بقلم د. يسرى السعيد
قراءة في ديوان الشاعرة السورية بسمة شيخو
-آخر سكان دمشق-
بقلم: يسرى وجيه السعيد
يبدو أن مايؤجج المشاعر هو الحب والحرب بآن، وقدظهرفي السنوات الأخيرة مايمكن أن نسميه أدب الحرب، لما تضمنه من وصف وشرح لكل أجواء الحرب؛ لكن بعين الأديب، روائياً كان أم شاعراً، وقد استطاع هذا النوع من الأدب أن يجذب إليه جمهوراً واسعاً عايش تلك الأجواء سواء داخل دولة الحرب أو خارجها.
ويأتي ديوان الشاعرة السورية بسمة شيخو[1] الصادر عن مركز التفكير الحر عام 2016 كشاهداً مميزاً كتب شهادته بكل الصدق والأمانة.
بسمة شيخو هي آخر سكان دمشق؛ كنت أعلم أنني سأصدق يقيني وتكون الكاتبة هي نفسها من سيبقى متكئاً على كتف دمشق حيناً، نائماً في حضنها حيناً آخر،هي نفسها آخر سكان دمشق!.
تأتي المجموعة الشعرية الصادرة حديثاً للشاعرة السورية الشابة بسمة شيخو، وكأنها قصة عشق وشجن وبوح أصيل يترنح سكراناً حينا وفي ذروة العقل حيناً آخر!، وتتسلسل القصائد عبر تواريخها المتتالية، والتي تطرح تاريخاً متقارباً من المعاناة والتعايش وتعكس الواقع السوري بحرفية كاتب، وروح شاعر وإحساس أديب.
وتظهر العناوين التي تختارها الشاعرة بأمانة وحرفية عالية، وعشق واضح يجعلك مندفعاً بكل هواجسك لتقرأ المضمون، ومن ثم تأخذك التفاصيل لعوالمها التي تشبهنا، و تتقاسم معنا تفاصيل حياتنا.
أرني وجهك ،
شاحب أنت كالحلم
ضعيف وأصفر كالموت
بعيد كالحياة
وصادق ككذبة
تعال اجلس قربي
نتسع على كرسي واحد،
ولن يخفى على القارئ كيف تختار الشاعرة مفردات تليق بماتعنيه، فقصائدها جاءت في مكان تلتهمه نيران الحرب منذ سنوات، والزمان هو زمان الفقد، والقلم هو قلم شاعر يدرك خفايا الروح وانكساراتها وعنادها ورفضها وكل مايختلج بها!
لن نؤطر الديوان بسرد تفصيلي لكل قصيدة، فهذه متعة ينالها القارئ كلما فتح الديوان، لكن هذه القراءة هي محاولة لإضاءة بعض اللقطات الرائعة التي قدمتها الشاعرة عبر سطورها.
أعدّ الخراف وأنام
في عام الجوع
ينثر قمحاً على جسدي
ينبت خبزٌ بين أصابعي
فيبتسم العالم شبعاً
تختار الكاتبة أجمل الصور لتساعدها في إيصال أفكارها، وتحمِّل هذه الصور مأساتها ومأساة الوطن الذي يعاني، تحاول بسمة شيخو من خلال قصائدها عبر هذا الديوان أن تتجاوز ذلك القهر الذي يغطي مدننا في زمن الحرب ببضعة أحلام تدرك الشاعرة عبر صدق حروفها أنها مجرد أحلام!
ولدي …يتقن أربع عشرة لغة
بعدد مدننا البائسة
لكنه اخرس!
ولدي الآن
غودو
ننتظره
ولا يأتي
سيتوقف القارئ عند اللغة الشعرية الرصينة، والمفردات العذبة والصور المتنوعة التي تعكس الثقافة العالية لدى الشاعرة؛ فهي لاتتوانى عن استحضار التاريخ الأدبي و التراث الفكري دينياً كان او اجتماعياً، لتستقطب إصغاء القارئ؛ بل وتحمسه لإكمال الحرف، ولربط الكلمات لتمنحك ضمن القصيدة الواحدة عمراً من الحكايا والتواريخ!
وبأسلوبها الفريد تمزج السخرية بالألم، وهي تصور لنا عبر قصائدها وجعاً مستديماً تحول لدى السوريين للامبالاة مؤلمة، تولدت نتيجة اليأس من انقضاء المحنة!
شفتاي لاتعرفان إلا الابتسام
يموتون في الشارع المقابل فأبتسم
يجوعون في المدينة المجاورة فأبتسم
يدفنون في قبري …فأبتسم
بلا قبر،
بلا دموع،
بلا بسمة.
تتنوع المواضيع ضمن ديوان بسمة شيخو بين المواضيع العامة الوطنية، والشخصية العاطفية منها والوجدانية، والتي تعكس أحيانا تجارب شخصية، وأحيانا رؤى عامة، وتنتقل بنا الشاعرة من قصيدة لأخرى عبر تسلسل زمني يمتد على طول عام واحد ووجع مشترك.
تعيد لنا بسمة أمجاد الشعر الجميل الذي يدفعك لإعادة قراءة القصيدة الواحدة عدة مرات، لأنك في كل مرة ستكمل انفعالك وانسجامك الذي بدأ وأدخلك في عالم الشعر الذي تخاله يتحدث عنك، أو ربما يتوجه إليك مخاطباً روحك ومداعباً ذاكرتك، وهي لن تخفي تقمصها للحالة التي تعبر عنها بكلماتها حيناً، وحيناً ستكشف لنا عوالمها الخاصة جداً، والتي تتجلى من خلالها شخصية بسمة الجميلة والرقيقة، بسمة المرأة الممتلئة عنفواناً وكبرياء، وأنفة!
أصلي لأصابعي أيضاً
كي تفقد ذاكرتها،
وينسوا القصائد التي كتبوها عنه،
لن أبقى لوحدي دونه،
سأستدعي غرباء مثلي
ليعبئوا كراسيه الشاغرة في مسرح حياتي،
تحاول الكاتبة أن تتحرر من قيود الروح المتألمة عبر حروفها التي تقطر ألماً، ممزوجاً بالتحدي الذي يرفض الاستسلام للظروف الخارجية القاسية التي تفرض، أو لليأس الداخلي الذي يعتبر نتيجة حتمية في دولة الحرب.
تبدع بسمة حقاً حين تترجم لنا موقفها الشخصي من الحرب، وكيف أثرت على نظرتها لكل ماهو حولها، ولاتتوانى هي عن رسم طوق شعري باهر لتجميل تلك النظرة، أو لنقل للتعبير عنها بعيني شاعرة!
خائفةٌ يا أبي
خائفةٌ من الرصيف،
من إشارة المرور،
من الضوء أسفل الحي،
خائفةٌ من الأحياء
وممن ماتوا
خائفةٌ من الشهداء
والأنبياء
خائفةٌ من الله
تتموسق الحروف حين قراءتها، بسرد معتدل لم تبالغ من خلاله بالرمزية، ولم تغلو بالخيال، لكنها استطاعت أن تتفرد بأسلوبها وزاوية الرؤية لأي حادثة تصفها، أو عاطفة تشعر بها، وكأن بسمة شهرزاد، وكأن الجمهور القارئ هو شهريار الذي يستمتع بقصائدها التي تحمل كل واحدة منها تجربة وخبرة وقصة تنتهي بطلوع فجر تحلم به بسمة لكنه ربما لن يطلع!
في قلب دمشق يهرول
يبحث عنها داخل القبور
يحكي لكل أبناء قبيلتهعن صبية
سكنت دمشق ولم تستطع أن تخرج منها
هذه هي بسمة، وهذا هو موقفها الذي ترجمته عبر عنوان ديوانها، وعبر قصائدها، التي رسمت ملامح كل عاشق لدمشق، باكِ على ماأصابها، متألم لوجعها، ولاننكر أن ملايين العشاق لدمشق بكوها وتوجعوا لوجعها، لكن يراع الشاعرة المبدع استطاع تكريس قلمه للتعبير غن ذلك الوجع.
ألف
لام
ميم
ثلاثة حروف تؤرجحني مابين ألمٍ وأمل.
بهذه الكلمات ابتدأت بسمة ديوانها الشعري، وبهذه الكلمات نرى أنها معلقة بين يأس وأمل،
[1]بسمة شيخو:بسمةشيخومندمشقمواليد 1986 درستالماجستيرالفنونالجميلةقسمالعمارةالداخلية،أعملحالياًفيمجالالنقدالتشكيليوالقراءاتالفنية،كذلكأرسموليمشاركاتبمعارضجماعية.
صدرلي (عبثمعالكلمات) عنالهيئةالعامةللكتابفيدمشق (شهقةضوء) عنمركزالتفكيرالحر السعوديةوكتاباختصاصيفيالعمارةالداخلية ( التصميمالداخليلرياضالأطفال) عندارنينوىسوريا.