مائة غارة ليل السبت على حلب تخلف نحو مائة قتيل، جلهم مدنيون وأطفال، في وقت من المفترض أن الهدنة لم تنتهِ وفق من أعلنها نيابة عن السوريين، في واشنطن وموسكو، ورغم أن حلب بعد سابقة قصف طيران الأسد بوتين، لقافلة غذاء متوجهة إلى حلب، تحت الأنظار العالمية …فترى لماذا كل هذا التكالب الأسدي البوتيني على حلب؟!
أعتقد أن لجغرافيا حلب، الدور الأهم في تلاقي كلا الطرفين، في دمشق وموسكو، فقرب عاصمة سوريا الاقتصادية من تركيا، وخاصة بعد التحرك التركي “درع الفرات” جعلها هدفاً لا يمكن العودة عنه، أو تدميرها على رؤوس من فيها، قبل أن يدخلها الثوار، فيصبح الشمال السوري الغربي جله محرر، وتكون المنطقة الآمنة ممكنة التحقيق، وتفوز تركيا-العدو المشترك- الرابح الأكبر، رغم دخولها المتأخر على أرض المعركة السورية، التي فتحها الأسد الصغير، لكل من يهمه الأمر.
قصارى القول: شكلت حلب التي دخلت لاحقاً على الثورة والمعارك، ثقب الثورة السورية الأسود، نظراً لسحب المعارك باتجاهها، كلما شارف الثوار على التوجه من إدلب، غرباً وجنوباً، وحال فتح تلك المعارك التي ربما لا تنتهي، دون تقدم الثوار باتجاه الساحل السوري ومدينة حماة، وهنا يبدو الأمر أكثر من خيار وربما يصل حدود الإيعاز والمنع، من الممولين الذين يتفقون مع “الرعاة” على تحريم الوصول للساحل كما لدمشق.
وخسرت الثورة السورية في حلب، وعلى الصعد جميعها، ربما ما لم تخسره خلال معاركها المستمرة منذ أعوام، في إدلب وغوطتي دمشق، وبقيت حلب مدينة مقسومة بين المعارضة ونظام الأسد، ربما بحواجز ونقاط تثير الدهشة، إن لم نقل الريبة أحياناً.
ولفتت معارك حلب، نظر العالم بأسره، ضمن ملهاة متعمدة، حتى عن مطالب السوريين بحياة كريمة وإسقاط نظام الأسد، فطريق “الكاستيلو” على سبيل المثال، الذي بات خط نار مستعرة وممرا إلزاميا للوصول للمحاصرين بحلب، تصدر عناوين صحف ومجلات، أوروبية وأمريكية، دون أن يعرف كتاب المقالات، ما يكفي ربما عن أسباب الصراع في سوريا.
بمعنى، باتت حلب، بعد تمركز جل المعارضة السورية المسلحة فيها وحولها، وتصميم روسيا والأسد على عدم خسارتها أو تسليمها، للحد الذي دفع بموسكو لإرسال قوات روسية ومرتزقة عالميين، لساحات معاركها -باتت- أشبه “بثور الثورة الأبيض” الذي بأكله، ربما تؤكل كامل سوريا المحررة، التي تتجلى عمليا بمحافظة إدلب، ما يمكن بعد حلب، أن يتم سحب تجارب القصف والإبادة والتهجير القسري، لطرد الثوار من إدلب، بواقع الصمت الإقليمي والدولي والاستقواء والدعم الذي يلقاه الأسد، ودفعه مؤخراً للحديث عن استمرار المعارك حتى “تحرير كامل سوريا من الإرهابيين”.
وغدت حلب وربما بقرار من المتصارعين الغرباء على الأرض السورية، مكسر عصا، لدرجة الترويج إلى أن من سيسيطر على كامل حلب، سيحدد ملامح سوريا المستقبل، سواء لناحية الاقتسام إن لم نقل التقسيم، أو فرض شروطه على طاولة التفاوض، التي ستكون نهاية حتمية لما يجري بسوريا، أياً امتدت المعارك وطال جريان الدم.
نهاية القول: في هذا الواقع الذي انزاح عن حلم وتخطيط الثورة والثوار، ربما السؤال الذي يتوثب على الشفاه، بعد التوحش الذي نراه، ماهو العمل تجاه حلب.
أعتقد أن العمل لابد أن يكون بالتوازي وعلى غير صعيد ومستوى.
كأن يتابع الائتلاف اجتماعات الهيئة العامة التي دعا إليها أمس السبت، على أن يشارك فيها كل أطراف المعارضة، السياسية والعسكرية، ليوضح، رغم الخيبة، للعالم ما يجري من قتل وخرق في حلب، فيزود دول الاتحاد الأوروبي عبر سفرائه، بوثائق وصور حول مجازر حلب، ويدعو “أصدقاء الشعب السوري” ومجلس الأمن، لاجتماعات عاجلة وطارئة.
بالوقت نفسه، وبعيداً عن أضواء الإعلام، يتم التنسيق مع قطر والسعودية وتركيا، لدعم المقاتلين على الأرض، لأن بخسارة الثورة السورية، بدءا لمشروعات إقليمية ودولية، لن تتوقف في سوريا، بل يصعب تنبؤ عقابيلها ومراميها، وستكون تلك الدول، أو كائنة بالفعل، ضمن تلك المخططات والاستهداف.
وأيضاً، فتح معارك بريف حماة وريف دمشق وريف درعا والقنيطرة، ضمن خطط وأهداف، أكثر منها لتحقيق فائدة تعداد الجبهات وتوزيع قوى الأسد والميليشيات المحاربة لجانبه، فيخف الضغط هنا، وتتحقق المكاسب هناك.
ربما يأخذ علينا قارئ، لماذا لم يكن للعقل أو السعي لحقن الدم، أي مقترح يتعلق بحلب.
بصراحة لأن أي هدن أو مزيد من تنازل، إنما يقوي جبهة الأسد طهران بوتين، ويستغلونه، فضلاً عن أن نظام قتل بالكيماوي ونجا وقصف قافلة مساعدات ولم يحاكم ويقتل ويشرد منذ نيف وخمس سنوات، قد اتخذ قراره بـ”نكون أو لا نكون”، لذا وببالغ الأسف، أي تعاط عقلاني مع هكذا نظام سيفهم على أنه ضعف وهزيمة.
ما يفتح سؤالا ً آخر: وهل للثوار قدرة على الاستمرار، وهل للشعب طاقة على تحمل مزيد من التجويع والموت؟!
الإجابة وأيضاً للأسف، بواقع التخلي الدولي وترك الشعب السوري أمام خيار الموت، قد لا يكون من حل سوى المتابعة بالحلم، رغم أن يدي ترتجف وأنا أفتي بالدم.