في 6 أيلول/سبتمبر، كتب المحلل العسكري ميخائيل خادرنوك، في موقع “GAZETA.RU” الروسي، الذي يصفه الإعلام الغربي بأنه من وسائل بوتين الإعلامية، مقالاً استثنائياً، يهاجم فيه قوات النظام السوري، ويطلب من موسكو أن تسحب قواتها مع نهاية العام 2016، والحفاظ على القواعد العسكرية فقط. فقوات النظام تعاني من انعدام الروح القتالية، ومن نقص الإعداد والتأهيل، ولا يمكن كسب حرب عسكرية معها.
وميخائيل خادرنوك، خريج المعهد الهندسي العالي للصواريخ والدفاعات الجوية في مينسك في العام 1976، ثم الأكاديمية العسكرية للدفاعات الجوية في العام 1986، وتخرج لاحقاً من الأكاديمية العسكرية للأركان العامة الروسية في العام 1998 .وتنقّل بين مواقع عسكرية متعددة، وكان بين العامين 1992 و2000 ضابطاً في الإدارة العملاتية الرئيسية للأركان العامة الروسية .وبين العامين 2010 و2015 تولى رئاسة تحرير Military” Industrial Courier” الأسبوعية الناطقة باسم المجمع الصناعي الحربي الروسي، قدس أقداس روسيا، قبل أن ينتقل لاحقاً للعمل في “GAZETA.RU”.
ويقول خادرنوك إنه حتى الآن وبدلاً من الجيش السوري تقاتل المليشيات من المتطوعين الإيرانيين و”حزب الله” والشركات العسكرية الخاصة، أما جنود بشار الأسد فيقومون بجمع الجزية على الطرقات. تلك هي التقييمات التي أخذت تسود وسط الإختصاصيين العسكريين المطلعين على الوضع الفعلي في سوريا. فطيران النظام منهك ويقاتل بقنابل من صنع يدوي، والجنود يختبئون في الحفر لحماية أنفسهم من أنفاق الإرهابيين: الغلبة التكتيكية والمعنوية هي لصالح المقاتلين.
من الممكن أن تسيطر قريباً القوات الموالية للأسد على مدينة حلب، لكن إلى أي مدى يُقرّبُ هذا الأمر نهاية الحرب في سوريا، فذلك يبقى سؤالاً مطروحاً للنقاش. في الحروب على النمط الشرق أوسطي، ليس من شبيه للرايخستاغ، حيث أن رفع الراية الحمراء عليه يعني استسلام العدو من دون قيد أو شرط.
من الصعوبة بمكان القول مَن مِن طرفي الصراع المسلح يحرز الغلبة اليوم. الرئيس السوري بشار الأسد لا يسيطر، كما في السابق، على نصف أراضي البلاد وغالبية المراكز السكنية. شنيعة هي الحصيلة الإجمالية للعمليات الحربية في سوريا. فالعدد الإجمالي للسوريين ، الذين قتلوا ارتفع إلى 250 – 300 ألفاً. أما الجرحى فقد بلغ عددهم مليون إنسان تقريباً. وبغض النظر عن الإنتماء الطائفي والإثني، إلا أنه يمكن ملاحظة حالة من الإرهاق الشامل على السكان من الحرب الأهلية المستمرة منذ خمسة أعوام.
تخوض المعارضة الصراع المسلح مع تشكيلات المتطوعين السوريين وفصائل الحركة الشيعية اللبنانية “حزب الله” والمتطوعين الإيرانيين والعراقيين والشركات العسكرية الخاصة. أما النشاط الرئيسي للقوات الرسمية فهو تحصيل الجزية من السكان المحليين. خلال السنة الماضية لم تقم القوات المسلحة السورية بعملية هجومية ناجحة واحدة.
يبدو أنه لا توجد في الأركان العامة للقوات المسلحة السورية أي خطط استراتيجية واضحة في استخدام القوات المسلحة على المديين القريب والمتوسط. جنرالات الأسد لا يثقون في قدرة قواتهم المسلحة على القيام بشكل مستقل بفرض النظام في البلاد من دون دعم عسكري من جانب دول أخرى. لا يسعي القادة العسكريون السوريون للقيام بعليات واسعة النطاق، مبررين تقاعسهم بالإمكانيات القتالية المبالغ فيها للتشكيلات المسلحة غير الشرعية، وانعدام الذخيرة والتقنيات، والخوف من الخسائر الكبيرة وفشل العمليات العسكرية.
صغار الضباط والرتباء والجنود في جيش الأسد لا يتحرقون شوقاً للهجوم والقتال في سبيل وطنهم. ومما يساعد في التدني الشامل للروح المعنوية للقوات المسلحة لهذا البلد الشرق أوسطي، هو أن الجيش السوري المعاصر لا يعرف، في المبدأ، إنتصارات عسكرية خلال تاريخه كله. فمنذ الحروب العربية الإسرائيلية الأولى، في الإعوام 1947 و1948 التصقت بالجيش دمغة العار بأنه الجيش المهزوم والمنكسر أبداً.
لا يرى رجال الجيش السوري أفق حل سريع للأزمة. وليس من فترة محددة لإنتهاء الخدمة العسكرية في القوات المسلحة. والنتائج، التي يحرزها الأفراد والقادة لا يتم تحفيزها بأي شكل من الأشكال. وليست مُرضية إمدادات الأفراد المادية والغذائية. وتنعدم، عملياً، الضمانات الإجتماعية للعسكريين وأفراد أسرهم.
وأهم ما في الأمر أن القيادة السورية لا تتوفر لديها الموارد لمعالجة هذه المشاكل، حتى لو توفرت لديها الرغبة في ذلك. فحكومة الأسد لا تمتلك راهناً مصادر ثابتة للدخل. واقتصاد البلاد تقوض جذرياً خلال العمليات الحربية المتواصلة. فقد انخفض حجم الإنتاج الصناعي بنسبة 70 في المئة، والإنتاج الزراعي بنسبة 60 في المئة، وتقلص مستوى استخراج النفط 95 في المئة والغاز 70 في المئة. وليس من أموال في الخزينة السورية حتى للحاجات الدفاعية الملحة.
وما يزيد الوضع سوءاً انخفاض القدرة على مد القوات المسلحة بالعدة والعديد والتقنيات القتالية اللازمة، فهي تشكل حالياً أكثر من 50 في المئة بقليل. فالتجنيد السنوي لا يلبي الحد الأدنى من إحتياجات الجيش، ونتيجة لذلك لم يتم منذ العام 2011 تسريح الرتباء والجنود، الذين أنهوا مدة خدمتهم.
ثمة أسباب عديدة لفشل التجنيد في الجيش السوري. البعض ممن بلغوا سن التجنيد يدعم القوى المعادية للحكومة، وهم يلجؤون علناً إلى تخريب عملية التجنيد. الآخرون ينتمون إلى تشكيلات العصابات. الفريق الثالث يقف موقف الإنتظار، ولا يرغب في المشاركة في العمليات القتالية إلى هذا الجانب أو ذاك. كثيرون، ممن بلغوا سن التجنيد، هاجروا إلى خارج سوريا، بما في ذلك إلى أوروبا. قسم كبير من السكان يقطن المناطق التي لا تسيطر عليها القوات الرسمية. وأخيراً، يخشى المجندون وذووهم الإضطهاد من جانب المقاتلين.
القسم الأعظم من وحدات الجيش السوري موجودة في مواقع محصنة يبلغ عددها حوالي ألفي موقع، موزعة في أنحاء البلاد. وهكذا، فإن أكثر من نصف عديد الجيش يعمل منفصلاً عن وحداته العسكرية.
الوحدات النظامية السورية المتحصنة في هذه المواقع تخوض عمليات دفاعية، بشكل أساسي، وتقوم بابتزاز السكان المحليين. وهي لا تخوض عمليات ذات أهداف حاسمة لتحرير القرى والبلدات والمراكز الإدارية والمحافظات.
إن أسس وجود أي تنظيم عسكري، مثل “أمر القائد” وهو قانون للمرؤوس، و”الأمر يجب أن يًنفذ في موعده بأي ثمن، وعلى نحو دقيق وبلا اعتراض”، لا تعمل دائماً في الجيش السوري، أو أنها تعمل مع قيود كثيرة.
“البراميل” القنابل
يصعب إبراز ما هو جدير بالدراسة ويستحق التعميم والتمثل به في عمل مختلف أسلحة القوات المسلحة وفروع الجيش السوري. جميع الأمثولات هي، في الحقيقة، من حقل واحد؛ فتنفذ القوات الجوية السورية يومياً عدداً كبيراً من الطلعات القتالية (بلغ المئة في بعض الأيام في العام 2015) 85 في المئة منها يستهدف السكان بالقنابل والصواريخ. وتبلغ نسبة تحقيق الإصابات في الطيران السوري أكثر من 70 في المئة. وتشارك في تنفيذ الضربات الجوية عشرات من الطائرات المقاتلة القاذفة وحوالي 40 مروحية عسكرية.
ويتحدث الكاتب لاحقاً عن التدابير المتخذة بغية الإقتصاد في الموارد الضئيلة أصلاً، وكيف ما زالت تُستخدم حتى الفترة الأخيرة الطوربيدات البحرية والألغام وقنابل الأعماق، كما تًستخدم على نحو نَشِط ما يسمى بـ”البراميل القنابل”. وقد بلغ عدد ما أسقط منها “على العدو أكثر من 10 آلاف برميل”. (ألقت حوامات النظام على بلدة داريا في غوطة دمشق الغربية، لوحدها، أكثر من 10 آلاف برميل).
ويتوسع الكاتب في ذكر مواصفات هذه البراميل وطريقة صنعها “البدائية” ووزنها ويقول إنها “تمتلك قوة تفجيرية كبيرة، وتُستخدم من أجل تدمير الأبنية وقصف التجمعات الكبيرة للمقاتلين”.
ويقول الكاتب، إنه لا يجري إعداد الطيارين لتعويض الخسائر البشرية “وتوقف إعداد الطيارين في روسيا”. كما لا يجري أيضاً إصلاح الطائرات “ومصنع ترميم الطائرات الوحيد موجود في منطقة العمليات القتالية في حلب”. ويذكر الكاتب أن الخسائر في الطائرات منذ نيسان/أبريل العام 2011 بلغ حوالي 200 طائرة، أما الخسائر في عدد الطيارين، فقد تجاوزت 150 طياراً.
ويتحدث الكاتب بالتفصيل عن مقاتلي المعارضة وأساليبهم في خوض القتال ضد قوات النظام، ويقول إن مستوى المعنويات القتالية لديهم “يتخطى كثيراً مستوى عسكريي القوات المسلحة السورية”.
آن الأوان للعودة إلى البيت
يقول الكاتب، إنه من أجل الخروج منتصراً من الصراع المسلح، يتطلب الأمر الشجاعة والإرادة الصلبة والثقة بالنفس وبالقوات المسلحة، وغيرها الكثير من المواصفات، التي “لا تملك قوات الأسد منها سوى المشاكل”.
ويقول، إن ليس من الواضح ما الذي يمكن عمله مع الجيش السوري “شبه المتحلل”. فالتدابير القمعية، مثل الإعدام رمياً بالرصاص وتشكيل كتائب العقاب ووحدات الإعتراض، لن تجبر هذا الجيش على القتال. وليس من “حالات مشابهة في التاريخ العسكري العالمي”.
ويمكن عن طريق استخدام السلاح القضاء على ناشري الذعر والفارين من المواقع القتالية والخ، لكن “لم يحدث بعد أن ربح أحد الحروب بالمحاكم الميدانية وأحكامها”.
فإذا لم يكن لدى أفراد القوات المسلحة أهداف سامية في الدفاع عن الوطن، والإستعداد للتضحية بالذات فإن مثل هذا الجيش “لن تفيد معه أية كتائب عقاب أو وحدات اعتراض”.
وأسهل ما يمكن القيام به هو تسريح الجيش السوري وتشكيل جيش جديد. ومن جانب آخر، فإن المشكلة الرئيسية هي، بكل بساطة، ليس في سوريا المعاصرة من مصدر للإتيان بأشخاص جدد نوعياً. وحتى في الجيش، الذي سينشأ من جديد، ستنتقل إليه، على نحو عضوي جداً، جميع عيوب الجيش السوري السابق. كما أنه ليس من جواب واضح على أحد الأسئلة المهمة جداً: “من سيدفع مقابل كل ذلك؟”.
ويؤكد الكاتب، أنه “يستحيل كسب الحرب مع حليف مثل جيش الأسد”. ومن المؤكد أيضاً، أنه “لا يمكن الإستناد كلياً إلى تشكيلات ميليشاوية. فحزب الله اللبناني والمتطوعون الإيرانيون لديهم مصالحهم الخاصة”.
وينتهي الكاتب من كل ذلك إلى التأكيد، أن “على القيادة العسكرية السياسية الروسية، كما يبدو، اتخاذ قرار ذي طابع أساسي: إنهاء الحملة العسكرية في سوريا قبل نهاية العام 2016، وسحب قواتها من هناك، والإبقاء في هذه البلاد على القواعد العسكرية فقط”.
كما يقول، إنه “يستحيل إقامة نظام دستوري في سوريا بالوسائل العسكرية فقط، وبدون إجراءات ديبلوماسية سياسية إقتصادية ودعائية جدية، وكذلك من دون دعم هام من جانب دول ثالثة لهذا البلد المدمر”.