في ليلة شهدت محاولة انقلاب فاشلة، كانت جسور إسطنبول الضخمة شاهدة على مشاهد الفوضى والدماء، إذ أظهر المواطنون الأتراك العاديون شجاعتهم وتحديهم، وتدفقوا في شوارع المدينة لوقف استيلاء الجيش على الحكم وانقلابه على الحكومة المدنية للبلاد.
ولكن بحلول الفجر، كان هؤلاء الجنود -الذين سيطروا على الطرق والمنشآت الرئيسية قبل ساعات- مستسلمين للشرطة على الجسور ذاتها، أيديهم مرفوعة إلى أعلى مع ظهور ضوء الصباح الباكر، وفقاً لتقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
أبطال الشرطة
خرجت المزيد من الجماهير المنتصرة والتي تحتفل بهزيمة الانقلاب لتحدق في العربات المدرعة المتوقفة في الشوارع، وتلتقط الصور مع رجال الشرطة الذين هزموا الانقلاب غير المدعوم شعبياً.
في المقابل، حظي ضباط الشرطة بالكثير من التمجيد بعدما عاملهم سكان المدينة كالأبطال. في منطقة أوسكودار المزدحة في إسطنبول، يقف صبي صغير يحمل العلم التركي ويلتقط صورة مع شرطة مكافحة الشغب أمام عربة مدرعة سيطرت عليها الشرطة بعد محاولة الانقلاب.
يقول أحد ضباط الشرطة (على الرغم من أنه غير مصرح له بالحديث مع الإعلام) “تركيا في يد أمينة الآن”.
تدفق الرجال في ساحات المدينة بينما يلوحون بأعلام تركيا، تلك الأعلام الحمراء ذات النجمة والهلال الأبيض المرتبط بالإسلام، كما هتفوا دعماً للحكومة.
يقول أولغون غونيس (41 عاماً)، وهو أحد سكان منطقة أوسكودار والذي يعمل في صناعة النسيج “ظللت في الشارع حتى السادسة صباحاً مع عائلتي بالكامل. لقد كنا 20 شخصاً، أو ربما 30”.
وأضاف “كانت هناك حرب في بداية الليلة، ولكننا نزلنا إلى الشوارع لتحمل المسئولية عن بلادنا”.
عودة الكباب
في إسطنبول وأنقرة -العاصمة التركية التي شهدت أعنف المعارك بين القوات المؤيدة والرافضة للانقلاب- بدأت الحياة تعود ببطء بحلول يوم السبت 16 يوليو/تموز 2016. افتُتِحت المحلات التجارية مرة أخرى في ميدان تقسيم الشهير بقلب إسطنبول، وظهر الباعة الجوالون من جديد ليبيعوا الذرة المحمصة وأكاليل الزهور، وأعد الطهاة في المقاهي المحلية الكباب التركي، وتوافد السكان على المقاهي المنتشرة على جانب الطريق لشرب الشاي الساخن بعد الظهيرة. إلا أن الأمور بدت مختلفة، بحسب ما قال العديد منهم.
ألقى المؤذنون المحليون خطباً من الصباح الباكر حتى المساء بأوامر من إدارة الشؤون الدينية. وعلى القنوات التلفزيونية، والتي كانت تشاهد في كل مكان، أظهرت الاخبار عملية إلقاء القبض على مدبري الانقلاب، مع صور المواجهات المتوترة عند مقر قيادة الجندرمة بأنقرة، والذي اختبأ فيه الجنود.
على الجانب الآخر، عادت الرحلات الجوية من وإلى مطار أتاتورك بإسطنبول (كانت قد توقفت قبل أن تعود مجدداً)، ما سبب شيئاً من الفوضى في أحد أكثر المطارات ازدحاماً في العالم، في حين أشارت التقارير إلى أن مطار أنقرة ما زال مغلقاً.
في إسطنبول، حتى معارضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -والذي خاطب الشعب التركي عبر مكالمة بالفيديو من هاتف مساء الجمعة 15 يوليو/تموز 2016- قالوا إنهم لا يرغبون في أن يطاح به عبر انقلاب عسكري، وأن ذلك سيعيد البلاد للخلف لسنوات.
وفي بلدية بشكتاش بإسطنبول، أُعيد افتتاح المحلات من جديد والتي تدفق إليها السكان مساء ليلة الانقلاب في محاولة لتخزين ما يحتاجونه من سلع أساسية، إلا أن الشوارع بدت خالية سوى من القليل من الناس في الوقت الحالي.
لا أريده أن يرحل بهذه الطريقة
سيدات ديميرجان (57 عاماً)، وهو رجل متقاعد كان يعمل بالتجارة الخارجية، قال بينما كان يبحث عن خبز طازج “أريد أن يرحل رجب طيب أردوغان، ولكن ليس بهذه الطريقة”.
يقول هاكان سينجزين، أحد أصحاب المحلات، أن الشوارع امتلأت بالشائعات حول من يقف خلف الانقلاب، إلا أنه ليس متأكداً بشأن الأمر.
يقول “أنا لا أريد انقلاباً عسكرياً. في كل مرة حدث فيها انقلاب تراجعت البلاد لعشر أو عشرين سنة من الناحية الاقتصادية والأمنية. أنا لا أريد حكماً عسكرياً. إنهم يتدخلون في كل شيء، يفرضون حظر التجول، ويتدخلون فيما يلبسه الناس”.
كانت جيزيم أوكتاي (23 عاماً) في حفل مع أصدقائها بمنطقة تقسيم عندما وردت أنباء عن حدوث انقلاب، ليسارع الجميع بالعودة إلى منازلهم. والد أوكتاي ضابط بالجيش التركي.
تقول أوكتاي “عندما عدت، كان الجنود ينتظرون بكثافة عند المدخل. لقد دفعونا للدخول. كانت الأوضاع هادئة هنا، ولكن في الصباح جاءت الشرطة ولم تسمح بالدخول أو الخروج لأحد”.
بحلول مساء السبت 16 يوليو/تموز 2016، توافد آلاف المواطنين إلى ميدان تقسيم للاحتفال بفشل محاولة الانقلاب.
لوح الشباب بالإعلام التركية، بينما ارتدى آخرون قبعات تحمل العلم التركي بينما كانوا يغنون ويرقصون ويهتفون بأغان وشعارات قومية وإسلامية.
وقفت سيارات الشرطة ذات المدافع المائية عند مدخل الميدان. في الوقت نفسه، كان بعض الشباب يضعون العلم التركي في يد تمثال مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة.
لحية وجينز
صاحت مجموعة من الرجال الملتحين الذي ارتدوا الجلباب الأبيض والزي الإسلامي المحافظ “الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر”. بجانبهم، وقفت مجموعة من النساء يرتدين سراويل الجينز الضيقة يصفقن ويهتفن “تركيا! تركيا”.
كانت الحشود ذات تنوع كبير وضمت مواطنين من أطياف سياسية مختلفة ومتضادة. احتشد آخرون في سياراتهم في الشوارع المجاورة، بينما أطلقوا أبواق سياراتهم بينما يستمعون للموسيقى الصاخبة لمطربي الراب الأميركيين مثل بيتبول.
أحد الرجال، والذي عرف نفسه باسم روسيل (29 عاماً) دون أن يذكر اسمه كاملاً، قال أنه جاء لتلك المنطقة المزدحمة من المدينة دعماً للديمقراطية التركية، وقال “نحن نرغب في أن تتجنب بلادنا الحكام العسكريين. يجب أن يحكم الشعب تركيا. الأمر لا يتعلق بأردوغان”. هنا كان يشير إلى مكالمة أردوغان التي دعا فيها الأتراك للنزول للشوارع لدعم الحكومة.
ومع ذلك، بدا أن الرئيس التركي يحظى بعدد هائل من المؤيدين وسط ذلك الجمع في تقسيم، بالإضافة إلى احتفالية أخرى عند مطار اتاتورك بإسطنبول، حيث هتفت باسمه مجموعة من النساء المحجبات اللاتي تحركن بين السيارات المتوقفة، نظراً للازدحام المروري على بعد ميل كامل من المطار.
– هذا الموضوع مترجم لهافنغتون عربي عن صحيفة Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.