
حزبُ الاتّحادِ الدّيمقراطيّ والأفقُ المسْدودْ…بقلم عبدالله النجار
جاءَ تدخّلُ أمريكا في معركةِ عينِ العرب ” المصْطَنَعة ” ضدّ داعش أواخر عام 2014 ، ليزرعَ بذرةَ حُلُمٍ طالما حَلُمَ بها حزبُ العمّال الكردستاني ، على أملِ أن تتكررَ تجربةُ العراق ، في إقليمٍ فدراليّ ٍ في سورية يكون خاضعاً لسلطته .
فوضعَ الحزبُ – عبرَ فرعه السّوري حزب الاتحاد الديمقراطي PYD – كلّ قوّته في خدمة المعركة ، التي كانت اختباراً ناجحاً له ، استطاعَ أن يُضخّمهُ ، ويستفيدَ منهُ حتّى الثّمالة ، عبر أدواتهِ وإمكاناته الإعلامية.
وبعدَ الانتصار قدّمَ الحزبُ نفسهُ للغرب على أنهُ حزبٌ تقدميّ حضاري ، فكان حريصاً على أن تحتل المرأةُ واجهةَ أعماله العسكرية والسياسية ، لإظهار حسنهِ ، وإبراز قبحِ الآخرين ، لدى مقارنةِ وضعها في المناطق الخاضعة لسلطة المعارضة ، التي تفرض عليها اللّباس الشرعي ، وتطبّق حدودَ الجلدِ والرّجم.
كما قدّمَ الحزبُ نفسهُ كمعادٍ لكلّ التاريخ الإسلاميّ ، بدءاً من الفتوحاتِ الإسلامية التي انطلقتْ بالسّيف من الجزيرة العربية ، قبل ألفٍ وأربعمئة عام ، وانتهاءً بالتجربة العثمانية التي حاولت غزو أوربا ، ومذكراً بحصار السلطان العثماني لڤيينا عاصمة النّمسا.
وفي سبيل ذلك استنفر الحزب كلّ إمكاناته العسكرية والسياسية والمالية ، ووضعها في خدمة المعركة المزعومة ضدّ الإرهاب ، فجنّد الشّباب الكردي طوعاً وكرهاً ، وصادرَ كلّ الإمكانات المادية ووضعها في خدمة المعركة ، وأسكتَ خصومَه السياسيين للحيلولة دون التشويش عليه ، وصادرَ الكردَ السوريين وغامرَ بتاريخهم ومستقبلهم ، وعلاقاتهم مع شعوب المنطقة ، في سبيل نيلِ الرّضى الأمريكي.
غير أنّ كلّ ذلك لم يشفعْ له على مايبدو ، فهو مايزال على قائمة المنظمات الإرهابية ، أوربّياً وأمريكياً ، كما أن علاقته بالتحالف لم تخرجْ عن إطار محاربة الإرهاب ، ولم تتحول إلى فعلٍ سياسي ، رغم كلّ محاولات الحزب لإظهار نفسه كحليفٍ سياسي في المنطقة ، أو صاحبِ مشروعٍ مستقلْ.
ومع إشراف الحزب على استنفاذ كلّ أوراقه ، ووصوله إلى الرّمقِ الأخير ، وبالتالي انكشاف محدودية إمكاناتهِ ، وحجم المعارضينَ لمشروعه كردياً وإقليمياً ، كان لابدّ له من أن يحوزَ على أي نصرٍ سياسيّ ، لتتويج أعمالهِ ، والانتقال إلى دائرة أوسع ، لايبقى فيها محكوماً بالعمل العسكري وحده الذي شارف على الاضمحلال ، رغم كل مايقال عن إمكاناتٍ غير محدودة.
فالحزب الذي نشأ أصلاً في تركياً ، لم يعدْ يلقى ذلك الدعمَ من الأكرادِ هناك ، وكانت معاركه الأخيرة أكبرَ دليلٍ على ذلك ، فهو استعانَ بمقاتلين سوريين في معاركهِ داخل تركية ، ولجأ إلى عملياتٍ انتحارية ، لايمكن أن يلجأ إليها من يظنّ نفسَه حليفاً لأكبرِ قوةٍ في العالم.
كما أن إمكاناته العسكرية باتت محدودةً بالأكراد الخاضعين لسلطته في الشّمال السوري ، فجنّدهم حتى استنفذهم ، شباباً وشابّات ، قُصّراً وبالغين ، ولم ينفد منه إلا القلةُ القليلة من المتوارينَ عن الأنظار ، أو المؤجّلين دراسيّاً.
كما أنّ دخولَ دولٍ أخرى على خطّ الأزمة السورية عسكرياً ، كبريطانية و فرنسا وألمانية ، لايبشرُ بالخير بالنسبة للحزب ، لأنها تعني انتهاء فترة الاحتكار و الاستفراد الأمريكيّ بالقرار ، حتى وإن كان ذلك قد تمّ بالاتفاق بين الأطراف المذكورة ، أو برضى وطلبِ الجّانب الأمريكي.
إنّ صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي PYD كان بإمكانه أن يكون عضواً في الهيئة العليا للمفاوضات باعتباره نائباً لرئيس هيئة التنسيق ، إلا أنه رفضَ حضورَها بهذه الصّفة ، رغم حضور حسن عبد العظيم إلى القامشلي وعامودا لإقناعه بالانضمام ، وأصرّ على أن يحضرَ وإدارته الذاتية المزعومة ، وقوّاته العسكرية YPG بصفتهم تلك ، وعندما رُفض طلبُه علّق عضويته في هيئة التنسيق ، وعقد مؤتمراً في رميلان نتج عنه مجلسُ سورية الديمقراطي الذي ترأسه هيثم مناع ، ثم انسحب منه ، والذي تبين أنه لم يكن إلا عبارة عن قرقعةٍ إعلامية لم تؤدِ إلى أيّة نتائج.
إنّ الحزب الذي حارب ثورة الشعب السوري ولم يؤمن بها يوماً ، ولم يعترفْ بجيشها الحرّ ، ولم يلتزم بأي اتّفاقٍ أو هدنةٍ معه ، وهجّر وقتل المدنيين على الهوية ، ليس جديراً بأن يكون عضواً في وفدٍ يمثل الثورة.
كيف يكون ذلك وهو لم يدّخر جهداً في سبيلِ محاربة الثوار ، وتشويهِ صورتهم ، ووصفهم بالإرهاب ، وتزويدِ الطّائرات الرّوسيّة و طائراتِ التّحالف بإحداثيات مواقعهمْ وتجمعاتهمْ لقصفِها.
كما إنّ الحزبَ الذي زعمَ أنّه انتهجَ خطّاً ثالثاً ، ثم قاتل إلى جانب قوات النظام ضدّ فصائل المعارضة ، ليس له الحقّ بالمطالبة بالجلوس على طاولةٍ واحدة ، إلى جانب من جاهرَ بالحقّ ودافعَ عنه ، ومكانُه الطبيعيّ في الجانب الآخر.
يبدو أن قيادة العمال الكردستاني ، شعرتْ أخيراً أنّ الطريق الذي اختارته وصل إلى أفقٍ مسْدود ، لم تعدْ تفيد فيه كل الهرطقاتِ الإعلامية ، وأنها مالمْ تندمجْ في وفد الثورة – ولو تكتيكياً – فلن يكون لها أملٌ بالبقاء ، وهي في كل الأحوال نادراً ماتلتزمُ بعهودها ، وسرعان ماتقفزُ عند توفّر أوّلِ مركبٍ بديل ، ولنْ تعدمَ الحجّة آنذاك.
عبدالله النجّار
حقوقي و كاتب و محلل سياسي سوري مختص بالشأن الكردي
اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.