

انطلقت الثورة السورية في مارس 2011 ضد نظام بشار الأسد، الذي رد بعنف شديد على الاحتجاجات السلمية. ومع تصاعد الأحداث، سعى النظام إلى إشعال الانقسامات الطائفية والإثنية بين مختلف مكونات الشعب السوري. في البداية، شارك الأكراد في الثورة مع العرب في العديد من المناطق السورية، لكن مع مرور الوقت، بدأ الأكراد يشعرون بوجود انقسامات في أهدافهم السياسية ومواقفهم من الثورة.
بداية الثورة والتفاعل الكردي العربي:
في الأيام الأولى للثورة، شارك الأكراد في المظاهرات مع العرب في العديد من المناطق السورية، بما في ذلك المدن التي تضم أكبر تجمعات كردية مثل القامشلي وعفرين. كانت مطالبهم في البداية متوافقة مع مطالب باقي الشعب السوري، مثل الحرية والمساواة في ظل دولة مدنية. لكن سرعان ما بدأ التحول في المواقف مع تصاعد المواجهات العسكرية.
ظهور وحدات حماية الشعب (YPG):
في عام 2012، ظهرت “وحدات حماية الشعب” كردة فعل على الأحداث الدائرة في سوريا. كان تأسيس هذه الوحدات بداية لتحول حاسم في التوجه الكردي نحو النزعة القومية، بعيدًا عن روح الثورة السورية. مع الوقت، ظهرت الشكوك حول موقف YPG، هل كان بالفعل مرتبطًا بمبادئ الثورة السورية أم أنه تحول إلى أداة سياسية وعسكرية تخدم أجندات خارجية؟
من خلال هذه الوحدات، بدأت تظهر بداية لخلق قوة كردية مستقلة عن باقي القوى الثورية. إلا أن المواقف لم تكن واضحة منذ البداية، بل تطورت تدريجيًا حتى وصلت إلى هيمنة شبه كاملة على المناطق الكردية، لتتحول المطالب إلى سيطرة على ثلاث محافظات سورية ذات أكثرية عربية، والتفاوض مع الأطراف الدولية، وتبني خطاب قومي بعيدًا عن المطالب المدنية السورية.
استراتيجية الاغتيالات والتصفية الداخلية:
لجأت قسد إلى طرق عديدة في تحييد الأكراد الوطنيين عن الثورة السورية من خلال الاغتيالات لشخصيات كردية مؤثرة كانت تعطي زخمًا للثورة مثل مشعل تمو، وأيضًا من خلال التغييب القسري والاعتقالات التعسفية لكل من يخرج بالمظاهرات المشتركة بين العرب والأكراد في القامشلي. ومن خلال الإغراء بالمال استمالة الشباب وتغذية المشاعر القومية بإقامة وطن للأكراد في سوريا.
دور داعش في تحييد الأكراد:
من خلال هجوم داعش على عين العرب (كوباني) في 2014، ظهرت الأكراد بشكل أقوى كقوة قومية. ومع تدخل التحالف الدولي لمحاربة داعش، تنامى الشعور القومي لدى الشارع الكردي، مما ساهم في تحييدهم عن الثورة السورية ودفعهم للتحزب القومي مع مليشيا قسد.
دور التدخلات التركية في تحيد الأكراد
كانت التدخلات التركية، بمساعدة الجيش الوطني في عمليتي “غصن الزيتون” و”نبع السلام”، لها أثر واضح في التفاف الشارع الكردي حول قوات قسد الكردية. حيث روجت قسد في الشارع الكردي أن الأتراك يهاجمون الأكراد في سوريا لمنع إقامة فدرالية، بسبب كراهيتهم للعرق الكردي. هذا الخطاب عزز من تفرد الأكراد في تحالفاتهم السياسية والعسكرية بعيدًا عن أهداف الثورة السورية.
البرقيات والنظام السوري:
من العناصر المهمة التي تؤكد التواطؤ بين النظام السوري وقسد هي البرقيات التي تسهل حركة قوات حماية الشعب في المناطق الكردية. في فترة معينة، أرسل النظام السوري برقيات إلى أفرع الأمن في الحسكة لتأمين دخول 150 من كوادر حزب العمال الكردستاني الإرهابي عبر معبر فيش خابور. كان الهدف من ذلك هو استخدامهم في إدارة المعارك في حلب وتخفيف الضغط عن قوات النظام من خلال إشغال المعارضة هناك.
وكان لهذه البرقيات دور كبير في تسهيل دخول عناصر حزب العمال الكردستاني إلى المناطق السورية، ليشغلوا الثوار والمعارضة السورية في معارك مع وحدات حماية الشعب التي أصبحت فيما بعد قوات سوريا الديمقراطية، بدلاً من أن يكونوا مركزين على محاربة النظام السوري.
قانون التجنيس السوري (مرسوم رقم 49/2011):
في عام 2011، أصدر النظام السوري مرسومًا تشريعيًا رقم (49) الذي منح الجنسية السورية للأكراد الذين كانوا مكتومي القيد، في خطوة تهدف إلى تعزيز ولاء الأكراد للنظام السوري في وقت كانت فيه الأوضاع على وشك التصعيد مع بداية الثورة السورية.
التحالف الدولي ضد داعش:
بعد أن استطاع تنظيم داعش السيطرة على مناطق واسعة في دير الزور والرقة والحسكة، أصبح التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة هو القوة الرئيسية التي ساعدت في طرد داعش من المنطقة. ولكن بعد طرد التنظيم، وجدت قسد نفسها متفردة بالقوة العسكرية في تلك المناطق، لتتمكن من فرض سيطرتها بشكل كامل، ما جعلها تسيطر على أراضٍ واسعة في شمال وشرق سوريا،مماجعل حلم الدولة الكردية، يصبح أكثر واقعية.
لكن هذه السيطرة لم تكن محط ترحيب من جميع أطياف الشعب السوري، حيث نظر إليها بعض السوريين على أنها كانت نتيجة تحالفات مشبوهة أدت إلى تحييد الأكراد عن الثورة، وخيانة لمبادئ الثورة السورية، والعيش المشترك في حين رأها الأكراد خطوة نحو تحقيق حلمهم في حكم ذاتي أو حتى دولة مستقلة.
في النهاية، يمكن القول إن دور داعش في تحييد الأكراد عن الثورة السورية كان محوريًا، إلى جانب دور النظام السوري وقسد في التوجهات السياسية والعسكرية. من البداية حيث كانت المطالب موحدة مع باقي السوريين، إلى ظهور القومية الكردية كقوة مستقلة عن الثورة، شهدت القضية الكردية تحولات جذرية في سياقها التاريخي والسياسي. وتظل الأسئلة حول دور النظام السوري في هذه التحولات بحاجة إلى مزيد من البحث والتحليل، إلا أن التأثيرات التي خلفتها هذه التحولات على الثورة السورية تظل واضحة اليوم في عدم التوافق بين الأكراد والمجتمع السوري ككل.
اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.