نشر الروائي الكردي السوري مصطفى سعيد فـ: 2006 رواية تحت عنوان: (أكراد أسياد بلا جياد) وقد كتب ناشرها وقتها تعليقاً على الرواية يقول فيها: “أن الحياة قطار يمشي دونما توقف، ولا تستطيع أن تختار متى ومع من ستنزل” وصحيح أن الحياة لا تتوقف، ولكن مَن يضمن بأن يكون بعض الناس ليسوا أكثر من وقودٍ لاستمرار سير قطار حياة الآخرين، كما أن الوقائع الحالية تشير بأن من يمثلون الأكراد في سوريا حالياً ليسوا في مقام الأسياد قط، إنما هم مجرد جيادٍ مطيعة في خدمة غيرهم من الأسياد.
فليس تشفياً بطرفٍ ولا تطبيلاً لطرفٍ آخر، ولا من باب الوقوف في قافلة اللطميات، ولا انبهاراً بمن يُمثل دور المُعادي نقول ذلك، إنما بتصورنا أن القراءة الواقعية تتطلب من واحدنا إعمال المقارنات والخروج باستنتاجاتٍ ما قد تصيب وقد تجانب الحقيقة، ولكن تبقى الطامة الكبرى هي لدى من يُغيِّب عمداً أعداد الأبرياء الذين فقدوا حياتهم في ميادين معارك الآخرين.
ومن باب الاستعانة بالحكمة ولو كانت من أهل النفاق نقول: “بما أن الانسان هو غاية الحياة وهو منطلقها” حسب قول الطاغية حافظ الأسد، لذا نقول أليس من المفروض أن تبقى أرواح البشر هي الأسمى من بين كل الكائنات والغايات؟ باعتبار أن كل الحروب والمنازعات والاشكاليات العرقية والدينية والحدودية هي عادةً ما تكون بسبب البشر ولأجلهم، ولكن عندما تلجأ أية جهة ما الى تغييب الخسائر البشرية في أية معركة جانبية ألا يعني ذلك بأن أرواح أولئك الناس كانت مجرد مواد تم إحراقها لضمان دوام الآخرين، وليس هدف الجهة تلك تحقيق أية خدمة إنسانية لهم، إنما يكون الافتداء بالبشر لديها هو فقط لدوام المصلحة السياسية لمن يتولون زعامة الجهة أو الحزب أو التيار.
ولكن وقبل الدخول في معترك المقارنة دعونا نرى الفرق بين السياسي الذي يكون مالكاً زمام مقوده، والسياسي المنقاد من قبل غيره، فالقائد وفق القواميس هو الشخص الذي يستخدم نفوذه وقوته وكل ما أوتي من سلطان ليؤثر في سلوك واتجاهات الأفراد بغية إنجاز أهداف محددة، والقيادة عملياً هي مسؤولية تجاه الأفراد تهدف إلى إنجاز متطلبات معينة من خلال التأثير في سلوكهم وهيكليتهم، بينما المنقاد فهو متّبعٌ للتعليمات ومطيعٌ للأوامر وهو المذعن والمستسلم لمن يقوده، فهو المخضوع والمذلول، ومنها قول إنقادت الدابة أي سارت خلف قائدها، والانقياد هي حالة من الخضوع التامّ والاستسلام وتجلَّت مظاهر الضعف لدى بعض الدول في الانصياع والانقياديّة التامَّة لبعض الدول الغربية وتحديداً روسيا أو أمريكا.
والفرق بين السياسي القائد والسياسي المنقاد هو أن المنقاد إذا ما أراد أن يختلق مسرحية ما ليُقنع بها الآخرين، فقد يتسبب في سبيل تحقيق تلك الغاية بمقتل مئات الأشخاص، وذلك حتى ينجح في عمله أو ربما لا ينجح، بينما القائد الذكي فقد يقوم بإنتاج نفس المسرحية ويعرضها على الملأ ولكن بدون أية خسائر بشرية، وللسوريين في العرضين المثيرين في كل من الحسكة وجرابلس مقياسٌ جيد للتمييز بين غباء الساسة المنقادين أو القادة منهم، بل وما أشبه ما حدث بين جيش النظام السوري ووحدات الحماية الشعبية منذ أيام في الحسكة، مع ما حدث مؤخراً بين الجيش التركي وتنظيم داعش في جرابلس، ففي الحسكة تم تقديم عشرات الشهداء في العرض الواقعي الدموي بين النظام والجماعات المسلحة التابعة لحزب صالح مسلم، بينما في العرض التحريري لمدينة جرابلس، فقد أعلن الجيش التركي أنه لم تقع أي خسائر بشرية في صفوف قواته التي نفذت العملية بالتعاون مع فصائل سورية محسوبة على تركيا، وحسب وكالة الأناضول الرسمية، أن القوات التركية والجيش الحر سيطروا على المدينة بالكامل يوم الاربعاء وطردوا عناصر “داعش والعملية كلها لم تكلف غير مقتل مسلح واحد، من يدري ولربما قُتل نتيجة خطأ منه ولم يقتله تنظيم داعش المُدار من قبل استخبارات الدول الاقليمية، إذ من المفارقات الكبرى أن التظيم لم يفخخ المدينة كما فعل ويفعل بالمناطق التي يتقهقر فيها، ولا لجأ إلى استخدام المدنييين كدروع بشرية كما فعل بمئات المواطنين الكرد في منطقة الباب وريفها، حيث أفاد النشطاء أن مسلحي داعش اختطفوا يوم الاثنين في 22-8-2016، حوالي 100 مدني كوردي تم خطفهم من مدينة الباب وحدها، بينما في جرابلس بدا وكأن المقاتلون كانوا ذاهبون في رحلة سياحية، والمثير للدهشة حقاً بخصوص تحرير جرابلس أن الدواعش تحولوا بقدرة قادر وبين ليلةٍ وضحاها من أناسٍ مرعبين ومجرمين وقتلة إلى خرفان وادعة، فانسحبوا بكل هدوء كما تنسحب البطة من البحيرة، ويبقَ المشهد الأكثر غرائبية في سوريا أنه فاق فانتازيات روايات أمريكا اللاتينية، وغدا من غير المستغرب بتاتاً أن يقوم داعش بتحرير منطقة ما من داعش، أو يقوم الأسد بالانسحاب من منطقة ما وتركها رهينة بيد الأسد نفسه، أو تقوم قوات سوريا الديمقراطية بالسيطرة على منطقة ما من مناطق نفوذ الاتحاد الديمقراطي، وهكذا الى أن تنتهي الدول وأمراء الحرب من تبادل الأدوار والمواقع والشخصيات على المسرح الدامي في سوريا.
وبالعودة إلى القائد الحقيقي وذلك التابع والمنقاد المساق من قبل الآخرين، إذ وحسب النشطاء أن أكثر من 1600 شاب كُردي فقدوا حياتهم في مدينة منبج إرضاءً للقوى التي تحالف معها الاتحاد الديمقراطي، ولم تدم أيام حتى طالب الامريكان من قوات YPG بالإنسحاب من مدينة منبج بشكلٍ كامل، رغم كل تلك القرابين الكردية المهدورة دمائهم في أزقتها، حيث طالبهم الامريكان بتسليم المدينة لفصائل من المعارضة السورية المسلحة الموجودة في جرابلس لربط منبج بجرابلس، كما طلبت أمريكا من قوات YPG بالتركيز على معركة الرقة، وهنا ربما على هذا الفصيل الكردي المنقاد كالبعير في الحرب السورية، بأن يقدم مئات الضحايا من الشباب الكردي أيضاً في محرقة الرقة لإرضاء الحلفاء عنه.
وفيما يتعلق بتحريرمنبج والخدمات المجانية لجماعة صالح مسلم الذي حوَّل الكرد في سوريا الى مجرد خيول يركبهم كل من هب ودب، يقول الكاتب جمال حمي: “يحكى لنا التاريخ بأنه كان يُطلق على الشعب الكردي تسمية فرسان الشرق لشجاعتهم وإقدامهم في الحروب والمعارك، لكن حزب العمال الكردستاني وروافده حولوا الكثير من شبابهم من فرسان الشرق إلى خيول يركبهم القاصي والداني”، بل ولعل المصيدة التي نُصبت لحزب الاتحاد الديمقراطي والكرد من ورائه، حيال العدد الهائل من الشهداء الكرد الذين ذهبت دماءهم أدراج الرياح بدون الحصول على أية ضمانات دولية أو اقليمية، يكون من الملائم جداً وفق الجُرف الذي يُجر الكرد نحوه في سوريا من وراء طيش حزب الاتحاد الديمقراطي نختتم المقالة بقول المتنبي:” إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم، فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ كطعم الموت في أمرٍ عظيم”.
المصدر: موقع إيلاف