سيناريوهات قسد بعد خطاب أوجلان: بين الضغوط الداخلية والخارجية

شهدت الساحة السياسية الكردية تطورًا مفصليًا بإعلان زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) عبد الله أوجلان، من سجنه، دعوته إلى إلقاء السلاح وحل التنظيم، في خطوة اعتُبرت ضربة قوية لشرعية التنظيمات الكردية المسلحة، وعلى رأسها “قسد” التي تُعد الامتداد السوري للحزب. هذه الدعوة جاءت في توقيت حساس، حيث تواجه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تحديات متزايدة، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، مما يطرح تساؤلات حول السيناريوهات المحتملة بعد هذا الإعلان المفاجئ.

أوجلان يرسم خارطة جديدة.. والقوة الكردية المسلحة في مأزق

لم يكن خطاب أوجلان مجرد بيان تقليدي، بل جاء ليؤكد على انتهاء صلاحية الأساليب المسلحة في تحقيق الحقوق الكردية، معتبرًا أن الاستمرار في العمل العسكري لم يعد مجديًا في ظل التغيرات الجيوسياسية في المنطقة. وأكد أوجلان أن “العواقب الحتمية للحركات القومية المتطرفة، مثل الدولة القومية الانفصالية أو الاتحاد الفيدرالي، ليست حلًا للمجتمع الكردي”، في إشارة واضحة إلى رفض أي مشاريع انفصالية.

الرسالة الضمنية لهذا الخطاب واضحة: إن التنظيمات الكردية المسلحة التي كانت تعتمد على خطاب المقاومة والشرعية الكردية لم يعد لديها الآن غطاء سياسي، بعدما أعلن زعيمها التاريخي أن مشروعها العسكري انتهى.

الانعكاسات الفورية: صدمة في صفوف قسد وPKK

الخطاب أثار ردود فعل متباينة بين الأجنحة المختلفة للتنظيمات الكردية المسلحة. فمن جهة، أعلن مظلوم عبدي، قائد قسد، أن الخطاب يخص حزب العمال الكردستاني (PKK) فقط، وليس قسد، في محاولة لفصل المسار بين الطرفين، وهو أمر كان قادة قسد ينفونه سابقًا.

أما قيادة حزب العمال الكردستاني في قنديل، فقد رفضت البيان بشكل قاطع، وأكدت أنها لن تلقي السلاح، مما يعكس انقسامًا داخليًا واضحًا في قيادة الحزب بين جناح أوجلان الساعي للتسوية، والجناح العسكري الذي لا يزال متمسكًا بالسلاح كوسيلة لتحقيق أهدافه.

في السياق ذاته، أظهرت تصريحات صالح مسلم، القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، موقفًا ضبابيًا، إذ قال: “عندما تتوقف الهجمات ضدنا، تنتفي أسباب حمل السلاح”، مما يعني أن الحزب لم يتخذ قرارًا نهائيًا بعد بخصوص الاستجابة لدعوة أوجلان.

السيناريوهات المحتملة لقسد بعد الخطاب

1- الانقسام الداخلي وفقدان الشرعية السياسية

بعد دعوة أوجلان، باتت قسد أمام معضلة أساسية: البقاء كتنظيم مسلح، مما يعني فقدان الشرعية السياسية، أو التوجه نحو المسار السياسي، مما يفرض عليها حل جناحها العسكري، وهو أمر صعب في ظل توازنات القوى الحالية. من المتوقع أن يؤدي هذا الإعلان إلى انشقاقات داخلية في صفوف قسد، خاصة بين من يرون أن المسار العسكري أصبح عبئًا، وبين المتشددين الذين يرون أن استمرار المقاومة هو الخيار الوحيد.

2- تصعيد عسكري من تركيا ودمشق

يبدو أن تركيا ستستفيد بشكل كبير من خطاب أوجلان، حيث منحها زعيم الحزب نفسه الغطاء السياسي لشن حملة عسكرية واسعة ضد التنظيمات الكردية المسلحة. فأنقرة تدرك جيدًا أن قسد لن تسلم سلاحها بسهولة، لكنها تريد توجيه ضربة معنوية قاصمة قبل الضربة العسكرية. من ناحية أخرى، فإن دمشق ستكون في موقف تفاوضي أقوى، حيث باتت تستطيع الادعاء بأن قسد لم تعد تمثل الأكراد، خاصة إذا استمرت في حمل السلاح.

3- ضغوط أمريكية لإعادة هيكلة قسد

الولايات المتحدة، التي تُعتبر الداعم الرئيسي لقسد، قد تجد نفسها في موقف محرج. فهي كانت تعتمد على قسد كحليف في سوريا، لكن الآن بات من الصعب تبرير دعمها لتنظيم فقد غطاءه السياسي. من المحتمل أن تمارس واشنطن ضغوطًا على قسد لحل جناحها العسكري وتحويلها إلى قوة سياسية أو أمنية محلية غير معادية لدمشق وأنقرة.

4- البحث عن صيغة تسوية مع دمشق

من السيناريوهات الأكثر احتمالًا أن تسعى قسد إلى التفاوض مع النظام السوري، في محاولة لتأمين موقعها ضمن الهيكل السياسي المستقبلي لسوريا. لكن هذا سيتطلب منها تقديم تنازلات كبرى، سواء من حيث تسليم المناطق التي تسيطر عليها، أو تفكيك جناحها العسكري، أو حتى القبول بإعادة هيكلتها بالكامل ضمن الجيش السوري.

الخاتمة: قسد أمام مفترق طرق حاسم

مهما كان القرار الذي ستتخذه قسد بعد خطاب أوجلان، فمن الواضح أنها لم تعد قادرة على الاستمرار بالصيغة الحالية. إما أن تستجيب للضغط الدولي والإقليمي وتتخلى عن السلاح، أو أن تصر على مسارها العسكري وتواجه عزلة سياسية وهجمات عسكرية واسعة والنتيجة واحدة في الخيارين، فأحلاهما مر، أو بالأحرى كلاهما يعني نهاية قسد الى الأبد.

إقرأ أيظاً

شباب بوست أوجلان وحافظ الأسد

قسد: تناقضات الخطاب الديمقراطي والفشل في الواقع السوري

سلوك حزب PKK في الأزمة السورية

DW اوجلان يدعو حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وحل نفسه


اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Related Posts

تناقضات السياسة الأمريكية في سوريا: من التدخل إلى الفوضى الخلاقة
  • مارس 9, 2025

لطالما كانت السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط موضع تساؤلات كثيرة بسبب التناقضات التي شابت مواقفها. إن التدخلات العسكرية والسياسية التي قادتها الولايات المتحدة في سوريا والعراق لم تكن في…

Continue reading
الولايات المتحدة تستطيع مساعدة سوريا بشكل أفضل بالانسحاب
  • مارس 6, 2025

روبرت س. فورد – السفير الأمريكي في سوريا (2011-2014) | Foreign Affairs ضرورة الانسحاب الأمريكي والتعامل مع الحكومة السورية انتهت الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عامًا بشكل مفاجئ في…

Continue reading

شارك برائيك