يحتار المواطن الروسي الذي يتسمر ساعات يومياً أمام شاشات التلفزيون، هل يتعيّن عليه أن يتأكد من وجود ملجأ قريب، أم ينفق الروبلات القليلة في حوزته لتموين مواد غذائية؟ هذا في ظل تصاعد الخطاب الإعلامي في روسيا عن «مخططات جنرالات الحرب وأصحاب الرؤوس الحامية» في واشنطن الذين يسعون إلى إشعال فتيل حرب عالمية ثالثة.
اطمئنانهم إلى قدرة روسيا على التصدي، لا يعفيهم من القلق حيال المشهد الذي لا سابق له، تقرع التلفزيونات طبول الحرب وكأنها على الأبواب، متجاهلة تأكيدات الخبراء والمسؤولين بأن هذا السيناريو ضرب من الخيال.
لكن احتدام المواجهة بين روسيا والغرب يُشعر الروس بأن الحرب بدأت، إذ يعلن مقدم النشرة المسائية في المحطة الأولى للتلفزيون الرسمي، أن بطاريات المضادات الجوية الروسية في سورية «ستُسقط» الطائرات الأميركية.
وعلى المحطة الإخبارية «روسيا 24»، يبث تقرير حول تحضير ملاجئ للحماية من ضربات نووية في موسكو. وفي سان بطرسبرغ، يتحدث موقع إلكتروني واسع الانتشار عن احتمال البدء بتقنين الخبز استعداداً لحرب مقبلة، على رغم تبريرات قدمتها السلطات بأنها تريد فقط تثبيت أسعار الطحين. ويتزامن ذلك مع الإعلان عن تدريبات «دفاع مدني» تحشد 40 مليون متطوع على مدى أسبوع، يتدربون على إخلاء مبان ومواجهة حرائق.
أما البرامج الحوارية الكثيرة على الشاشات، فتستضيف نواباً في البرلمان وخبراء يستعيدون أجواء «أزمة الكاريبي» (1962) وإنزال القوات الروسية في بريشتينا (1999)، ويعقدون مقارنات مع تطورات الموقف في حلب، ونصب صواريخ «أس 400» ثم «أس 300» في سورية، وإرسال حاملات الطائرات والغواصات النووية إلى المنطقة.
ويفاخر المتحدثون بأن التعزيزات العسكرية المتواصلة «غيرت موازين القوى في الشرق الأوسط والعالم»، إضافة إلى تحليلات متزايدة عن «محورَي» الأعداء والأصدقاء، وقدراتهم الدفاعية والهجومية.
ولعل ما يهدئ من روع المواطن الروسي قليلاً، تأكيدات متواصلة على قدرات الردع الروسية، وخصوصاً منها القاذفات القادرة على حمل رؤوس نووية، إذ لا يكاد يمر يوم خلال الأسابيع الأخيرة، من دون بث تقرير أو خبر عن سلاح روسي قادر على «إنزال هزيمة ساحقة» بالأعداء.
أما المراكز البحثية الأكثر رصانة، فهي تعقد مقارنات بين الموقف الحالي والوضع الدولي عشية اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية، وثمة من يقول إن المشهد العالمي حالياً «لا يشبه العام 1938، بل العام 1914»!
وللتفسير، يعتبر بعضهم أن الوضع عشية الحرب العالمية الثانية كان «مصطنعاً» وليس وليد تصاعد التناقضات بشكل حاد، ما أشعل فتيل الحرب الأولى، وهو أمر شبيه بالوضع الراهن، حيث توافرت أسباب اندلاع مواجهة ساخنة ولكن غير مباشرة، بينها الانقسام الحاد في العالم، والتنافس على موارد الطاقة، ومساعي الحد من طموحات الكرملين، والوضع المهتز للنظام الدولي الحالي.
هكذا يبرر أصحاب فرضية اقتراب المواجهة الكبرى وُجهات نظرهم، على رغم استبعادهم حرباً مباشرة ووضع بعضهم سيناريوات حرب عبر وكلاء في المنطقة العربية وفي مناطق أخرى، بينها شرق أوكرانيا ومناطق أخرى في أوروبا، وآسيا الوسطى. ولا يخفي بعض الخبراء أن العالم أمام أحد حلين: إما أن تتفق القوتان الكبريان «على شروط جديدة للتعايش، في ما يشبه يالطا-2»، أو أن تتحرك روسيا وفقاً لمثل شعبي يقول: «إذا كان لا يمكن تجنب المواجهة، فاضرب أولاً».
ويبشر هؤلاء بأن الحرب المحتملة سيكون النصر فيها حليفاً لروسيا وحلفائها، وأن «من يطلق علينا أو على حلفائنا الرصاصة الأولى سيخسر»، باعتبار أن روسيا «ليست صربيا كما يحلو لهم أن يعتقدوا»، كما قال محلل عسكري كان مسؤولاً سابقاً في رئاسة الأركان. وهذه العبارة جرى استحضارها من التهديد المباشر الذي وجهته وزارة الدفاع أخيراً، وأكدت فيه أن صواريخ روسيا في سورية «لن يكون لديها الوقت الكافي لتمييز هوية المهاجم».
في هذه الأجواء، استعاد كثيرون تحذير الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشيوف من أن العالم يقترب بسرعة «بشكل خطر من منطقة الخطر».
وقد يكون السياسي المثير للجدل فلاديمير جيرينوفسكي الشخصَ الوحيد في روسيا حالياً الذي قدم «وصفة الخلاص» للعالم من المواجهة المقبلة، إذ دعا الأميركيين إلى انتخاب دونالد ترامب باعتباره الشخص الوحيد القادر على نزع فتيل التوتر، محذراً من ان هيلاري كلينتون «على النقيض من ذلك، قد تشعل شرارة الحرب العالمية الثالثة».