الانطباع السائد لدى الكثيرين هو أن روسيا ربحت معركة سوريا وانها سيدة الموقف وتملك مفاتيح الحل وقادرة على مواصلة الحرب وتحقيق السلام، وأن الولايات المتحدة خسرت هذه المعركة ورضخت ضمناً للمطالب والشروط الروسية. لكن الحقائق والوقائع المجرّدة والصلبة تنسف هذا الانطباع السريع وتظهر ان خطة الر ئيس فلاديمير بوتين في سوريا فشلت في تحقيق أهدافها الأساسية على رغم النفوذ العسكري الكبير لموسكو في هذا البلد، وأن التعاون الروسي – الايراني لم يمنع وجود خلافات وتجاذبات بين الطرفين حول مسألة استخدام الروس قاعدة همدان لتوسيع نطاق عملياتهم الحربية وحول مسائل أخرى”. هكذا اختصر مسؤول أوروبي بارز معني بالملف السوري الوضع وقال: “خلافاً للانطباع السريع السائد فإن ادارة الرئيس باراك أوباما لم ترضخ للمطالب والشروط الروسية بل نفّذت استراتيجية تقوم على رفض التورّط عسكرياً مباشرة من أجل إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد وترك الروس والايرانيين يتورّطون أكثر فأكثر في حرب ليست لها نهاية وغير مجدية من غير حل سياسي حقيقي شامل للأزمة، وليست لديهم القدرة على وقفها وتحقيق النصر. وتعمل الإدارة الأميركية في الوقت عينه علناً وسراً بوسائل متنوّعة من أجل تغيير النظام وإبعاد الأسد عن السلطة وإحباط الخطط الروسية، وقت تمتنع واشنطن عن المواجهة مع موسكو وتواصل الحوار والتنسيق معها من أجل محاولة انجاز تفاهم ما يساعد على حل الأزمة ولكن من غير جدوى حتى الآن”.
وأوضح المسؤول الأوروبي أن خطة بوتين في سوريا ترتكز على العناصر الأساسية الآتية:
أولاً، الحرص على التعاون في وقت واحد مع أميركا وايران على رغم تناقض مواقف هذين البلدين وأهدافهما من أجل تعزيز الدور الروسي وإنجاز حل للأزمة مناسب لموسكو.
ثانياً، التعاون مع ايران من أجل منع انهيار نظام الأسد وتعزيز مواقعه عسكرياً والتمسّك به سياسياً وديبلوماسياً، والعمل على إضعاف قوى المعارضة الى اقصى حد وخوض معارك مشتركة مع النظام والايرانيين ضد المعارضين والثوار والمدنيين على حد سواء، ألحقت خسائر بشرية كبيرة ودماراً وخراباً واسعين وزادت حجم الكوارث في هذا البلد.
ثالثاً، التعاون مع أميركا من أجل اطلاق عملية التفاوض في جنيف استناداً الى شروط وأسس تحددها موسكو وتختلف جذرياً عن التفاهمات الأميركية – الروسية والقرارات الدولية. فالقرارات والتفاهمات الدولية التي شاركت موسكو في صوغها وإقرارها وتبناها مجلس الأمن تنص على أن الحل السياسي الحقيقي للأزمة السورية يتطلب نقل السلطة الى نظام جديد تعددي، الأمر الذي يعني ضرورة إنهاء حكم الأسد. لكن القيادة الروسية تخلت عملياً عن هذه القرارات والتفاهمات وركزت جهودها على محاولة اقناع أميركا بدعم عملية تفاوض تؤدي الى الانتقال من نظام الأسد الى نظام يقوده الأسد، من طريق تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم “معارضين” مقربين من موسكو ومن النظام، وتنظيم انتخابات يشارك فيها الأسد وتشرف السلطات السورية وليس الأمم المتحدة على اجرائها.
وفشلت خطة بوتين في تحقيق أهدافها الأساسية اذ أن الإدارة الاميركية رفضت هذه المطالب والشروط الروسية ولم تستطع القيادة الروسية اقناع واشنطن وحلفائها بقبول بقاء الأسد في السلطة والتفاوض معه على حل الأزمة، كما لم تستطع إلغاء المعارضة السورية الحقيقية المعتدلة أو تقليص دورها في المفاوضات.
واستناداً الى المسؤول الأوروبي فإن بوتين يواجه خيارين أساسيين بعد فشله في تحقيق أهدافه الأساسية: الخيار الأول هو العمل جدياً بالتعاون مع ايران على وقف العمليات العسكرية في حلب ومناطق أخرى وإرسال المساعدات الانسانية الى المحاصرين في إشراف الأمم المتحدة، وإطلاق مفاوضات جدية في جنيف بين النظام والمعارضة من أجل تنفيذ القرارات والتفاهمات الدولية وتحقيق التغيير الكبير في سوريا، والخيار الثاني هو السعي الى فرض “السلام الروسي” بالقوة على المعارضين والدول الداعمة لهم. لكن هذه مهمة بالغة الصعوبة والتعقيد ولن تؤدي في أي حال الى انقاذ سوريا من كوارثها والى تسوية مشكلاتها الهائلة، بل ستطيل الحرب وتزيد تورّط روسيا في الساحة السورية ولن تحقق لها تالياً أي مكاسب مهمة. تبقى الحقيقة الأساسية وهي أن خطة بوتين في سوريا فشلت في إنجاز اهدافها الأساسية على رغم كل ما يُقال علناً في هذا الشأن