الفناء خلال العشرين سنة القادمة تقريبًا، إنما تحاول التعويض بالاستفادة من العنصر الشاب الذي تم تشريده على أيدي العصابات المتكالبة على الشعب السوري، مما يعني أن ألمانيا تفكر جديًا بتحويل الطاقة الفتية للاجئين إلى طاقة فعالة تنقذ الدولة الهرمة، وتعيد النشاط والحيوية إلى جسدها المتهالك.

المستشارة أنجيلا ميركل في حديث حول القرارات الأخيرة
المستشارة أنجيلا ميركل في حديث حول القرارات الأخيرة

ويستدلُّ مؤخرًا القائلون بهذي النظرية بما يتم اتخاذه من إجراءات سريعة في محاولة لدمج اللاجئ السوري بالمجتمع الألماني، مع التركيز على عقلية الإنجاب التي يمتاز بها السوريون عمومًا، بينما يميل قسم آخر إلى أن السبب الوحيد في هذا الإقبال على استضافة اللاجئين هو الدافع الإنساني المحض، وليس بعيدا عن التذكر الصور والمشاهد التي ظهرت فيها المستشارة ميركل في صور السيلفي مع الشباب في لحظات تتسم بالكثير من (الإنسانية)، حتى طغى شعار “ماما ميركل”، ما حدا بالبعض لتزيين علم ألمانيا بصورتها مرفقة بعبارة “منحبك”، في استعاضة ملفتة عن السيد الأول والأوحد لهذا الشعار لفترة سوريّةٍ لا يزال وربما سيبقى ظلامُها يحيط بالروح والذاكرة السورية لأمدٍ طويل.

وهنا يقفز التساؤل المنطقي: لماذا إذًا لا يتم تسهيل العبور من تركيا دون خوض رحلة البحر والموت التي أودت بالكثير من السوريين الطالبين للحياة الإنسانية الآمنة في دول اللجوء؟ هذا لا بدّ يقوِّض هذه النظرية، وربما تكون فكرة استعادة التاريخ الذي وُصِمَتْ به ألمانيا بالنازية -كمعيار جديد لتبرير فتحها باب اللجوء- فكرةً لا تخلو من الصواب، حيث أنه ليس بخاف ما لتلك الحقبة من آثار سلبية على الروح والنفسية للشعب الألماني عمومًا، مما يجعل من استقبال السوريين الذين يتعرضون لأعظم محرقة في تاريخ البشرية مُعادلًا موضوعيًا، حيث يتم بهذا الإجراء “الإنساني” غسلُ العار الملازم لما أنتجته ألمانيا في عهد هتلر من إجرام لم يستطع الإنسان الألماني تجاوزه.

هكذا كانت الفكرة بأن تكون ألمانيا ملاذًا للسوريين في حين اشترك العالم في الهولوكوست الجديد، وسيأتي اليوم الذي يتفاخر فيه المجتمع الألماني بمنجزه، فيما سيلحق العار بمن كان يستهجن ويستهزئ بتاريخ ألمانيا المرسوم بدماء الشعوب في الحرب العالمية، وفي نظرة إلى نظرية استقطاب الأدمغة والكفاءات السورية والعمل على الاستفادة منها في سد النقص المتوقع بحلول عام 2040، نكون قد أتممنا الخوض في أهم ما تطرق إليه كل المُنظّرين الخائضين في الأسباب الكامنة وراء هذه الخطوة الكبيرة فيما يتعلق باللجوء السوري.

يبقى أن نقول بأن السبب ربما هو مزيج من كل تلك التحليلات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن صعوبة الوصول بما تحتويه من مغامرة تُعتبَر بمثابة صمام الأمان في قرار عدم العودة، ذلك أن قرار العودة سيصطدم دائمًا بتلك المغامرة وما ترتب عليها من خسارات تبدأ من المادية ولاتنتهي بالنفسية، ليصبح ذلك القرار صعبًا إن لم يكن مستحيلًا. وسيقول قائلٌ، تركت خلفي كل شيء ولن أعود.

 

المادة منشورة سابقا في موقع .altra صوت، في 05 ديسمبر 2015.


اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Related Posts

قسد في مهب الريح: هل اقتربت لحظة النهاية؟
  • أبريل 8, 2025

تمرُّ قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بمرحلة مفصلية من وجودها، إذ لم تعد تحظى بالدعم الدولي نفسه الذي مكنها من السيطرة على مناطق واسعة من شمال شرق سوريا خلال الحرب ضد…

Continue reading
دور النظام السوري وقسد في تحييد الأكراد عن الثورة السورية
  • مارس 23, 2025

انطلقت الثورة السورية في مارس 2011 ضد نظام بشار الأسد، الذي رد بعنف شديد على الاحتجاجات السلمية. ومع تصاعد الأحداث، سعى النظام إلى إشعال الانقسامات الطائفية والإثنية بين مختلف مكونات…

Continue reading

شارك برائيك