روسيا في مستقبل سوريا السياسي: حليف ام ورقة ضغط

كنان العاني -شباب بوست

في العلاقات الدولية، لا توجد صداقات أو عداوات دائمة، بل مصالح متغيرة تحكمها التوازنات الجيوسياسية.  لقد لعبت روسيا دورًا حاسمًا في دعم النظام السوري البائد منذ انطلاق الثورة، مستخدمة الفيتو في مجلس الأمن أكثر من 16 مرة لحماية نظام الأسد. كما دعمته عسكريًا، مما ساهم في بقاء النظام لفترة أطول. ومع ذلك، في ظل تراجع النفوذ الروسي عالميًا بسبب الحرب الأوكرانية والتنسيق الغربي لتحجيم دورها، أصبح السؤال المطروح: كيف يمكن لسوريا الجديدة الاستفادة من علاقتها مع روسيا لتحقيق مكاسب سياسية، أو استخدامها كورقة ضغط في مواجهة الغرب؟

الواقع السوري الراهن: تحديات داخلية وخارجية

لا تزال الدولة السورية الجديدة تواجه تحديات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي. الجيش السوري الجديد يعاني من ضعف في الإمكانيات، ما يجعله غير قادر على فرض السيطرة الكاملة على الأراضي السورية. كما أن مناطق استراتيجية مثل الجزيرة السورية، الغنية بالموارد والتي تشكل أكثر من ثلث مساحة الأراضي السورية، لا تزال خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إضافة إلى وجود جماعات مسلحة في الجنوب السوري والمناطق الساحلية.

على المستوى الإقليمي، تشهد سوريا تدخلات مباشرة وغير مباشرة، أبرزها من إسرائيل، التي عملت منذ انتصار الثورة على تدمير قدرات الجيش السوري، وبنت قواعد تمركز ومراقبة داخل الأراضي السورية، ما اثار تساؤلات إذا ما كان هناك تفاهم ضمني مع النظام السابق، رغم خطابه الإعلامي الذي ادعى الممانعة. حيث ان إسرائيل لم تقوم بتدخلات ضد الجيش السوري بشكل مباشر في السابق، وجاءت هذه التدخلات الجديدة على الرغم من التصريحات المتعددة للشرع و حكومته بأنهم لا يسعون إلى أي حروب مع أي جهة في المنطقة.

 بالمقابل، لم تتخذ القوى الغربية إجراءات جدية ضد الأسد، حيث كانت مصالحها تتماشى مع أمن إسرائيل، مما جعل العقوبات المفروضة عليه بمثابة أدوات ضغط لا ترمي إلى إسقاطه تمامًا.

في هذا السياق، لا يمكن النظر إلى روسيا كعدو مطلق أو حليف مطلق، بل يجب استخدامها كورقة ضغط بحكمة. على الغرب أن يدرك أن سوريا تمتلك خيارات، وأن الضغط السياسي والتدخل المباشر لن يكون بلا تكلفة. يمكن لدمشق التلويح بتعزيز التعاون العسكري والاقتصادي مع موسكو، لدفع الغرب إلى رفع العقوبات والانخراط في تعاون أكثر جدية.

و يستطيع المتابع للأحداث السياسية السورية ان يرى ان صانع السياسة الاوروبي بات يتعامل مع الحكومة السورية الجديدة بسياسة العصا و الجزرة لفرض إملاءته على الحكومة السورية بما يحقق مصالحه التي يطمح اليها من خلال هذه الإملاءات.

دور روسيا: حليف استراتيجي أم ورقة ضغط؟

لم تعد روسيا تتمتع بنفس النفوذ الذي امتلكته سابقًا في الشرق الأوسط. الحرب في أوكرانيا استنزفت مواردها وأثرت على صورتها كقوة عظمى قادرة على التأثير عالميًا. ومع ذلك، لا تزال موسكو لاعبًا أساسيًا في الملف السوري، سواء من خلال وجودها العسكري أو دورها في الوساطات الإقليمية.

يمكن لدمشق توظيف علاقتها مع روسيا بذكاء لتحقيق مكاسب استراتيجية، وذلك عبر:

  • التلويح بتعزيز التعاون العسكري والاقتصادي مع روسيا للضغط على الغرب لرفع العقوبات وتحقيق مزيد من الاستقلالية الاقتصادية.
  • استخدام الورقة الروسية في التفاوض مع الولايات المتحدة وأوروبا، لإظهار أن سوريا لديها خيارات أخرى غير الخضوع للضغوط الغربية.
  • التلويح بتعزيز الاستثمارات الروسية في سوريا، مما يساعد على إنعاش الاقتصاد المحلي وتخفيف الاعتماد على الشركاء التقليديين.

هل يمكن الاعتماد على تركيا والدول العربية؟

السياسة التركية منذ عام 2002 أظهرت مسارًا واضحًا فيما يتعلق بسوريا والعراق، حيث استغلت أنقرة الأزمات لتحقيق مكاسب استراتيجية وحماية أمنها القومي. أما الدول العربية، فتنقسم بين السعودية التي تسعى إلى لعب الدور الأهم والوسيط في المنطقة، وقطر التي دعمت الثورة السورية بشكل ثابت، والأنظمة الاستبدادية التي ترى في سقوط الأسد تهديدًا لبقائها. أما الإمارات، فموقفها كان واضحاََ في دعم النظام.

ومع ذلك، لا يمكن لسوريا الجديدة الاعتماد كليًا على تركيا أو الدول العربية لضمان استقلالها السياسي والاقتصادي، والأفضل هو اتباع سياسة متوازنة تحافظ على علاقات طبيعية مع جميع الأطراف، دون التورط في تحالفات تضر بالمصلحة الوطنية.

إسرائيل وأمريكا: تغيّر المعادلات السياسية

لقد تغير الزمن وتغيرت السياسات ولم تعد إسرائيل الدولة التي تدعي انها الضحية وتتصرف على أساس ردود الفعل، فإسرائيل اليوم وخاصة مع الدعم الكامل غير المشروط من الجانب الأمريكي وقوة نفوذ AIPAC وتطبيعها مع عدة دول عربية باتت تعربد كما تشاء في المنطقة كونها طفلة البنتاجون المدللة. وهي اليوم لا تسعى حتى لتمثيل دور من يريد السلام أو يسعى الى التطبيع (تصريحات نتنياهو الأخيرة ضد السعودية تعبر عن تحول في سياسة اسرائيل).

في المقابل، السياسة الأمريكية شهدت تحولات منذ عهد ترامب، حيث أصبحت المصالح الاستراتيجية أكثر أهمية من الشعارات الدبلوماسية. ومع صعود تيارات سياسية تتبنى سياسات أكثر قومية في الولايات المتحدة، قد نشهد استمرارًا للدعم الغير محدود لإسرائيل، ما يزيد من تعقيد المشهد السوري.

سياسة التوازن ضرورة استراتيجية

رغم أن العالم اليوم أحادي القطبية بزعامة الولايات المتحدة، لكن السياسة تقتضي بناء تحالفات متوازنة على اساس الندية و المصالح المشتركة لضمان المصالح الوطنية السورية، و يمكن لسوريا الجديدة استخدام استراتيجيات الضغط والمناورة مع القوى العالمية والإقليمية لتحقيق مكاسب حقيقية، سواء عبر تحسين العلاقات مع روسيا أو تعزيز التعاون مع الدول الغربية وفق شروط تحقق الاستقرار والتنمية. الخيار الأمثل لا يكمن في الانحياز لطرف دون آخر، بل في استغلال التناقضات الدولية لصالح مصلحة سوريا أولًا وأخيرًا.

المصادر:

  1. Remarks at a UN General Assembly Meeting.– السفارة الأمريكية في سورية
  2. تحليل تأثير الحرب الأوكرانية على النفوذ الروسي – مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS).
    Report Launch: The Russia-Ukraine War and a Study in Analytic Failure
  3. تصريحات مسؤولين إسرائيليين حول العمليات العسكرية في سوريا – BBC News.


اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Related Posts

تناقضات السياسة الأمريكية في سوريا: من التدخل إلى الفوضى الخلاقة
  • مارس 9, 2025

لطالما كانت السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط موضع تساؤلات كثيرة بسبب التناقضات التي شابت مواقفها. إن التدخلات العسكرية والسياسية التي قادتها الولايات المتحدة في سوريا والعراق لم تكن في…

Continue reading
الولايات المتحدة تستطيع مساعدة سوريا بشكل أفضل بالانسحاب
  • مارس 6, 2025

روبرت س. فورد – السفير الأمريكي في سوريا (2011-2014) | Foreign Affairs ضرورة الانسحاب الأمريكي والتعامل مع الحكومة السورية انتهت الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عامًا بشكل مفاجئ في…

Continue reading

شارك برائيك