

لطالما عانت المحافظات الشرقية في سوريا من التهميش الممنهج منذ عهد حافظ الأسد، واستمر هذا النهج في ظل حكم ابنه بشار. الحديث عن معاناة هذه المناطق طويل ومعروف للجميع، لكن من أبرز صور هذا التهميش تلك النظرة النمطية التي رُوِّجت عنها، حتى على مستوى اللهجة التي يتحدث بها سكانها، حيث صُوِّرت لهجتهم العربية على أنها “لهجة الشوايا”، وكأنها مرادفٌ للتخلف والبداوة، في محاولة لإبعادهم عن مفهوم المدنية. لقد لعب النظام دورًا رئيسيًا في تكريس هذه الصورة، مما أدى إلى تكوين نظرة دونية تجاه أبناء المنطقة.
واليوم، ورغم سقوط نظام بشار الأسد، لم تحصل هذه المناطق على حريتها، بل أصبحت تحت سيطرة قوى أخرى تمارس الهيمنة بشكل مختلف، لكنها لا تقل وطأة عما سبق.
مغالطات يجب تصحيحها
1. وهم “قوات سوريا الديمقراطية”
ما يُعرف إعلاميًا بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) هو في الواقع مجرد غطاء دعائي يُستخدم للترويج لهذا الكيان المسلح، لكنه لا يعكس حقيقة الأوضاع على الأرض. فهذه ليست “قوات”، بل ميليشيات مسلحة، وهي ليست “سورية”، بل قنديلية عابرة للحدود، حيث لا يوجد فيها سوري واحد صاحب قرار، فجميع القرارات الرئيسية تُتخذ خارج سوريا من قبل قيادات حزب العمال الكردستاني (PKK). كما أنها ليست “ديمقراطية”، بل ميليشيا عنصرية إقصائية تحكم المنطقة بمنطق القوة العسكرية، وتعتمد في وجودها على الحماية الأمريكية، ولولا هذه الحماية لما استمرت ساعة واحدة.
2. مصطلح “شمال شرق سوريا”
لم يكن هذا المصطلح متداولًا قبل سيطرة القوى الحالية على المنطقة. تم الترويج له بهدف ترسيخ فكرة أن هذه المناطق تمتلك هوية منفصلة عن سوريا، وإيهام الرأي العام بأن سكان الحسكة، دير الزور، والرقة يشكّلون كيانًا مغايرًا للمجتمع السوري. لكن الحقيقة هي أن سكان المنطقة الشرقية هم الامتداد الطبيعي لسكان سوريا، امتداد بشري وعشائري وتاريخي وثقافي، وهم العمق العربي لسوريا، ولا يمكن فصلهم عن هويتهم الوطنية بأي شكل من الأشكال.
3. حقيقة “سجون داعش”
تروج وسائل الإعلام لفكرة أن الحسكة تضم “سجون داعش”، لكن الحقيقة أن معظم المعتقلين فيها ليسوا من مقاتلي التنظيم، بل هم أبناء المنطقة الذين تم احتجازهم لمجرد رفضهم للسيطرة المفروضة على مدنهم وقراهم. تتحدث الأرقام عن وجود 14 ألف مدني سوري من معتقلي الرأي في سجون هذه الميليشيات، معظمهم اعتُقلوا بتهم ملفقة لمجرد انتقادهم للأوضاع الحالية أو رفضهم للحكم القائم.
4. شخصية “مظلوم عبدي”
الاسم المتداول إعلاميًا، “الجنرال مظلوم عبدي”، ليس سوى واجهة إعلامية. فهو ليس “جنرالًا”، ولا “مظلومًا”، ولا حتى “عبدي”. بل هو قيادي في حزب العمال الكردستاني (PKK)، وقد أمضى سنوات طويلة في جبال قنديل قبل أن يتم تقديمه كقائد عسكري في سوريا. والأكثر من ذلك، أن السوريين ما زالوا يجهلون جنسيته الحقيقية، فقد تهرب من الإجابة عن سؤال مباشر خلال مقابلة تلفزيونية على قناة “العربية” عندما سُئل عن الدولة التي صدر منها جواز سفره، وسط إشاعات قوية بأنه حاصل على الجنسية العراقية.
5. حقيقة “المناطق ذات الغالبية الكردية”
من المغالطات الشائعة استخدام مصطلح “المناطق ذات الغالبية الكردية”، وهو ادعاء لا يستند إلى أي أساس ديموغرافي صحيح. لا توجد أي محافظة في سوريا ذات أغلبية كردية، فحتى المحافظتين اللتين يتواجد فيهما الأكراد، وهما الحسكة وحلب، لا يمكن اعتبارهما “مناطق كردية”. في محافظة الحسكة، يشكل العرب الأغلبية الساحقة، بينما تتركز الأقلية الكردية في بعض القرى الحدودية مع تركيا. وفي محافظة حلب، يعدّ الأكراد أقلية أيضًا، ويتواجدون فقط في بعض الأحياء داخل المدينة، بالإضافة إلى منطقة عفرين.
إثبات الوجود العربي في المنطقة
لسنا بصدد إنكار وجود المكون الكردي، فهم جزء من النسيج الاجتماعي للمنطقة، ولكن ما يحدث اليوم هو محاولات ممنهجة لتجاهل الأغلبية العربية وإقصائها من المشهد السياسي والإداري، وكأن المحافظة ملكٌ حصري للأحزاب الكردية. في ظل هذا الواقع، من الضروري أن يرفع العرب صوتهم، وأن يعملوا على استعادة حقوقهم والتأكيد على هويتهم في مناطقهم التاريخية.
اليوم، التحدي الأكبر هو مواجهة هذه المغالطات، ورفض فرض واقع زائف علينا، والسعي لإيصال صوتنا للعالم.
إقرأ أيضا
المحافظات “النامية” أم المهمشة
أوراق سورية (1) “الجزيرة الفراتية في أعين الرّحالة والمستشرقين الغربيين”
اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.