هل الميليشيات الكرديّة في سوريا أو تركيا هي جزء من المكوّن الكردي؟ نعم بالتأكيد. لكن هل تمثّل الغالبية العامّة من الأكراد فضلا عن مهمّة التمثيل نفسه؟ الجواب على هذا السؤال هو بالتأكيد “لا”، وفي أسوء الأحوال يبقى أمراً مشكوكاً بصحّته.
الإنطلاق من هذه الوقائع أو الحقائق من المفترض أن يكون أمراً بديهيّاً، لكن مع ذلك تجد من يخلط جهلاً أو عمداً بين ميليشيات صالح مسلّم وبين “أكراد سوريا” ولا يكتفي بذلك، بل ينصّب الأولى ممثّلة للثانية أيضاً. إذا كان هناك من يخلط جهلا بين الأكراد والميليشيات الكردية لاسيما في هذه المرحلة بالتحديد فتلك مصيبة كبيرة من دون شك، لكن إذا كان الخلط متعمّداً فالمصيبة أكبر بالتأكيد لأنّها تعبّر عن جرم بكل ما للكلمة من معنى، وهو ما نحتاج إلى أن ندركه جيداً في هذا الوضع الدقيق في المنطقة.
المشكلة لا تقتصر على عدد قليل من الكتّاب هنا وهناك، فالداء منتشر ويشمل صحفا وتلفزيونات وإذاعات عربية تتحدّث عن مصطح “أكراد سوريا” بدلاً من الاسم الصريح لميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني التابعة لصالح مسلّم على اختلاف تشكيلاتها. هذا التصرّف يعكس خللاً مركّباً، فهو لا يكتفي بتوصيف خاطئ للظاهرة وإنما يرفض فهمها أو حتى محاولة البحث فيها، وفي مثل هذا فإن الأمر يعدّ بمثابة خدمة مجانيّة لهذه الميليشيات وظلما لمجموع الأكراد ممّن لا ينتمون إليها، فضلا عن أنّ التوظيف الخاطئ للسياق يضر العربي بالذات قبل أي طرف آخر.
ميليشيات صالح مسلّم الكرديّة هي صنيعة النظام السوري، هذا ليس ادّعاءً وإنما تاريخاً وواقعاً وتوثيقاً. لطالما استخدمت أنظمة المنطقة عصابات كرديّة وزعماء أكراد كأداة ضغط وإبتزاز وإرهاب ضدّ بعضها البعض. النظام السوري كان في طليعة هذه الأنظمة وقد سبق له أن احتضن ودرّب كوادر حزبّ العمّال الكردستاني كما هو معلوم في البقاع اللبناني، وكذلك استضاف زعيمه عبدالله أوجلان وإستخدمه أداة ضد تركيا ثمّ قام بتهريبه عام 1998 بعدها خارج البلاد تحت الضغط التركي بشن حرب على النظام السوري إذا ظل يؤويه.
لقد تخلى النظام السوري عن أوجلان الورقة، وقد أدى ذلك إلى إعتقاله من قبل قوات العمليات الخاصة التركية في كينيا فيما بعد. والنماذج المشابهة لهذه الحقيقة موجودة أيضا في العراق وإيران حيث استخدم البلدان الورقة الكردية ضدّ بعضهما البعض، لكنّ الفكرة الأساسيّة لاستخدام الميليشيات الكرديّة كأداة ترهيب لأغراض سياسية ولدت في إيران في عهد الشاه ثمّ جاء نظام الخميني بعدها ليكمل نفس المسار الذي لا يزال ساريا حتى يومنا هذا.
توصيف أو تعريف أكراد سوريا حاليا من خلال ميليشيات صالح مسلّم أمر غير مقبول خاصة اذا ما عرفنا أنّ هذه الميليشيات مسؤولة عن اغتيال وقتل واحتجاز قادة أكراد سوريين، وهي مسؤولة عن تهجير مئات الآلاف من أكراد سوريا إلى الخارج فضلاً عن إجبار من بقي من أكراد سوريين على الرضوخ لتوجهاتها الأيديولوجية والسياسية والأمنية تحت تهديد السلاح.
قامت ميليشيات صالح مسلّم الشهر الماضي على سبيل المثال باعتقال إبراهيم برّو رئيس المجلس الوطني الكردي في سوريا وترحيله بعدها إلى العراق مع تهديده بالقتل والتقطيع إذا عاد. ويعتبر المجلس الوطني الكردي مظلّة لمجموعة من الأحزاب الكرديّة السورية التي تشارك المعارضة السورية المسار الثوري ضد نظام الأسد لكنّها لا تمتلك السلاح أو الدعم الذي يخوّلها الدفاع عن نفسها ضد المعتدين وفي هذه الحالة (ميليشيات صالح مسلّم).
الصراع هنا بين الطرفين حقيقي وإن امتلك كل منهما قواسم مشتركة في بعض الأحيان على الصعيد الأيديولوجي المتعلّق بالشق القومي، وهو أمر طبيعي في ظل الحالة القوميّة التي يعيشها الأكراد بشكل عام، لكن هناك اختلافا جوهريا بين الطرفين لا ينبغي إغفاله أو تجاوزه في ما يتعلق بالأسلوب والآليات والهدف ربما أيضاً وهو يعكس صراعاً حالياً بين نموذجين كرديين في المنطقة. النموذج السياسي الذي يمثّله البارزاني والنموذج المسلّح الذي تمثّله ميليشيات صالح مسلّم وكذلك ميليشيات حزب العمّال الكردستاني.
عندما نتحدّث عن ميليشيات صالح مسلّم كممثل عن أكراد سوريا نكون قد تجاوزنا كل الحقائق المذكورة أعلاه، ليس هذا فقط، بل إنّنا ندفع الطرف الثاني عملياً إلى الانضمام إلى الطرف الأوّل طالما أنّنا كنّا قد صنّفناه بشكل مسبق ضمن الخانة الأولى، ولا يوجد أغبى من هذا التصرف إن كان يتم جهلاً، وهو جريمة موصوفة إذا كان يتم عمداً. وحتى لو اعتبرنا أنّ هذه الحقائق غير موجودة، ففي نهاية المطاف ليس هناك مصلحة سياسية أو أمنيّة أو اجتماعيّة أيضاً في جعل ميليشيات صالح مسلّم ممثّلاً لأكراد سوريا أو ناطقاً باسمهم