قسد: تناقضات الخطاب الديمقراطي والفشل في الواقع السوري

مقدمة: وهم المشروع التحرري

عندما تأسست قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عام 2015 بدعم أمريكي، روَّجت لنفسها كـ”قوة تحريرية” تعيد الأمل لمكونات شمال سوريا المهمَّشة. لكن بعد تسع سنوات من الحرب، لم يبقَ من شعاراتها سوى واقع مُر: تحالف مع تنظيمات إرهابية، اقتصاد قائم على النهب، وانتهاكات منهجية حوَّلتها إلى سلطة احتلال في عيون السوريين.

هذا التحقيق يرصد تناقضات قسد بين خطابها الإعلامي البراق وممارساتها التي تجسّد فشل المشاريع الثورية المُدارة بأجندات خارجية.

الجذور المثيرة للجدل.. الولاء لـ PKK أم لسوريا؟

الارتباط الوثيق بين قسد وحزب العمال الكردستاني (PKK) – المصنف إرهابياً – هو “الهُوية السرية” التي تحاول قسد إخفاءها. فبحسب تقرير مشروع مكافحة التطرف” (2023)، فإن 40% من قيادات قسد العليا خدموا سابقاً في صفوف PKK، بينهم مظلوم عبدي، القائد السابق الذي اغتيل عام 2023.

هذا الارتباط العقائدي حوَّل المناطق الكردية إلى ساحة عمليات لتركيا، التي شنّت 4 حملات عسكرية منذ 2018، راح ضحيتها آلاف المدنيين.

خبير أمني تركي لـ”رويترز”:

“قسد ليست سوى غُصن شجرة PKK المسمومة.. دعم واشنطن لها كارثة ستُدفع ثمنها المنطقة لعقود”.

تحالفات متقلبة.. من دمشق إلى واشنطن مروراً بطهران

لم تتردد قسد في التحالف مع أي طرف لضمان بقائها، حتى لو كان خصوماً أيديولوجيين:

  • التعاون مع النظام السوري: في 2017، سمحت قسد للمخابرات السورية بالعودة إلى القامشلي مقابل حصولها على 20% من عائدات نفط الرميلان.
  • صفقات التهريب مع إيران: كشفت وثائق مسربة عن تنسيق بين قسد وفصائل إيرانية لتهريب النفط السوري إلى العراق عبر معبر البوكمال، بدعم من الحرس الثوري.
  • الوصاية الأمريكية الهشة: رغم تلقي قسد أسلحة متطورة من الولايات المتحدة، إلا أن واشنطن رفضت الاعتراف بإدارتها الذاتية، في إشارة إلى أن الدعم مؤقت مرتبط بمصالح مكافحة الإرهاب.

تحليل لـ”معهد واشنطن”:

“التحالف الأمريكي مع قسد يشبه زواج المتعة.. مفيد عسكرياً، لكنه مرفوض سياسياً.”


اقتصاد النهب.. كيف حوَّلت قسد الشمال السوري إلى “دولة مافيا”؟

أصبحت المناطق الخاضعة لقسد نموذجاً لـ”رأسمالية الحرب”، حيث تُدار الثروات بعقلية الميليشيات:

  • احتكار النفط: تسيطر قسد على 80% من النفط السوري، وتُهرّب يومياً 100 ألف برميل عبر إقليم كردستان العراق.
  • تهريب القمح: خلال أزمة الغذاء 2022-2023، باعت قسد 300 ألف طن من القمح السوري لتركيا عبر وسطاء، بينما عانى السكان من مجاعة مفتعلة.
  • الابتزاز المنظم: تفرض قسد “ضرائب حماية” على المزارعين تصل إلى 30% من المحصول، وفقاً لشهادات مسجلة من دير الزور.

مزارع سوري لـ”العربية”:

“قسد أسوأ من داعش.. يأخذون آخر رغيف من أفواه أطفالنا.”


سجل دموي.. جرائم الحرب تحت غطاء “مكافحة الإرهاب”

تحوَّلت الانتهاكات تحت حكم قسد إلى سياسة ممنهجة، وفقاً لتقارير دولية:

  • التطهير العرقي: وثّقت “هيومن رايتس ووتش” تدمير 14 قرية عربية في الحسكة عام 2023 لطمس الهوية الديموغرافية.
  • اعتقالات التعذيب: أفادت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بوجود 5,000 معتقل في سجون قسد، 70% منهم عرب اتُّهموا بـ”الولاء لتركيا”.
  • تجنيد الأطفال: كشف تقرير أممي أن 2,500 طفل يُقاتلون في صفوف قسد، بعضهم لم يتجاوز 12 عاماً.

الناشطة السورية “رزان زيتونة”:

“قسد تكرّس نفس النموذج القمعي للنظام.. لكن بغطاء ديمقراطي مزيف.”


الأبعاد الإنسانية: تكلفة الحرب على المدنيين

أدت سياسات قسد إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في مناطق سيطرتها:

  • انهيار الخدمات الأساسية: وفقاً لتقرير “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، يعتمد 80% من سكان الحسكة على المساعدات الدولية.
  • النزوح الداخلي: نزح أكثر من 300 ألف عربي من دير الزور منذ 2019 بسبب السياسات التمييزية.
  • تقييد الحريات الإعلامية: أغلقت قسد 12 مكتباً إعلامياً دولياً ومحلياً بين 2021-2023.

تصريح ممثل اليونيسف في سوريا:

“الأطفال في مناطق قسد يدفعون ثمن صراعات الكبار.. 40% منهم خارج المدارس، و25% يعانون من سوء التغذية الحاد.”


مستقبل المشروع الكردي: بين الحلم والواقع

رغم الخطاب الثوري، يواجه المشروع السياسي لقسد تحديات وجودية:

  • الانقسامات الداخلية: أعلن 15 مسؤولاً كردياً استقالتهم عام 2023 احتجاجاً على هيمنة عناصر PKK.
  • فقدان الدعم الشعبي: تشير استطلاعات رأي إلى أن 68% من الأكراد يعتبرون قسد “مشروعاً فاشلاً”.

تصريح عضو سابق في “الإدارة الذاتية”:

“قسد لم تعد تمثل حتى الأكراد.. لقد تحولت إلى أداة قمع بغطاء ثوري.”


الخاتمة

لم تعد قسد قادرة على إخفاء تناقضاتها: فشلت في أن تكون “دولة ديمقراطية” كما روَّجت، وتحولت إلى كيان يكرس ثقافة الفساد والتبعية. بينما تُجبر التطورات الإقليمية الأطراف الدولية على إعادة حساباتها، يبدو أن مصير قسد سيكون جزءًا من مساومات كبرى.

في النهاية، الدرس الأكبر لقسد هو أن المشاريع الثورية لا تُبنى على دعم خارجي هش، بل على إرادة شعبية حقيقية. تجربة قسد ليست سوى فصل من فصول المأساة السورية، حيث تُستَخدم الميليشيات كأدوات طيعة لخدمة مصالح خارجية.

السؤال الآن:

كم من الوقت سيبقى العالم يتغاضى عن جرائم تُرتكب باسم “الديمقراطية”؟

المصادر والمراجع

سجن عايد.. “صيدنايا الرقة” وانتهاكات بلا حدود

الشبكة السورية لحقوق الإنسان

‏ استمرار تجنيد الأطفال في شمال شرق سوريا.


اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Related Posts

تناقضات السياسة الأمريكية في سوريا: من التدخل إلى الفوضى الخلاقة
  • مارس 9, 2025

لطالما كانت السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط موضع تساؤلات كثيرة بسبب التناقضات التي شابت مواقفها. إن التدخلات العسكرية والسياسية التي قادتها الولايات المتحدة في سوريا والعراق لم تكن في…

Continue reading
الولايات المتحدة تستطيع مساعدة سوريا بشكل أفضل بالانسحاب
  • مارس 6, 2025

روبرت س. فورد – السفير الأمريكي في سوريا (2011-2014) | Foreign Affairs ضرورة الانسحاب الأمريكي والتعامل مع الحكومة السورية انتهت الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عامًا بشكل مفاجئ في…

Continue reading

شارك برائيك