بقلم: نايا أحمد
صوتٌ يُنقذ من الصمت
في عمق المناطق الشرقية من سوريا، حيث تتنازع الفصائل المسلحة السيطرة وتتآكل العدالة، يبرز مرصد بصمة لحقوق الإنسان كجهة حقوقية مستقلة تُسابق الزمن لتوثيق الانتهاكات وكشف الحقيقة، في بيئة تفتقر إلى الشفافية والمحاسبة.
تأسس المرصد في نيسان/أبريل 2025، ليملأ فراغاً كبيراً في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تشهد تصاعداً في الممارسات القمعية بحق المدنيين، كحالات الاعتقال التعسفي، الإخفاء القسري، والتجنيد القسري للأطفال، في ظل غياب القضاء المستقل والرقابة الحقوقية.
شرق سوريا: مثلث النار بين الصراع والضحايا وغياب المحاسبة
تتركز أنشطة المرصد في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة، حيث تتشابك مصالح القوى المحلية والإقليمية، مما يُفاقم معاناة السكان المدنيين، ويزيد من صعوبة توثيق الانتهاكات بشكل دقيق. ووفقاً لتقارير ميدانية، فإن الانتهاكات تُرتكب بصورة ممنهجة، وغالباً ما تمر دون محاسبة، بسبب غياب الهياكل القانونية الفعّالة.
“في ظل صمت العالم، يبقى التوثيق هو السلاح الوحيد لحماية الذاكرة الجماعية من الطمس، وهو الخطوة الأولى في طريق العدالة.”
المدير التنفيذي للمرصد
ويضيف: “نعلم أن عملنا محفوف بالمخاطر، لكننا نؤمن أن كل حقيقة موثقة هي بذرة أمل في مستقبل تسوده المحاسبة.”
توثيقٌ تحت النار: حقائق مؤلمة من الميدان
منذ تأسيسه، عمل المرصد على توثيق انتهاكات صادمة، منها:
1. اعتقال محمد خليف – تم اعتقاله تعسفياً في مدينة الشدادي بريف الحسكة بتاريخ 16 نيسان 2025، بعد رفعه علم الجمهورية العربية السورية، في انتهاك واضح لحرية الرأي والتعبير.
2. اختطاف الطفلة روجين عز الدين أحمد – من مواليد 2009، خُطفت في ريف حلب من قبل “الشبيبة الثورية” التابعة لـ”قسد” لتجنيدها قسرياً، دون إبلاغ أسرتها أو احترام أي من القوانين الدولية الخاصة بحماية القاصرين.
3. إعدام عبد الرحمن تايه داوود – المواطن المسن (75 عاماً) من ريف الحسكة، أُعدم ميدانياً خلال مداهمة نفذتها عناصر مسلحة، ثم أُخفيت جثته قبل أن تُسلّم لاحقاً لعائلته في ظروف غامضة.
جريمة مروعة: اعتقال وتعذيب وقتل عبود إسماعيل العلي
في 12 كانون الأول 2024، اختفى المواطن عبود إسماعيل العلي (مواليد 1958 – قرية وضحة) أثناء سفره بسيارته الخاصة من طراز “هيونداي” برفقة صديقه علي الحسين الجفال، على طريق مسكنة–البابيري. ووفقاً لشهادة شهود عيان، تم إيقافهما عند حاجز تابع لقسد قرب محطة ضخ مياه البابيري.
بعد أسبوعين من الاختفاء، تم العثور على جثة العلي تطفو في القناة المائية ذاتها. وكانت الجثة تحمل آثار تعذيب مروعة، أبرزها:
• حبل ملفوف بإحكام من فمه إلى مؤخرة رأسه باستخدام سيخ حديدي.
• تهشم واضح في الجمجمة بسبب ضرب بأداة حادة.
• ثلاث طلقات نارية موزعة في الرأس والفخذ الأيمن والبطن.
وأكد أحد العناصر المنشقين لاحقاً أن الجريمة نُفذت على يد عنصر يُعرف بـ”الحجي”، وهو مرتبط بحزب العمال الكردستاني، بعد العثور على محادثات خاصة في هاتف الجفال تضمّنت انتقادات للوضع الأمني، ما أدى لاتهامهم بالانتماء للجيش الحر، وتعذيبهم حتى الموت، ثم رمي الجثتين في المياه وربطها بالحجارة لإخفاء الجريمة.
علي الحسين الجفال: جريمة منسية أخرى
وُثّقت جريمة مقتل علي الحسين الجفال، الذي اعتُقل في نفس الحادثة، وأخفي قسراً حتى عُثر على جثته في 5 نيسان 2025. أظهر الفحص أن رأسه مفصول بالكامل عن جسده، مما يدل على تعرضه لتعذيب وحشي. الجفال، الذي شارك سابقاً في مظاهرات سلمية ضد ممارسات “قسد”، لم يكن منتسباً لأي فصيل مسلح، كما أكدت شهادات موثوقة.
اعتقال بتهمة “التأييد”: حسان عباس الكوان الجبارة
وفي انتهاك جديد، داهمت قوة تابعة لـ”قسد” منزل المدني حسان عباس الكوان الجبارة في قرية الحريري جنوب الحسكة بتاريخ 16 نيسان 2025، واقتادته إلى جهة مجهولة، بتهمة تأييد الحكومة السورية، دون مذكرة قضائية أو محاكمة. ولا يزال مصيره مجهولاً حتى لحظة إعداد التقرير.
العدالة المؤجلة: هل من أفق للمحاسبة؟
رغم التوثيق المتواصل، لا تزال المساءلة بعيدة المنال. ويؤكد مرصد بصمة أن إفلات الجناة من العقاب، يكرّس ثقافة الانتهاك ويقوّض فرص العدالة.
“بصمة” في مواجهة النسيان
مرصد بصمة لحقوق الإنسان لا يُمثّل فقط جهة توثيقية، بل يشكل ذاكرة حية لضحايا الانتهاكات في شرق سوريا. رسالته واضحة: “وراء كل بصمة حكاية، وكل حكاية تستحق العدالة “
اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
