
لطالما كان حزب العمال الكردستاني (PKK) وزعيمه عبد الله أوجلان مرتبطين بعلاقات وثيقة مع النظام السوري، بدءًا من حافظ الأسد الذي وفر له ملاذًا آمنًا ومعسكرات تدريب لعناصر الحزب، وصولًا إلى عهد بشار الأسد، حيث استمر التعاون مع فروع الحزب في سوريا، لا سيما عبر حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذراع السياسي للـPKK في سوريا.
العلاقة مع حافظ الأسد: التحالف الاستراتيجي
بعد تأسيس حزب العمال الكردستاني عام 1978، تعرض أوجلان وأعضاء حزبه لملاحقات أمنية مشددة من السلطات التركية، مما دفعه إلى مغادرة تركيا عام 1980، عقب الانقلاب العسكري هناك. وجد أوجلان في سوريا، تحت حكم حافظ الأسد، ملاذًا آمنًا، حيث أقام هناك لنحو 19 عامًا، واستفاد من الدعم السوري الذي كان يهدف إلى استخدامه كورقة ضغط ضد تركيا.
خلال تلك الفترة، قدم النظام السوري لحزب العمال الكردستاني معسكرات تدريب في سهل البقاع اللبناني، الذي كان يخضع آنذاك للسيطرة السورية. هناك، تلقى مقاتلو الحزب تدريبات عسكرية مكثفة، قبل أن يتم إرسالهم إلى جنوب شرق تركيا لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش التركي والمدنيين.
لم يكن هذا الدعم مجرد تعاون سري، بل كان أوجلان نفسه يتحدث علنًا عن تأييده لنظام الأسد، حيث صرح في مقابلة عام 1996 مع الصحفي السوري نبيل ملحم بأن:
“إن قيادة الأسد تعني عظمة سوريا، فالوطنية الكبيرة ظهرت في عهد الأسد، وسوريا صمدت كثيرًا. فإذا تبدّلت القيادة في سوريا، فقد تنقسم سوريا بقوة.. طائفيًا وقوميًا، ومن خلال الرأسمال والطبقات الكومبرادورية وحتى عشائريًا، قد تنهض المشاعر العشائرية. وهذا بمثابة انتهاء سوريا. أساسًا عظمة الأسد (الأب) تكمن في مواجهة هذه الاحتمالات، ولا خيار آخر أمام سوريا.”
هذا التصريح وغيره من المواقف أظهر مدى الولاء السياسي الذي أبداه أوجلان تجاه حافظ الأسد، وهو ما برره أنصار الحزب لاحقًا بأنه كان مجرد “تكتيك سياسي” وليس موقفًا استراتيجيًا.
لكن مع نهاية التسعينيات، تغيرت المعادلة. فمع تصاعد الضغوط التركية، وتلويح أنقرة بالتدخل العسكري، اضطر حافظ الأسد في 1998 إلى طرد أوجلان من سوريا بموجب اتفاقية أضنة، التي نصّت على إنهاء دعم دمشق للـPKK، ما أدى في النهاية إلى اعتقال أوجلان في كينيا عام 1999.
ورغم هذا التحول، فإن حزب العمال الكردستاني لم يقطع صلاته بالنظام السوري، بل أرسل في عام 2000، بعد وفاة حافظ الأسد، برقية تعزية رسمية للنظام السوري، نشرت في الصحيفة المركزية للحزب، جاء فيها:
“في هذه الظروف العصيبة، ببالغ الحزن تلقينا نبأ وفاة مؤسس سوريا الحديثة، الزعيم الوطني العربي، الصديق القدير للشعب الكردي، الرئيس الإقليمي والعالمي الاستثنائي حافظ الأسد. نتقدّم باسم القائد العام عبد الله أوجلان ورفاق دربه وباسم حزبنا بالتعازي للمسؤولين في الجمهورية العربية السورية، وللعائلة، وللشعب العربي والكردي في سوريا، ولكل العالم العربي ولكافة شعوب المنطقة، ونشارك العائلة (آل الأسد) والشعب العربي الحزن بهذا المصاب.”
التعاون مع بشار الأسد بعد 2011: تحالف الضرورة
بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، بدأ حزب العمال الكردستاني، عبر جناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، بلعب دور أساسي في المشهد السوري، حيث تحوّل الحزب من مجرد حليف قديم للنظام السوري إلى شريك ميداني في بعض المناطق.
في بداية الثورة، تخلى النظام السوري عن مناطق واسعة ذات أغلبية كردية، مثل الحسكة، القامشلي، وعين العرب (كوباني)، وسلّمها فعليًا لحزب الاتحاد الديمقراطي، دون قتال يُذكر. كانت هذه الخطوة جزءًا من تكتيك الأسد لتجنب فتح جبهة جديدة ضد الأكراد، والتركيز على قمع المعارضة العربية.
في المقابل، لم يشارك حزب الاتحاد الديمقراطي في الثورة السورية ضد النظام، بل قام بقمع التظاهرات الكردية المعارضة للأسد، واعتقل العديد من النشطاء الأكراد الذين انتقدوا سياساته. وفي مراحل لاحقة، دخلت ميليشيات الحزب في مواجهات مباشرة مع فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وهو ما دفع الكثيرين إلى اعتبارهم “حلفاء للنظام السوري”.
كما أن حزب العمال الكردستاني لم يتوقف عن تأييد النظام السوري، بل استمر في تقديم خطاب إعلامي داعم للأسد، ورفض بشكل قاطع الانضمام إلى المعارضة السورية. حتى أن بعض التقارير أشارت إلى أن قوات الأسد قدّمت دعمًا لوجستيًا لبعض ميليشيات YPG، خصوصًا في معاركها ضد الجيش التركي والفصائل السورية المدعومة من أنقرة.
تشابه أيديولوجي: حزب البعث و”بعث أوجلان”
منذ بداياته، أظهر أوجلان إعجابًا واضحًا بحزب البعث، حيث كان يصف حزب العمال الكردستاني بأنه “بعث الأكراد”، وأنه يمثل “حركة انبعاث قومي” للشعب الكردي، تمامًا كما كان حزب البعث العربي يطرح نفسه في سوريا والعراق.
كما أن حزب العمال الكردستاني تبنى أساليب مشابهة لحزب البعث في تقديس الزعيم وإضفاء طابع الأبوية على قيادته. حتى أن شعار “بالروح.. بالدم.. نفديك يا أوجلان” لم يكن مستخدمًا داخل الحزب قبل عام 1986، لكنه ظهر لاحقًا متأثرًا بالشعارات البعثية في سوريا والعراق، التي كانت تُمجد حافظ الأسد وصدام حسين.
علاوة على ذلك، تبنى الحزب نموذجًا سلطويًا صارمًا يشبه النظام البعثي، حيث فرض أوجلان على أعضاء حزبه الولاء المطلق، ومنع أي معارضة داخلية، تمامًا كما يفعل النظام السوري في إدارة الدولة والمجتمع.
خلاصة: علاقة استراتيجية بغطاء أيديولوجي
تُظهر العلاقة الطويلة بين حزب العمال الكردستاني والنظام السوري أن الطرفين لم يكونا مجرد حلفاء ظرفيين، بل كانت بينهما شراكة قائمة على المصالح المتبادلة. فحافظ الأسد استخدم الحزب كورقة ضغط ضد تركيا، بينما استغل أوجلان الدعم السوري لتعزيز نفوذ حزبه. ومع وصول بشار الأسد للحكم، استمر التحالف، حيث تحولت وحدات حماية الشعب (YPG) التابعة للحزب إلى شريك للنظام السوري في إدارة مناطق واسعة من شمال سوريا.
في النهاية، يُمكن اعتبار حزب العمال الكردستاني وحلفاءه امتدادًا للموروث البعثي في المنطقة، سواء في بنيته التنظيمية، أو في سياساته القمعية تجاه خصومه، أو حتى في أسلوبه الدعائي الذي يقوم على تقديس الزعيم وتأليه قيادته، وهو ما يجعله أقرب إلى نموذج “بعث كردي بواجهة يسارية”، كما وصفه بعض المعارضين الأكراد.
المصادر
شباب بوست؛ حزب العمال الكردستاني وأكراد سورية… والعلويّة السياسيّة
قناة الجزيرة ؛ عبد الله أوجلان
تلفزيون سوريا ؛ في “مفاتن” حزب البعث الأوجلاني
رويترز نبذة- الزعيم الكردي عبد الله أوجلان يمارس نفوذه من منفاه
اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.