شباب بوست- خاص
بقلم الرائد: عبد الله النجّار
خلالَ أكثرَ من عامين وقعتْ عدّةُ اشتباكاتٍ بين قواتِ النّظام والقوات التابعة لحزبِ الاتّحاد الديمقراطي PYD (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني PKK) ، في مدينتَي القامشلي والحسكة ، راحَ ضحيَتها الكثيرُ من المدنيّين ، بالإضافةِ إلى قتلى من الطرَفين المُتقاتلين.
وفي كلّ مرةٍ كان المواطنُ – الذي يدفعُ الثمن – يقفُ حائراً أمام تفسير مايجري ، حيث لايجدُ حلاً لمعادلةٍ اقتتالِ الحُلفاء ، ورفاق السّلاح.
غير أن هذه المرّة جاء بيان القيادة العامة لجيشِ النّظام واضحاً ، ليبينَ أسبابَ الاقتتال الدائرِ منذ يوم الإثنين الماضي ، حيث عزاها إلى تصعيد ” الأسايش” من أعمالها الاستفزازية كالسّرقة والخطف ، ومحاصرتِها لمدينة الحسكة.
وهما سببان ليسا جديدين ، فالكلّ يعلمُ أنّ تلك القوات وغيرها لم تتركْ وراءَها شيئاً للسرقة أو الخطف ، كما أنّ حواجزَها تحيط إحاطة تامة بالقامشلي وشبه تامةٍ بالحسكة منذ سنوات ، ولاجديدَ يذكر.
وبالرّغم من وضوحِ البيان ، إلا أنّه جاء مُبهماً في موقعَين ، الأول يتمثلُ في إصرارِ النّظام على حصرِ اتهاماته بقوات ” الأسايش ” فقط ، والتي أسماها بالجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني ، وهي تسميةٌ غيرُ صحيحة ، لأن الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني في سورية هي قوات الحماية الشعبية YPG ، بينما الأسايش هي قوةٌ أمنيةٌ شرطية ، مما يعني أنه أراد الزّج بإسم حزب العمال الكردستانيPKK كعنوانٍ عريض ، وأراد في نفسِ الوقت إخراجَ YPG من دائرة الاتّهامات ، رغم أنه لايمكن عملياً الفصلُ بين PKK و YPGوالأسايش، فجميعها تُقاد من قبل قيادة واحدة تتمركز في قنديل.
أما الموقعُ الثّاني فهوَ ادّعاؤه التّصدّي للاعتداءات ” حفاظاً على وحدةِ أراضي سورية ” ، وحَشْرِهِ للفقرةِ الأخيرةِ في غيرِ محلّها ، ومن دونِ أيّةِ مقدّماتٍ ، لاسياسيةٍ ولا لغويةٍ تتوافق مع المَبْنى والسّياق.
والمرادُ أولاً – حسبَ تقديرنا إن استطاع النظّام – هو إخراجُ حزب العمال الكردستاني بكل فصائلهِ من المدن ، مبدئيا من الحسكة ولاحقاً من القامشلي ، وإنهاءِ أيّ تواجدٍ له فيهما ، بعد أن سبقَ وتمّ القضاءُ على أيّ جذوةٍ للثورة هناك ، بمساعدته ، ولم يعد هناك أي خوف منها.
في حين يسمحُ لهذه القوات ، بالبقاء خارجِ هذه المدن ، للمشاركة في التّحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ، الذي تقودهُ الولايات المتحدة.
ولم يتطرّق البيان إلى قوّات الحماية الشعبيةYPGبالإسم ، كونها مُنْضَمّة بهذا الإسم إلى تحالف ” قوات سورية الديمقراطية ” المدعومِ أمريكياً ، ولهذا فليسَ للأخيرة حجةٌ للدفاع عنها ، لأنها خارجَ المعركة أصلاً حسب تقسيمات البيان ، بينما قوات الأسايشلاتنتمي إلى هذا التّحالف.
وأرادَ ثانياً من وضعِ حزب العمال الكردستاني كعنوانٍ عريض ، إعطاء عدة إشارات للداخل والخارج ، على الرغم من تَغنّيه سابقاً بهذه القوات التي اعتبرتها أبواقُه إحدى القوات الرديفة ، وعدم تطرقه خلال السنين الماضية إلى أنها تتبع للعمال الكردستاني.
وكذلك أرادَ من خاتمة البيان حيث زعمَ المحافظة على وحدة سورية ، رغم أنّ هذه القوات تعلن صراحةً أنّها ضد تقسيم سورية ، وضدّ الدولة القومية.
ولمْ يمرر النظامُ بيانه من دون المتاجرة بإنجازات حليفهPYD ، التي وصفها بالجرائم بعد أن كان يثني عليها ، فهو يقصدُ بالخطف ما قام به الأخير بحق قياداتٍ وأعضاء في المجلس الوطني الكردي مؤخراً.
غيرَ أن البيان لم يفسر الآليةَ التّي وصلت بها الدبابات والمدافع إلى أيدي قوات الأسايش ، ومررها هكذا من دون تفسير ، لأنه هو من زودها بها ولايستطيع اتّهام تركيا بذلك.
الجديدُ في هذه الاشتباكات هو مشاركةُ الطيران فيها لأول مرّة ، مما يعني أنه يريد إظهار الحسم ، كما أن إصداره بياناً رسميّاً بذلك – ولأول مرة- يوحي بأنه يريد إطلاع العالم على مايجري ، وأنّ تحالفه مع PKK قد انتهى ، مع أن الطرفين حريصان على عدم انتقال القتال خارج نطاق مدينة الحسكة حالياً ، حيث تنعم باقي المحافظة بالأمان.
فهل فعلاً تخلى النظام عن PKK ولم يمنحه مثل هذا الشرف؟ أم أنها إحدى مسرحياته التي تتكرر من شهر لآخر؟ هذا ماتكشف الأيام القادمة.