إضاءة من الجزيرة – تل براك 1935-1937
زارت الكاتبة البريطانية المشهورة اجاثا كريستي تل براك اثناء تنقيب زوجها في تلال الجزيرة على مرحلتين بين عامي 1935-1937 وبقيت في المنطقة لشهورعديدة، سجلت خلالها عدة ملاحظات وانطباعات عن المناطق التي سكنتها او مرت بها ( #الحسكة، #القامشلي، #عامودة، #رأس_العين، #شاغر_بازار، #تل_براك، #الرقة..الخ). واصدرت مذكراتها هذه في كتاب بعنوان: هكذا عشت في سورية.
البيت الذي في الصورة هو البيت الذي قطنت فيها اجاثا في #تل_براك ، تظهر فيه السيارة التي كانت تقلها، يقودها السائق الارمني ميشيل الذي لا يزال يحتفظ بانتماءه وروابطه مع قبيلة عنزة الذين عثروا عليه في عمر الثمان سنوات وقاموا بتربيته،
رغم هذا تصفه اجاثا بانه يحمل كره كبير للمسلمين، تروي اجاثا وصولها لتل براك وتلها الاثري الذي يعود لحقب ماقبل التاريخ وانتهاءً بالعهد الآشوري، واعمال التنقيب قربه تتطلب حفر بئر للماء، وهو يبعد ميلين عن جغجغ ونحو ساعة في السيارة عن الحسكة. منطقة تل برك ومحيطها مليئة ببيوت الشعر ذات اللون البني، وغير بعيد عن التل مستوطنة أرمنية باتت شبه مهجورة بعد ان قطنها اللاجئين الارمن وتم تزويدهم بمعدات الزراعة وادوات الحرث والحيوانات، لكنهم تركوها شيئاً فشيئاً واتجهوا نحو المدن. ولا يزال قسم ضئيل فيها.
تروي ايضاً الوليمة التي اعدّها شيخ إحدى القبائل المحلية بالقرب من جغجغ، وتروي كيف استقبلهم بالترحاب وجمع رجاله واصدقائه، اجاثا ذهبت برفقة زوجها ماكس و علَّاوي (رئيس العمال) ويحيى وخادمها صبري، وتصف عادات تقديم القهوة العربية، وكسر الشيخ للعادة عندما بدء بتقديم القهوة لها اولاً، كون تقديم النساء في الضيافة من الذوق الاوربي. وتستشف ان الشيخ على دراية بالتقاليد الاوربية.
تصف ايضاً منسف نحاسي مملوء بالرز فوقه لحم الحملان وطريقة تقديمه بكل لباقة مع ارغفة الخبز العربي، وكيف انتقل بعد الضيوف لافراد العشيرة ثم لباقي الاطفال!
الشيخ يعرض امام ضيوفه طيره الحُر متباهياً به.
بعد مضي أسبوع يأتي شيخ شمر بسيارة رمادية لزيارة اعضاء البعثة، واستقبله الشيوخ المحليون بحفاوة، تصفه اجاثا بانه رجل وسيم ومتكلف ذو وجه طويل ويدين جميلتين.
تصف عجزها عن فهم العربية التي يتحدث بها عمالها ومنهم رئيس العمال الذي جاء في احد الايام بسرعة ليروي حادثة موت بعض العمال وهيجان العمال الذين كانوا على بعد ميل قادمين باتجاه مقر البعثة بعد ان انتابهم الغضب.
ملخص القصة يتضح ان ستة عمال دخلوا وقت الظهيرة إلى مكان حفر فيه غيرهم ويحوي قطع كثيرة لكي يستخرجوها ويحصلوا على بقشيش اكبر، لكن الحفرة ارتدمت فوقهم فطمرتهم فنجا اثنان وقتل اربعة مما ادى إلى هيجان العشيرة. قبل ان ينهي الموضوع الشيخ مع الملازم الفرنسي الذي جاء على رأس دورية للتحقيق في الحادثة ثم وضع اللوم على العمال.
فريق العمال كان يضم إلى جانب العمال العرب بعض العمال الاكراد واليزيديين ونحو 20 من الأرمن ايضاً. تروي في في عدة فصول عاداتهم والفروقات التي يمكن ملاحظتها في عاداتهم، كعلاقة الزوجة بالزوج، وكجرأة المرأة الكردية، وكثرة حياء المرأة العربية، كما تصف كيف ان اهل المنطقة في جنوب الحدود التركية من عرب واكراد يعتمرون الكوفية، وكيف انهم اذا شاهدوا احد القادمين من شمال الحدود معترماً القبعة التي فرضها كمال اتاورك يسخرون منه ويشيرون عليه باصابعهم ويصرخون عليه ( تركي .. تركي) ، فتلك الفترة فرض فيها كمال اتاتورك على الاتراك لبس القبعة.
كانت تل براك قرية يكثر فيها الخفافيش، وهذه الخفافيش كانت من الكثرة لدرجة انها كانت تتسبب في كثير من المشاكل والازعاج لافراد البعثة، اما البيت فقد كانت ارضيته مفروشة في الحصير وفيه طاولة وكراسي وأسرة عسكرية وبعض الكتب. وجبة الفطور تصفها اجاثا بانها بيض مسلوق ، شاي، خبز عربي، مرطبانان من المربى، وعلبة من مسحوق الكستر وبيض مخفوق مقلي.
تلاحظ اجاثا بان اجسام الناس في الجزيرة قوية، وهم يتعافون من الامراض والجروح بسرعة كبيرة تجعلها في حالة انذهال، باستثناء انتشار الحساسية وحالات الأمساك، وايضاً بعض حالات السل التي جلبها لهم الاوربيين ولم يكونوا يعرفونها.
تصف على سبيل المثال رجل تورمت قدمه واصابته حمى، فارسله زوجها ماكس إلى المنزل ليرتاح مع حفظ اجرته اليومية، ومنزله في قرية على بعد 10 اميال، بعد الظهر تفاجئ ماكس بانه يعمل في الحفر، قال له ماذا تفعل؟ ألم اقل لك اذهب للمنزل؟ قال ذهبت يا سيد .. لكن في البيت لم اجد سوى النسوة، لا عمل لدي ولا احد اتحدث إليه فرجعت!
تصاب بالحيرة ايضاً حين يصل العمال جميعهم من قرى مختلفة ومن مسافات مختلفة وفي لحظة واحدة إلى موقع الحفر، رغم انهم لا يمتلكون ساعات جدارية، ويقطعون اميال عديدة يجرون ادوات الحفر بكل حماس ومرح وفرح. وتغبطهم على تلك الروح التي يتمتعون بها.
=======
سنتحدث في إضاءات لاحقة عن المناطق الأخرى التي زارتها اجاثا