اغتراب الاغتراب عند السوريين
اغتراب الاغتراب عند السوريين

اغتراب الاغتراب عند السوريين بقلم د. يسرى السعيد

اغتراب الاغتراب عند السوريين بقلم  د. يسرى السعيد

 

تسم ظاهرة الاغتراب القرن الحادي والعشرين، ويشكل الاغتراب بعداً نفسياً آخر طبع الشخصية السورية، فمن اغتراب داخلي تجلى برفض كل الأحداث المهولة التي زامنت الثورة السورية، والذي تبدو أول صوره  بالهرب من مكان ينتفي فيه شرط العيش الآمن الى مكان آخر يُنشَد من خلاله الحياة اللائقة، وتتسع الدائرة لتتساوى الأماكن والمدن داخل سوريا بكل مظاهر الخوف والرعب، لتبدأ رحلة نحو اغتراب خارجي عابر للقارات هذه المرة، ومختلف جذرياً عن كل مامارسته الروح الإنسانية السورية من اغتراب!!

وإذا كان الدارسون قد أطلقوا على الفيلسوف الألماني هيغل “أبو الاغتراب”؛ كونه أول من أطلق هذا المصطلح وتناوله بالبحث، فقد يغدو الشعب السوري “أم الاغتراب” لما سيعطي لهذا المصطلح من اتساع وتطور حتى أن السوريين عاشوا الاغتراب بكل انواعه السياسي والثقافي والاجتماعي وكل مايتعلق بتعريف الاغتراب سيندرج ضمن جملة المشاعر التي لفت حول رقبة الانسان السوري ولما تفك عقدتها بعد..

واذا كان الفلاسفة وعلماء الاجتماع قد حاولوا تقديم معان قدموا من خلالها تعريفاً لمصطلح الاغتراب، وذلك من خلال دراسة البعد الفكري والنفسي والاجتماعي لتلك الحالة؛ حتى اعتبر الاغتراب هو:” انتقال الصراع بين الذات والموضوع (الاخر) من المسرح الخارجي الى النفس الانسانية، وتتجلى صورة هذا الاضطراب في توتر العلاقة التي تهدف الى التوفيق بين مطالب الفرد وحاجاته ورغباته من ناحية، وبين الواقع وابعاده من ناحية اخرى”.

ويظهر هنا نوع الخبرة التي يجد فيها المرء نفسه كغريب فالشخص المغترب هو شخص فقد اتصاله بنفسه وبالاخرين، وهي خبرة تنشأ نتيجة للمواقف التي يعيشها الفرد مع نفسه ومع الاخرين، ولا تتصف بالتواصل والرضى، ومن ثم يصاحبها الكثير من الاعراض التي تتمثل في العزلة أوالانعزال والتمرد والرفض والانسحاب والخضوع، وبكلمات أخرى الاغتراب عن الذات هو شعور الفرد بان ذاته ليست واقعية، اي: تحويل طاقات الفرد وشعوره بعيداً عن ذاته الواقعية.

فهي تجربة جديدة ستضع الانسان السوري وهو محور حديثنا أمام خيارات لن نجازف ونقول أن أحلاها مرّ؛ لكن سنتفاءل لنقول أنها ستحتاج منه أفقاً واسعاً وجديداً بكل معنى الكلمة بحيث يضع نصب عينيه أن كل شيء تغير، وأن كل مايجب عليه هو الكشف السحري عن طرق التأقلم مع هذا الجديد، أو على اقل تقدير عدم هروبه من ذلك الواقع والانكفاء على ذات ضيعت الحرب منها الكثير من ملامحها.وفي عود إلى الموقف الهيجلي ومحاولة مقاربة مادعا إليه في فهمنا لمصطلح الاغتراب حيث  اعتبر التاريخ البشري لديه هو تاريخ صراع من اجل اعتراف الآخريين بحرية الذات و استقلالها، والصراع الذي يتحدث عنه على مستوى الشخصية هو صراع من اجل إثبات الذات و الحصول على اعتراف الأخر بالانا، دون أن يكون في وسع الأنا إنكار حق الأخر في الوجود و البقاء.فمن المحزن هنا بالنسبة للسوريين حين يكون هدف الإنسان على نحو ما ذهب إليه هيجل هو الحرية. اي: الحالة التي تكون الذات راغبة فيها و التي سوف تسترجع بها نفسها.نقول من المحزن أن يكون سعي الإنسان للحرية هو من اسلبه تلك الحرية، وبمعنىً آخر: أن تكون حريته سبباً لاغترابه لاهدف! فيكون قد عانى ليس فقط من الاغتراب؛ بل من اغتراب الاغتراب!

نعم لقد قلبت الثورة السورية المصطلحات رأساً على عقب؛ ووضعت الإنسان السوري أمام حالة من فقدان الذات واستلابها لكل مفاهيمها، ومبادئها، وأفكارها، فهو الآن أمام حالة جديدة تحمل في طياتها بذور التحدي والارادة وربما يضطر أن يقبل أن يكون تحت سلطة قانون سيجرده من كل حقوقه اتجاه أولاده، وعائلته ليجد نفسه كائناً آخر لم يبقى له من ثقافته أو عاداته أو تقاليده إلا مايدخل في رحاب النوستالجيا، والذكريات التي تفرض عليه حياته الجديدة تجاوزها والاندماج مع عالم قد لايقبل من ماضيه الامايندرج تحت دائرة القصص والحكايا، ولسنا بصدد تقديم رؤى سلبية تعدم دور الإنسان السوري، وتحوله لمجرد متلقي لكل منتج ثقافي او حضاري او مادي، فمن يدري فمع اقتراب نهاية العقد الثاني من القرن العشرين قد تلوح في الافق معالم ثورة ثقافية كونية؛ لايخفى على أحد أن الحرب الدائرة في سورية أحد اهم محركاتها، فالهجرة الكبيرة التي فرضتها تلك الحرب الجائرة على ملايين السوريين غيرت التوزع الجغرافي للسوريين وللبلاد التي هاجروا إليها أيضاً، وبالتالي مايطرح نفسه على الدائرة الفكرية هو: إلى أي حد أثرت وستؤثر تلك الهجرة في تبدل الآراء والمواقف وحتى الثقافة العامة لدى الجميع؟! والى اي درجة سيكون السوري قادرا على الانفكاك وتجاوز حالة الاغتراب التي عاشها بمرارتها وقسوتها؟

عن شباب بوست

انظر ايضا

جريمة بشعة ومقززة بتفاصيلها تهز أركان المجتمع في المناطق “المحررة” بالتزامن مع القصف الهمجي والوحشي

مؤيد اسكيف أ قدم شبان على اغتصاب وتعذيب وقتل المربية والآنسة سوزان ديركريكور من أهالي …

تحذيرات لشركات الطيران المدني بالابتعاد عن سماء البحر المتوسط خوفاً من توجيه ضربة للأسد خلال 72 ساعة

تحذيرات لشركات الطيران المدني بالابتعاد عن سماء البحر المتوسط خوفاً من توجيه ضربة للأسد خلال 72 ساعة

حذرت هيئة الطيران المدني الأوروبي  NMOC  والتي تقع في بروكسل ، في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء …

أميركا: سنعاقب الأسد ويجب أن يرى العالم العدالة تتحقق.. روسيا: نحذركم من تداعيات خطيرة

قالت نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، الإثنين 9 أبريل/نيسان 2018، إن الولايات …

اترك تعليقاً