قال ابن خلدون” اعلم أن أوّل ما يقع من آثار الهرم في الدّولة انقسامها وذلك أنّ الملك عند ما يستفحل ويبلغ من أحوال التّرف والنّعيم إلى غايتها ويستبدّ صاحب الدّولة بالمجد وينفرد به ويأنف حينئذ عن المشاركة يصير إلى قطع أسبابها ما استطاع بإهلاك من استراب به من ذوي قرابته المرشّحين لمنصبه فربّما ارتاب المساهمون له في ذلك بأنفسهم ونزعوا إلى القاصية إليهم من يلحق بهم مثل حالهم من الاعتزار والاسترابة ويكون نطاق الدّولة قد أخذ في التّضايق ورجع عن القاصية فيستبدّ ذلك النّازع من القرابة فيها ولا يزال أمره يعظم بتراجع نطاق الدّولة حتّى يقاسم الدّولة أو يكاد”. (تأريخ ابن خلدون/360)
توجد الكثير من القواسم المشتركة في نظريتي الأمن القومي الإيراني والصهيوني، من أهمها العمل على إضعاف الكيانات العربية والاسلامية بشكل عام والهيمنة على أقتصاديات العالم العربي، وإستنزاف الأمكانات البشرية وكذلك المالية من خلال تحفيز الدول العربية للدخول في مضمار التسابق التسليحي لدرء شرور الاطماع التوسعية في المنطقة والإنفاق الهائل على الجانب العسكري والأمني. كما تتظافر جهود الفرس والصهاينة في العمل على تقسيم الوطن العربي الى كانتونات هشة تُسهل تحقيق ما يسمى بـ (الأمبراطورية الفارسية الكبرى) أو ما يُسمى (إسرائيل الكبرى) التي وردت في بروتوكولات حكماء صهيون المادة/9 التي تنص على فكرة ” حينما نمكن لانفسنا فنكون سادة الأرض”. إيران والكيان الصهيوني كلاهما يريد إعادة عقارب الساعة الى الوراء عشرات القرون، ويحاولان تحقيق الحلم الذي ما يزال يراود تفكيرهما المريض.
1. التقسيم فكرة ليست جديدة
في بداية القرن العشرين بدأ تقسيم الدول العربية وفق اتفاقية (سايكس/ بيكو عام 1916) حينما فرضت فرنسا سيطرتها على سوريا ولبنان، وبريطانيا على فلسطين والعراق. وفي عام 1919 أيدت عصبة الأمم الإدارتين الفرنسية والبريطانية على تركة الرجل المريض (الدولة العثمانية). ورُسمت الحدود العراقية في مؤتمر عُقد في القاهرة عام 1921 مع شهادة إعتزاز كبيرة خصصت لونستون تشرتشل ولورنس العرب، الذي كان واحداً من بين 40 بريطاني اجتمعوا في قصر سميراميس على ضفاف نهر النيل، ورسموا حدود العراق الحالية، ونصبوا فيصل بن الحسين ملكاً على عرش العراق. كما ورد في مذكرات الزعيم الفرنسي كليمنصو ما يشير إلى تأخره عن فهم أهمية تقسيم المنطقة مقارنة بالإنكليز الذين خططوا لها مبكرا، فقد ذكر” أصدقاؤنا الإنكليز سبقونا في التنبيه إلى موضوع الأقليات المذهبية والعرقية في بلدان المشرق العربي، ووجهة نظرنا متفقة تماما معهم”. (صحوة الرجل المريض/183).
لذا فإن فكرة تقسيم العراق ليست وليدة الغزو الامريكي للعراق عام 2003 وإنما هي فكرة إسرائيلية قديمة مستمدة من التوراة لتحقيق ما يسمى (إسرائيل الكبرى) الممتدة من اورشليم الى بابل والعمل على تدمير مدنه، وسبي نسائه، وقتل أطفاله حيث ورد النص” يا بنت بابل طوبى لمن يجازيك ويمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة”. كما ذكرت بصورة غير مباشرة في يوميات هرتزل فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، والعمل على توسيع حدوده في جميع الإتجاهات، علاوة على العمل لإضعاف صوت العرب المناهضين للمشروع الاستيطاني عن طريق بذر الشقاق والتقسيم والتشتت لغرض منعهم من توحيد إرادتهم، وإضعاف شوكتهم ليتم تنفيذ الإستيطان بيسر. كما وردت بصورة اوضح في بروتوكولات حكماء صهيون التي نصت على إنشاء وطن قومي لليهود ما بين النيل والفرات مستندة الى دعوات توراتية. وفي عام 1956 ذكر المحلل السياسي (بار زوهار) في معرض تعليقه على مذكرات زعيمه (بو غوريون) بأنه خلال العدوان الثلاثي على مصر، أقترح بن غوريون على الفرنسيين خطة للتخلص من الزعيم جمال عبد الناصر وتقسيم الأردن والعراق ولبنان وسوريا وإعادة توزيع المنطقة بشكل يحقق أمن الكيان الصهيوني كأسبقية أولى.
كما كشف الكاتب الهندي (ك.ر.كرانجيا ) في كتابه الموسوم ( خنجر إسرائيل) الذي ترجم للعربية عام 1957 وثيقة إسرائيلية سميت بأسمه سُربت من رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي الى الرئيس السابق جمال عبد الناصر الذي أودعها بدوره الى كرانيجيا تتحدث عن بدائل لإتفاقية سايكس بيكو لتقسيم المنطقة العربية الى دويلات هشة في سوريا ولبنان، ومنها تقسيم العراق الى دولة كردية في شماله وأخرى للعرب في الوسط، وضم الجنوب الى إيران مكافأة لشرطي الخليج حينذاك رضا شاه بهلوي، وكذلك زعزعة الأمن والإستقرار في المنطقة بما يخدم الكيان الصهيوني. وفي عام 1977 ورد مشروع التقسيم بنفس الصيغة، أي تقسيم العراق الى ثلاث دويلات على أساس الدين والعرق حسب مشروع (ليزلي غيلب) وحمل أسم مدير لتخطيط السياسي في الإدارة الأمريكية حينذاك. وذكر (ناحوم غولدمان) رئيس الرابطة اليهودية في خطاب له عام 1958 في باريس” لكي تبقى إسرائيل علينا تفكيك الشعوب العربية الى أقليات متناحرة، ويمكن لإسرائيل أن تلعب دورا رائدا بتشجيع قيام دويلة علوية في سوريا، ودويلة مارونية في لبنان، ودويلة كردية في شمال العراق”. (صحوة الرجل المريض/189).
كما نشر منظر السياسة الخارجية الأمريكية اليهودي هنري كيسنجر عام 1973 مشروعا يتضمن تقسيم جميع دول المنطقة العربية على أسس طائفية ودينية وذلك لتجنب حرب عربية جديدة ضد الكيان الصهيوني. وهذا يفسر تكالب الأمم المتحدة والولايات المتحدة على إستخدام مفردات الشيعة والأكراد في الوثائق الرسمية وما يقال عن المظلومية، وتجلى الأمر بوضوح في تحديد مناطق الحظر الجوي لحماية الشيعة والأكراد، خلال التسعينيات من القرن الماضي. كما جاء في مذكرات كيسنجر”( سنوات العصف) التي نشرت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي بخمسة مجلدات تتضمن خطط الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء دولة قومية للأكراد في شمال العراق تضم نصف خارطة العراق. مقترحا خطة لإبقاء الأوضاع في المنطقة ملتهبة بالصراعات والنزاعات سيما للدول المحيطة بالكيان الصهيوني، وإضعافها بالشكل الذي يؤمن الإسقرار والأمن للكيان الصهيوني. فيما يتعلق بالعراق أوصى بالعمل على وضع ترتيبات سياسية وعسكرية لتمزيقه وإقامة دولة جديدة في منطقة الخليج تشمل أكثر من 80% من أراضي العراق ومدها الى جانب الأحواز العربية. وفي عام 1982 نشرت مجلة (كيفونيم) تقريرا للمنظمة الصهيونية العالمية كشفت فيه عن خطة لتقسيم العراق وسوريا. كما سبق ان طرح المستشرق الأمريكي (برنارد لويس) مسألة تفكيك العراق معتبر” أنه ـ أي العراق ـ كيان شاذ مبني على أساس خطأ تأريخي صنعه الإنكليز ويتوجب تقسيمه”. كما نوه المحلل الإسترايجي اليهودي (اوديد ينون) عام 1982 بتقسيم العراق” يجب علينا تحويل العالم العربي لموزاييك مفكك من مجموعات عرقية وطائفية ضعيفة تمكن إسرائيل السيطرة عليها كما تشاء لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى”. إنه الحلم الذي يراود جميع أعداء العرب.
من الجدير بالإشارة أن المؤرخ الإسرائيلي (بيني موريس) قد دعا صراحة الى تقسيم العراق معتبرا انه دولة” مصطنعة انتجها الإنكليز ومزجوا فيها عشوائيا شعوبا وطوائفا غير متجانسة ولا يمكن ان تتعايش فيما بينها”. وخلال الغزو الإسرائيلي للبنان أوجز(أريل شارون) بأن الهدف من الغزو هو تفكيك لبنان ومن ثم تطبيق الفكرة على بقية الدول العربية لتشمل سوريا ودول الخليج العربي وفي مرحلة لاحقة مصر والعراق” الى مناطق هشة من الأقليات العرقية والطائفية المتحاربة”، مضيفا بأن تقسيم العراق يعتبر أهم من تقسيم سوريا، لأنه يشكل خطرا أكبر على إسرائيل، وعليه يمكن تقسيمه الى ثلاث دويلات هي الموصل وبغداد والبصرة”. كما صرح الجنرال (داني روتشيلد) الذي شغل منصب رئاسة قسم الأبحاث والدراسات في المخابرات العسكرية الإسرائيلية بأنه يجب على حكومته أن تطور” علاقاتها مع الكانتونات التي تنشأ في العراق بعد إحتلاله، ولاسيما الأكراد نظرا للعلاقة التأريخية الوطيدة بين الأثنين”. وبنفس المعنى نشر الصحافي المعروف (سيمون هيرش) تقريرا في مجلة (نيويوركر) الامريكية تضمن معلومات خطيرة عن تعاون بين الإسرائيليين والأكراد لغرض تقسيم العراق الى دويلات”. ويتماشى هذا الطرح مع خطة المستشار الأمريكي (اللان توبول) التي نشرها على الموقع الخاص بالجيش الأمريكي داعيا الى تقسيم العراق الى ثلاث دويلات وبطريقة تهكمية تساءل” ما ضر لو اصبح العالم 196 دولة بدلا من 193″ .
كما جاء فى وثيقة صهيونية اخرى بشأن العراق نشرتها (مجلة كيفونيم لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية) بتأريخ 14/2/1982 تحت عنوان (استراتيجية اسرائيل فى الثمانينات).
1. ان العراق لايختلف كثيرا عن جدول الجوار، ولكن الأغلبية فيه من الشيعة والاقلية من السنة، ان 65% من السكان ليس لهم أى تأثير على الدولة التى تشكل الفئة الحاكمة فيها 20% الى جانب الأقلية الكردية الكبيرة فى الشمال.
2. لولا القوة العسكرية للنظام الحاكم في العراق وموارد البترول، لما كان بالامكان ان يختلف مستقبل العراق عن ماضى لبنان وحاضر سوريا .
3. ان بشائر الفرقة والحرب الأهلية تلوح في الأفق ، خصوصا بعد الثورة في إيران بقيادة الخميني، الذى يعتبر فى نظر الشيعة العراقيين زعيمهم الحقيقى وليس صدام حسين.
4. ان العراق ذو الثروة البترولية الهائلة يكثر فيه الفرقة والعداء الداخلي، وهو المرشح التالى لتحقيق أهداف اسرائيل الكبرى.
5. ان تقسيم العراق أهم بكثير من تقسيم سوريا، وذلك لأن العراق أقوى من سوريا وفق كل الإمكانات البشرية والمادية.
6. ان قوة العراق تمثل خطورة كبيرة على اسرائيل فى المدى القريب وهي أكبر من الخطورة الناجمة عن قوة أية دولة أخرى في المنطقة.
7. سيصبح بالإمكان تقسيم العراق الى مقاطعات اقليمية طائفية كما حدث فى سوريا خلال العصر العثمانى، وبذلك يمكن اقامة ثلاث دويلات (أو أكثر) دولة فى البصرة، ودولة فى بغداد ، ودولة فى الموصل، بينما تنفصل المناطق الشيعية فى الجنوب عن الشمال السنى الكردى فى معظمه.
في مقابلة تلفزيونية ينقل الدكتور وسيم السيسي عن ديفيد بنغوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، قوله ” إن قوة إسرائيل ليست في قنبلتها النووية، بل في قدرتها على تفتيت ثلاث دول محيطة بها، وهي العراق وسوريا ومصر، ونجاحنا في هذا الأمر لا يعتمد على ذكائنا بل على غباء الطرف الآخر”. إنه وصف مؤلم لحالنا لكنه حقيقي واثبتت السنوات التالية صدقه.
قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ذكرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية أن أحد أهداف غزو العراق اقتطاع المحافظات السنية وضمها إلى الاردن، ثم كرر الأمر نفسه الخبير الإسرائيلي لشؤون الإرهاب (إيهود سبرينزاك) فى حديث للتليفزيون الروسي في 24 تشرين الثاني 2002، حيث ذكر” إن مشروع تشكيل الدول الجديدة في الشرق الأوسط يقف وراءه (ديك تشيني) و (بول وولفوفيتز)”.
لعل أفضل ما قيل عن متطلبات الأمن الصهيوني بتفتيت الدول العربية هو ما جاء في محاضرة وزير الأمن الوطني الإسرائيلي (آفي ديختر) التى القاها يوم 4 أيلول 2008 فى معهد ابحاث الأمن القومى الاسرائيلى، فهي تسلط الضوء الجامع على المخطط الصهيوني للعراق والعلاقة المشبوهة مع أكراد العراق” ليس بوسع أحد أن ينكر أننا حققنا الكثير من الأهداف على هذه الساحة، بل وأكثر مما خططنا له وأعددنا فى هذا الخصوص. يجب استحضار ما كنا نريد أن نفعله وننجزه فى العراق منذ بداية تدخلنا فى الوضع العراقى منذ بداية عقد السبعينات من القرن العشرين، أن أهم وذروة هذه الأهداف هو دعم الأكراد لكونهم جماعة أثنية مضطهدة من حقها أن تقرر مصيرها بالتمتع بالحرية شأنها شأن أى شعب. فى البداية كان المخططون فى الدولة وعلى رأسهم ( أورى ليبرانى) المستشار الأسبق لرئيس الوزراء ثم سفيرنا فى تركيا وأثيوبيا وإيران قد حددوا إطار وفحوى الدعم الإسرائيلى للأكراد. هذا الدعم كان فى البداية متواضعا، دعم سياسى وإثارة قضية الأكراد وطرحها فوق المنابر. لم يكن بوسع الأكراد أن يتولوها فى الولايات المتحدة وفى أوروبا وحتى داخل بعض دول أوروبا. كان دعم مادى أيضا ولكنه محدود. التحول المهم بدأ عام 1972. هذا الدعم اتخذ أبعادا أخرى أمنية، كمد الأكراد بالسلاح عبر تركيا وإيران، واستقبال مجموعات كردية لتلقى التدريب فى إسرائيل بل وفى تركيا وإيران. هكذا أصبح هذا الدعم المحرك الأساس لتطور مستوى العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والأكراد. وكان من المنتظر أن تكون له نتائج مهمة لولا أن ايران الشاه والعراق توصلا الى صفقة فى الجزائر عام 1975 هذه الصفقة قد وجهت ضربة قوية الى الطموح الكردى. لكن وفق شهادات قيادات إسرائيلية ظلت على علاقة بزعيم الأكراد مصطفى البرزانى. الأكراد لم يتملكهم اليأس على العكس ظلوا أكثر إصرارا على الإستمرار فى صراعهم ضد السلطة فى بغداد. بعد إنهيار المقاومة الكردية كنتيجة للاتفاق مع إيران توزعت قياداتهم على تركيا وسوريا وإسرائيل. إسرائيل وانطلاقا من إلتزام أدبى وأخلاقى كان من واجبها أن تظل الى جانب الأكراد وتأخذ بأيديهم الى أن يبلغوا الهدف القومى الذي حددوه، تحقيق الحكم الذاتى فى المرحلة الأولى ومرحلة الإستقلال الناجز بعد ذلك. أن ما تحقق فى العراق فاق ما كان عقلنا الاستراتيجى يتخيله. الآن فى العراق دولة كردية فعلا هذه الدولة تتمتع بكل مقومات الدولة أرض شعب دولة وسلطة وجيش واقتصاد ريعى نفطى واعد، هذه الدولة تتطلع الى أن تكون حدودها ليست داخل منطقة كردستان، بل ضم شمال العراق بأكمله مدينة كركوك فى المرحلة الأولى ثم الموصل وربما محافظة صلاح الدين الى جانب جلولاء وخانقين. الأكراد حسب ما لمسناه خلال لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين لايدعون مناسبة دون أن يشيدوا بنا وذكروا دعمنا ويثمنوا مواقفنا والإنتصار الذي حققوه فى العراق فاق قدرتهم على استيعابه. وبالنسبة لنا لم تكن أهدافنا تتجاوز دعم المشروع القومى الكردى لينتج كيان كردى أو دولة كردية. لم يدر بخلدنا لحظة أن تتحقق دفعة واحدة مجموعة أهداف نتيجة للحرب التى شنتها الولايات المتحدة وأسفرت عن احتلاله. العراق الذي ظل فى منظورنا الاستراتيجى التحدى الاستراتيجى الأخطر بعد أن تحول الى قوة عسكرية هائلة، فجأة العراق يتلاشى كدولة وكقوة عسكرية بل كبلد واحد متحد. العراق يقسم جغرافيا، وانقسم سكانيا، وشهد حربا أهلية شرسة ومدمرة أودت بحياة بضع مئات الألوف. إذا رصدنا الأوضاع فى العراق منذ عام 2003 فإننا سنجد أنفسنا أمام أكثر من مشهد:
أ. أن العراق منقسم على أرض الواقع الى ثلاثة كيانات أو أقاليم رغم وجود حكومة مركزية.
ب. مازال العراق العراق عرضة لإندلاع جولات جديدة من الحروب والإقتتال الداخلي بين الشيعة والسنة، وبين العرب والأكراد.
ج. أن العراق بأوضاعه الأمنية والسياسية والاقتصادية لن يسترد وضعه الطبيعي لما قبل 2003.
نحن لم نكن بعيدين عن التطورات فوق هذه المساحة منذ عام 2003 وأن هدفنا الإستراتيجى مازال عدم السماح لهذا البلد أن يعود الى ممارسة دور عربى وإقليمى، لأننا نحن سنكون أول المتضررين. سيظل صراعنا على هذه الساحة فاعلا طالما بقيت القوات الأمريكية التى توفر لنا مظلة وفرصة لكى تحبط أية سياقات لعودة العراق الى سابق قوته ووحدته. نحن نستخدم كل الوسائل غير المرئية على الصعيد السياسى والأمني. نريد أن نخلق ضمانات وكوابح ليس فى شمال العراق بل فى العاصمة بغداد. نحن نحاول أن ننسج علاقات مع بعض النخب السياسية والإقتصادية حتى تبقى بالنسبة لنا ضمانة لبقاء العراق خارج دائرة الدول العربية التى هى حالة حرب مع اسرائيل، العراق حتى عام 2003 كان فى حالة حرب مع إسرائيل. وكان يعتبر الحرب مع إسرائيل من أوجب واجباته. إسرائيل كانت تواجه تحدى استراتيجى حقيقى فى العراق رغم حربه مع ايران لمدة ثمانية أعوام واصل العراق تطوير وتعزيز قدراته التقليدية والإستراتيجية بما فيها سعيه لحيازة سلاح نووى. هذا الوضع لايجب أن يتكرر نحن نتفاوض مع الأمريكان من أجل ذلك، من أجل قطع الطريق أمام عودة العراق ليكون دولة مواجهة مع اسرائيل. الإدارة الأمريكية حريصة على ضمان مصالحنا وعلى توفير هذه الضمانات عبر وسائل مختلفة :
أولا. بقاء القوات الأمريكية فى العراق لفترة لا تقل عن عقد الى عقدين حتى فى حالة فوز باراك أوباما الذي يحبذ سحب القوات الأمريكية حتى نهاية عام 2009. (لاحظ فعلا تم العمل بموجب هذه الأمر)
ثانيا. الحرص على أن تشمل الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية أكثر من بند يضمن تحييد العراق فى النزاع مع إسرائيل وعدم السماح له بالإنضمام الى أية تحالفات أو منظومات أو الإلتزام بمواثيق تتأسس على العداء ضد إسرائيل مثل معاهدة الدفاع العربى المشترك أو الإشتراك فى أى عمل عدائى ضد إسرائيل إذا ما نشبت حرب فى المنطقة مع سوريا أو لبنان أو إيران.
الى جانب هذه الضمانات هناك أيضا جهود وخطوات نتخذها نحن بشكل منفرد لتأمين ضمانات قوية لقطع الطريق على عودة العراق الى موقع الخصم. استمرار الوضع الحالى فى العراق ودعم الأكراد فى شمال العراق ككيان سياسى قائم بذاته، يعطى ضمانات قوية ومهمة للأمن القومى الإسرائيلى على المدى المنظور على الأقل . نحن نعمل على تطوير شراكة أمنية واستراتيجية مع القيادة الكردية رغم أن ذلك قد يثير غضب تركيا الدولة الصديقة. نحن لم ندخر جهدا فى سبيل إقناع الزعامة التركية وعلى الأخص رجب أردوغان وعبد الله جول بل والقادة العسكريين أن دعمنا للأكراد فى العراق لا يمس وضع الأكراد فى تركيا. أوضحنا هذا أيضا للقيادة الكردية وحذرناها من مغبة الإحتكاك بتركيا أو دعم أكراد تركيا بأى شكل من اشكال الدعم أكدنا لهم أن الشراكة مع إسرائيل يجب أن لا تضر بالعلاقة مع تركيا وأن ميدان هذه الشراكة هو العراق فى الوقت الحالى، وقد يتسع المستقبل لكن شريطة أن يتجه هذا الأتساع نحو سوريا وإيران . مواجهة التحديات الاستراتيجية فى البيئة الإقليمية يحتم علينا أن لا نغمض العين عن تطورات الساحة العراقية وملاحقتها لا بالوقوف متفرجين بل فى المساهمة بدور كى لا تكون تفاعلاتها ضارة ومفاقمة للتحديات. تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية ليس أقل أهمية وحيوية عن تكريس وإدامة تحييد مصر، تحييد مصر تحقق بوسائل دبلوماسية لكن تحيي العراق يتطلب استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة حتى يكون التحييد شاملا كاملا . لا يمكن الحديث عن استخدام خيار القوة لأن هذا الشرط غير قائم بالنسبة للعراق. ولأن هذا الخيار مارسته القوة الأعظم فى العالم، الولايات المتحدة، وحققت نتائج تفوق كل تصور، كان من المستحيل على اسرائيل أن تحققه إلا بوسيلة واحدة وهى استخدام عناصر القوة بحوزتها بما فيها السلاح النووى. تحليلنا النهائى أن العراق يجب أن يبقى مجزأ ومنقسما ومعزولا داخليا بعيدا عن البيئة الإقليمية، هذا هو خيارانا الاستراتيجى. ومن أجل تحقيقه سنواظب على استخدام الخيارات التى تكرس هذا الوضع دولة كردية فى العراق تهيمن على مصادر إنتاج انتاج النفط فى كركوك وكردستان هناك إلتزام من القيادة الكردية بإعادة تشغيل خط النفط من كركوك الى خط IBC سابقا عبر الأردن وقد جرت مفاوضات أولية مع الأردن وتم التوصل الى اتفاق مع القيادة الكردية، وإذا ما تراجع الأردن فهناك البديل التركى أى مد خط كركوك ومناطق الإنتاج الأخرى فى كردستان تتم الى تركيا واسرائيل، أجرينا دراسات لمخطط أنابيب للمياه والنفط مع تركيا ومن تركيا الى إسرائيل. أن المعادلة الحاكمة فى حركتنا الاستراتيجية فى البيئة العراقية تنطلق من مزيد من تقويض حزمة القدرات العربية فى دولها الرئيسية من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومى لإسرائيل”. (المشروع الصهيوني في العراق/ محمد سيف الدولة). هذه الخطة أوضح من من الشمس في رابعة النهار ولا تحتاج الى شرح أو تعليق، ولو تفحصنا المشهد العراقي الحالي سنجد أن الخطة الصهيوية تسير بنجاح وهدوء وحسب ما رُسم لها.