أثار الانسحاب السريع لتنظيم “داعش” الإرهابي من غالبية قرى مدينة  الموصل، تساؤلات وشكوك عدة حوله، لاسيما أنه ‏جاء عقب ساعات من إنطلاق عملية تحرير المدينة العراقية، التي تبعد عن بغداد مسافة تقارب حوالي 465 كيلومترًا، ويحدها من الشرق ‏إقليم كردستان العراق، ‏ومن الشمال تركيا، ومن الغرب سوريا، واحتلها ‏التنظيم في 2014، ولديه داخلها تشكيلات عسكرية قوية بناها في تلك السنوات ، ومن أبرز هذه التشكيلات العسكرية “جيش ‏العسرة” الذي تم تخريجه في العام الماضي؛ ليكون الجيش ‏المخصص للحفاظ على مدينة الموصل ضد أي ‏قوات تحاول اقتحامها، إلا أن التراجع والانسحاب “بسهولة”  توقف لتبدأ غزوة “داعش” لمدينة كركوك .

ويرى خبراء عسكريون وسياسيون عراقيون، أن بداية تحرير الموصل كشفت عن “صفقة سرية” للخروج الآمن لتنظيم داعش الإرهابي باتجاه سوريا، وجاءت “غزوة كركوك” لكي تصرف الأنظار عن تلك الصفقة المريبة، حين غزا فجأة  أمس الجمعة، عشرات الانتحاريين من عناصر «داعش» وسط مدينة كركوك، وخاضوا مواجهات شرسة في الشوارع استمرت طوال يوم أمس. وطرحت «الغزوة» أسئلة كثيرة، بحسب تقدير الخبير العسكري العراقي، اللواء مهدي عبد المجيد، وتعددت التكهنات حول طريقة قدوم مسلحي «داعش» إلى داخل كركوك، بين من يقول إنهم يمثلون الخلايا النائمة، ومن يعتقد بأنهم جاؤوا من منطقة الحويجة التي قطعت كل طرق اتصالاتها مع مقر التنظيم في الموصل.

 1434399609_6

وأوضح الخبير العسكري، أن ما حدث في كركوك من مجموعة عناصر انتحارية، جاء في صورة استعراضية، الهدف منها ترويج رسالة للرأي العام العالمي، بأنه لا يوجد اتفاق مع تنظيم داعش للخروج الآمن ، وهو ما سبق أن حدث  أثناء تحرير مدينة الفلوجة، وكشفت عنه وقتها صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، بأن اتفاق تم برعاية أمريكية، ونص على قيام ‏داعش ‏بالسماح لأهالي الفلوجة بالنزوح عنها بشكل كامل من دون التعرض لهم، مقابل الخروج الآمن ‏لداعش من ‏المدينة، وهو ما حدث بالفعل ونزح الكثير من الأهالي عن المدينة، والصفقة تتكرر في الموصل بصرف النظر عن واقعة “غزوة كركوك” الداعشية أمس.

 


كانت ‏صحيفة ‏‏”نوفوستي” الروسية، أكدت قبل أيام من بدء عملية تحرير الموصل، أنها لن تكون خالية من ‏الأسرار، ونقلت ‏عن مصادر خاصة بها أن التحضير لهذه العملية في غرف
‎ ‎التحالف الدولي‎ ‎تضمن إتفاقًا ‏أميركيًا عراقيًا ‏على فتح مخرج آمن لمسلحي داعش مع عائلاتهم قبل بدء اقتحام المدينة في خطة متفق ‏عليها مع مسلحي ‏التنظيم داخل الموصل‏، ‏وحشدهم في سوريا، والسماح للقوات العراقية الدخول إلى المدينة دون قتال على أن يتم الإبقاء على ‏‏”الصورة” الإعلامية من خلال قصف طائرات التحالف للمبان الخالية.‏


ويشير خبراء عسكريون أردنيون،إلى أن
فتح باب النجاة لإرهابيي داعش، الذين تدفقوا من  80 دولة، للفرار من الموصل واعادة التموضع في سوريا، سيضاعف أعباء الأمن واللجوء السوري على الأردن، وسيعقد الصراع على سوريا، وسيطيل أمده، كما سيطيل عذاب شعب سوريا المنكوب، خاصة وأن تنظيم داعش أصبح  أداة من أدوات الصراع الدولي على سوريا، بين أمريكا  وأوروبا ودول الخليج العربي من جهة، وروسيا وايران وسوريا من جهة مقابلة.

فصائل الحشد الشعبي في العراق

فصل جديد في مسلسل “الدواعش”

ويرى الكاتب والمحلل السياسي التونسي، عبد الحميد الرياحي، أن ما سمي معركة استعادة الموصل من أيدي تنظيم «داعش» الارهابي وما سبقه من تصعيد داخلي واقليمي ودولي يبدو أنه بصدد التحول الى كتلة من التساؤلات الحائرة ، وتتعلق بـ«طريقة» خروج الدواعش وبـ«وجهتهم» الجديدة، بعد أن  أعلنوا عبر مكبرات الصوت «انسحابهم» من مدينة «كثر فيها النفاق» حسب زعمهم، وبذلك تدخل المنطقة فصلا جديدا لا يقل غموضا عن غموض فصل دخولهم الى العراق، ليبقى السؤال الكبير قائما : من أعطى الضوء الأخضر للدواعش؟
ومن فتح لهم الطريق؟ والى أين سوف يسيرون ويسيّرون وما هي الوجهة النهائية والهدف الجديد لهم؟

 

ومن جانبه، يؤكد المحلل السياسي المغربي، النوري الصّل، أن هروب أو بالأحرى تهريب الدواعش الى الرقّة السورية مع انطلاق معركة الموصل يقيم الدليل الواضح على حقيقة ما تخطط له الادارة الامريكية تحت «دخان» هذه المعركة التي ولئن كانت في ظاهرها حاسمة وتحظى بتأييد جل الاطراف العراقية والاقليمية إلا أنها تستبطن نوايا مبيّتة لايجاد مخرج آمن لتنظيم داعش الارهابي من الموصل يمكّن عناصره من إعادة الانتشار في سوريا والاخلال بموازين القوى بهذا البلد واستنزاف جيشه خاصة بعد الانتصارات الأخيرة التي حققها في مدينة حلب.

 

_234854_lxx

العراب اليهودي “برنار ليفي” مع البيشمركة قرب الموصل

والمثير للإنتباه، وتساؤلات أخرى، هو تواجد البروفسور اليهودي من أصل الفرنسي المعروف “برنار ليفي” على جبهات القتال في معركة الموصل مع قوات البيشمركة الكردية، ظهر يوم الخميس الماضي،  في موقف جديد مثير للجدل، حول مرافقة عراب ثورات الربيع العربي وثمة من يصفه بأنه عراب الخراب، لقوات البيشمرغة الكردية قرب الموصل.. وسبق له أن وصف  مقاتلي  داعش بأنهم “ارهابيون جيدون لكنهم مقاتلون سيئون” ..ويطرح وجوده إلى جانب قوات البيشمركة اسئلة حول نواياه في المنطقة التي تعد الأكثر تنوعا عرقيا واثنيا والتي تقف بالفعل على شفا صراع طائفي بعد تحرير مدينة الموصل، بينما لا يخفي أكراد العراق طموحاتهم التوسعية فيما يخططون لرسم حدود اقليم كردستان العراق مستغلين المشاركة في الحرب على  داعش.

 

يذكر أن تواجد برنار ليفي في مناطق أخرى منها تونس ومصر وليبيا، أثار موجة سخط وجدلا واسعا حول دوره في الفوضى التي شهدتها ما يسمى ببلدان الربيع العربي، كما شكل ظهوره في ليبيا إلى جانب مقاتلين “إسلاميين” مناهضين للقذافي، بداية الجدل التي امتد إلى أوروبا فيما يدافع ليفي عن طروحاته  متوقعا أن يتحسن فيها الوضع لاحقا مع الانتقال الديمقراطي الذي شهدته تلك البلدان، لكن الفوضى المستمرة في ليبيا وتمدد التنظيمات الارهابية كانت نقيضا للطروحات التي  طالما دافع عنها.