نايا احمد
يحتل جبل عبد العزيز أهمية جغرافية وطبيعية كبيرة، ويعتبر من أهم الملامح التضاريسية في محافظة الحسكة، وسأستعرض بعجالة موقع الجبل وتضاريسه وتسميته وسكانه وفقاً لحقب تاريخية مختلفة.
الموقع والتضاريس
يقع جبل عبد العزيز في الجزء الجنوبي الغربي من محافظة الحسكة وشمال غرب سنجار، على بعد 35 كم من مركز الحسكة، يبتدئ من الجنوب الغربي من الخابور ويسير غرباً إلى جهة الفرات، طوله نحو 85 كم، وعرضه 15كم، وبارتفاعات تتراوح بين 350 – 920 م ، وكان منه قدر الربع تقريباً مملوء بشجر البطم والزعرور والتين . ومن أخشاب شجر البطم كانت تعمل آلات النواعير التي كانت تدور على نهر الخابور.
كما يتخلل الجبل الوديان المسماة بالثنايا وهي أربعة (ثنية مغلوجة- ثنية الجفر – ثنية البديع- ثنية الحجل). كما توجد فيه أربعة ينابيع أو عيون وهي (مغلوجة- الخزنة- الغرة- العلاجة).
كما ضم الجبل محمية طبيعية بلغت مساحتها نحو 49000 هكتار من اصل مساحة الجبل الاجمالية البالغة 84050 هكتار.
ومن أهم النباتات الطبية المنتشرة في جبل عبد العزيز هي «الشيح -الزعترالبري- الدعجة- القبار- النعناع البري- البابونج- الختمية -الخبازة والخشخاش- الحرمل- القيصوم» وفيها طيور برية مثل «الحجل- الباشق والنسر – الرخمة – البوم-الحمام- القبرة -الهدهد- الوروار- الغراب- الدرغل- القطا» وكذلك فيها حيوانات برية مثل: «الذئاب – الثعالب – الضباع – الأرانب – الغزلان….الخ»
التسمية
سُميّ الجبل بعبد العزيز نسبة إلى دفين هذا الجبل الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ عبد القادر الجيلاني، وقيل أن القبر الموجود في جبل عبد العزيز انما هو مزار وقبره في عقرة . فقد توفي الشيخ عبد العزيز الذي سمي الجبل بأسمه سنة (602 هـ – 1205م) في زمن الخليفة العباسي أبو العباس الناصر لدين الله وذلك بعد فتح صلاح الدين الأيوبي للقدس بنحو 19 عاماً. وكان الشيخ عبد العزيز قد نزل المنطقة بعد الحملة التي شنها الوزير جلال الدين ابو المظفر على ابناء عبد القادر الجيلاني كما ذكر أبو المحاسن يوسف بن تغري صاحب كتاب النجوم الزاهرة.
وكانت التسمية الأقدم للجبل (الحيال) و الحيال في اللغة جمع حائل وهي التي لم تحمل من الدواب كما ذكر صاحب تاج العروس، وتقال ايضاً للأرض التي لا زرع فيها. واطلقت التسمية ايضاً على تل جنوب سنجار يقال ان الحياليين ينسبون له، وكذلك على الوادي المتصل بسنجار.
والحيال مستخدم في اللغة، وقد أنشد الحارث بن عباد :
قربا مربط النعامة مني … لقحت حَرْب وَائِل عَن حِيَال
و انشد أمرؤ القيس:
تَقْدُمُنِي نَهْدَةٌ سَبُوحٌ …………. صَلَّبَهَا العُضُّ والحِيَالُ
- ذكر ابن حوقل المتوفى بعد سنة 367 هـ في كتابه صورة الأرض في معرض حديثه عن الجزيرة هذا الجبل فقال: ” بقرب سنجار بين شمالها وغربها الحيال وهو واد من أودية ديار ربيعة فيه مشاجر وضياع وكروم وخصب وأبّ يسكنه قوم من العرب قاطنين فيه مخفرين من بنى قشير ونمير وعقيل وكلاب” وكلها من ربيعة.
- أما الشريف الإدريسي المتوفى سنة 580هـ (السنة التي نزل فيها الشيخ عبد العزيز جبل الحيال)، فقد قال في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ما نصه: “الطريق من مدينة بلد إلى الرقة من بلد إلى تل أعفر خمسة عشر ميلا غربا ثم إلى سنجار أحد وعشرون ميلا ثم إلى عين الحيال خمسة عشر ميلا ثم إلى سكير العباس على الخابور أحد وعشرون ميلا”.
- وقد تحدث الصيادي في كتابه (النخبة في احكام النسبة) ص 154 عن اتصال نسبه من جهة الام بالشيخ عبد القادر الجيلاني عن طريق ابنه الشيخ عبد العزيز المدفون في جبل الحيال من اعمال الموصل.
السكان
يقطن حالياً في جبل عبد العزيز البقارة (البگارة) بشكل أساسي، يليهم عشائر أخرى بنسبة أقل، على الأطراف كالجبور والشرابيين وبعض الحياليين و النعيم، كما لا تخلو القرى الأخرى من تواجد مختلط لأسر من عوائل أخرى كحرب وطي وشمر.
كُنا قد ذكرنا قبل قليل ما ذكره ابن حوقل المتوفى سنة 367هـ عن سكان منطقة الحيال (عبد العزيز) وقد ذكر قبائل من ربيعة مثل بنو قشير وبنو النمير وكلاب وقال انهم سكان وادي الحيال غربي سنجار.
سنتناول أيضاً إضافة إلى ما سبق حقبة ما بعد الشيخ عبد العزيز وظهور الحياليين، وايضاً حقبة العشائر التي كانت حتى بدايات القرن العشرين تتجول بشكل موسمي في جبل عبد العزيز بعدها بقي من سكان الجبل وبعضها استقر في مناطق السهل المجاورة.
الحياليين أو الحياليون (السادة) عشيرة معروفة يعرفون أيضاً باسم (البو عبد العزيز) كما يشير ابراهيم العزاوي، والنسبة إليهم (الحيالي) نسبة إلى منطقتهم الحيال، وهم من ذرية الشيخ عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلاني.و أول من أُشتُهِر بلقب الحيالي هو محمد ابن الشيخ عبد العزيز، وبرز ايضاً من ذريته الشيخ الزاهد شمس الدين أبو الكرم محمد بن شرشق بن محمد الحيالي المعروف بشيخ بلاد الجزيرة المتوفي بجبل الحيال سنة 739هـ.
وقد ذكر الزبيدي صاحب تاج العروس في الجزء 25 ص 493 في مادة (ش ر ش ق ما نصه: شِرْشِيقٌ، بكسرِ الشّينين: لَقبُ حُسام الدّين أبي الفضل مُحمَّد بن مُحمد بن عبْد العزيز بن عبدِ القادرِ الجيلانِيّ، ويُعرف بالحيالي، وولدُه شمسُ الدّين أَبو الكرَم محمّد بنِ شرشيقٍ،عُرف بالأَكْحَل فِي بلادِ الجَزِيرة، تُوفي سنة 739م بالحيالِ، من أَعْمال سنجَار، ودُفن عند أَبِيه وجَدِّه. ومن القابه شيخ بلاد الجزيرة.
كان اليزيديون يأتون من سنجار لزيارة ضريح الشيخ عبد العزيز ويتبركون به وفق ماذكر العزاوي في عشائر العراق في مادة الحياليون، إلا ان ازدياد وتيرة الغارات بينهم وبين العشائر المجاورة من جهة، والحملات التأديبية التي كانت تشن ضد اليزيديين من قبل الولاة العثمانيين ، كان لها اثرها. وانعكست على غارات شنها اليزيديون أيضاً باستمرار على مناطق الحيالين، رغم أن الحياليين كان يتم اعفاءهم من الخدمة في الجيش العثماني على اعتبار انهم سادة من ذرية الكيلاني، فغادر كثير منهم اماكنهم التي سادوها منذ القرن الثالث عشر على اقل تقدير، ونزلوا إلى اسفل الجبل ولا يزالون هناك في بضعة قرى، كما ان قسم كبير منهم انتقلوا في مناطق مختلفة على الخابور ونواحي نصيبين، والكثير منهم استقر في الموصل.
أما الصورة في نهاية القرن التاسع عشر حتى بداية القرن العشرين فقد كانت تبدو فيها منطقة جبل عبد العزيز مكان مناسب لتجوال العشائر من انصاف الرحل التي ترعى بماشيتها في المنطقة، ومنها على سبيل المثال ما سجله اوبنهايم في نهاية القرن التاسع عشر:
1- عشيرة العبادي احدى عشائر البقارة المعروفة ببقارة الجبل والتي كان يتزعمها بداية القرن العشرين شيخ المشايخ عيسى السليمان، وكانت مناطقهم في الصيف رأس العين وتل الرمان، وفي الشتاء جبل عبد العزيز.
2- الوسيلة : أيضاً إحدى عشائر بقارة الجبل، شيخها عيسى السليمان.
3- البومحمد: إحدى عشائر قبيلة الشرابيين التي كان يترأس افخاذها في بداية القرن العشرين كل من احمد الحسن، ابراهيم الحسين، خلف المحيميد. كانت تشتي في جبل عبد العزيز.
4- العبيد: إحدى عشائر الشرابيين شيخها آنذاك كان سعيد العبيد الحزام، كانت تقضي الشتاء في جبل عبد العزيز.
5- الطفيحيين: عشيرة تكثر فيها اسر الطرق الصوفية، كان شيخهم صالح بن الشيخ علي، كانوا يقضون الصيف في رأس العين وجغجغ، والشتاء جبل عبد العزيز والحسجة.
وكانت ايضاً عشائر الملية تنزل في الربيع من ويران شهر وتقطع الخابور لتصل عبر سهول رأس العين ويخيم بعضها في جبل عبد العزيز ومنها:
6- الغراجنة: من عشائر البقارة كان يتزعمها بداية القرن العشرين عزيز البطران وتقضي الشتاء في جبل عبد العزيز.
7- البوسلام: ايضاً من البقارة تقضي الشتاء في جبل عبد العزيز والصيف في ويرانشهر مع باقي عشائر الملية.
يتوافق ما تقدم من معلومات مع تقرير سري عبارة عن نشرة معلومات حملت الرقم 202 صادرة عن الشعبة السياسية الفرنسية في 13 تشرين الاول 1926م جاء فيها:
نشرة المعلومات رقم 202 تاريخ 13/10/1926 –القسم الأول (إدارة المخابرات-حسجة- 01/10/26).
• ذهبت مفرزة من الجندرمة الإدارية إلى جبل عبد العزيز، وأقامت عند عيسى سليمان.
• عيسى سليمان زعيم بگارة الجبل، يخيم في كارا، وتوجد حوله 70 خيمة، ويخيّم أخوه محمد سليمان مع 15 خيمة في جفرا.
• يخيّم زعماء الشرابيين البومحمد، أحمد الحسين مع 190 خيمة، في مغلوجة، في الجبل (جبل عبد العزيز-المترجم).
• الشيخ صالح، زعيم قبيلة الطفيحيين مع 40 خيمة، وهو في خزنه.
• ترك الملليون كاتين(شرق تل حلف)، وذهبوا إلى جبل عبد العزيز.
• تركت عشيرة عدوان الجرجب الكبير، وتتجه نحو الجبل.
اندلع إقتتال بين القبائل سنة 1942م كانت شرارته الاولى بين إحدى عشائر الشرابيين و البقارة (البوحمدان و البومعيش)، تطوّر ليشمل قبائل وعشائر اخرى كشمر والكيكية الكردية الذين قاتلوا الى جانب الشرابيين اضافة إلى حرب رأس العين بدافع من اطماع بأراضي البقارة ايضاً، هذه الاحداث التي استمرت تداعياتها حتى عام 1946م حدّت فيما بعد مناطق التجوال ودفعت مع تطور العجلة الزراعية إلى الاستقرار لجميع العشائر في مجالاتها الحيوية، فاستقر معظم البقارة في منطقة جبل عبد العزيز اضافة إلى استقرار قبيلة الجبور الاساسي في المنطقة السهلية المحاذية، فيما استقرت باقي العشائر بكتلتها الاكبر في أعالي الخابور في مناطق رأس العين والحسكة.
المصادر:
1- النجوم الزاهرة في ذكر ملوك مصر والقاهرة
2- تاج العروس للزبيدي
3- صورة الارض لابن حوقل
4- نزهة المشتاق في اختراق الافاق
5- النخبة في أحكام النسبة
6- ابراهيم العزاوي- عشائر العراق
7- وثائق الارشيف الفرنسي
8- ماكس فون اوبنهايم