
لطالما كانت سوريّة مثالًا للتعددية العرقية والثقافية، حيث تعايشت مكوناتها المختلفة لقرون، رغم الصراعات التي مرت بها المنطقة. إلا أن بعض الأحزاب السياسية، بما فيها الأحزاب الكردية في سوريّة، اعتمدت خطابًا مشحونًا بالعصبية القومية، قائمًا على تزوير الحقائق التاريخية. ومن بين هذه الخطابات، تلك التي تروّج لفكرة أن الكرد يعيشون على “أرضهم التاريخية” في سوريّة، وأن العرب “غزاة محتلون” يجب طردهم.
هذا الخطاب، الذي يرتكز على التضليل والتلاعب بالحقائق، لا يخدم سوى أجندات سياسية ضيقة، ويفاقم التوترات القومية، مما يجعل التعايش السلمي أكثر صعوبة.
تاريخ الكرد في سوريّة: حقائق موضوعية
الكرد في سوريّة جزء من النسيج الاجتماعي للبلاد، وتاريخ وجودهم مرتبط بالتحولات السياسية التي شهدتها المنطقة عبر العصور. ومع ذلك، فإن الادعاء بأنهم السكان الأصليون في شمال سوريّة، وأن العرب “غزاة” يجب طردهم، ليس سوى تشويه للتاريخ.
في الواقع، توافد الكرد إلى سوريّة خلال فترات مختلفة، خصوصًا في العهد الأيوبي والعثماني، وفي القرن العشرين بعد القمع الذي تعرضوا له في تركيا والعراق. لذلك، لا يمكن القول إن المناطق الشمالية من سوريّة كانت “كردية خالصة” في أي وقت من التاريخ، بل كانت دائمًا موطنًا لتعددية عرقية تشمل العرب، السريان، الأشوريين، الشركس، والتركمان.
خطاب الكراهية وعواقبه
عندما تتبنى الأحزاب السياسية الكردية خطابًا مثل “العرب غزاة”، فهي لا تروج فقط لمظلومية غير دقيقة تاريخيًا، بل تحرض أيضًا على العنف والتمييز العنصري. ويمكن تصنيف هذا الخطاب كتحريض على التهجير القسري والإبادة العرقية، وهو ما يتعارض مع القوانين الدولية التي تجرّم الدعوة إلى الكراهية على أسس قومية أو عرقية.
مثل هذا الخطاب يؤدي إلى:
- تعميق الانقسام بين مكونات المجتمع السوريّ، وإعاقة جهود المصالحة الوطنية.
- ترسيخ شعور الضحية عند الكرد، مما يجعلهم في حالة قلق دائم وشعور بعدم الرضا و الأمان.
- خلق رد فعل عدائي من قبل العرب وغيرهم من المكونات، مما يؤدي إلى مزيد من التوتر والصراعات
مسؤولية الأحزاب الكردية في تصحيح الخطاب
من الضروري أن تتحمل الأحزاب الكردية في سوريّة مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية، وتعيد النظر في الخطاب الذي تروجه بين أنصارها. ويجب أن تعترف بأنها استخدمت التلاعب التاريخي كوسيلة لحشد الشارع الكردي، وأن تبادر إلى:
- . سحب هذه الروايات من التداول السياسي، والاعتراف بأن العرب والكرد وغيرهم شركاء في الوطن.
- التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية، وأن الحل لا يكمن في تعزيز الهويات القومية المتصارعة، بل في بناء دولة قائمة على المواطنة المتساوية.
- محاربة أي خطاب كراهية داخل صفوفها، والتوقف عن استخدام المظلومية كأداة سياسية.
نحو مستقبل مشترك قائم على التعايش
سوريّة المستقبل يجب أن تكون دولة تتسع لجميع أبنائها، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية. وهذا لن يتحقق إلا إذا نبذ الجميع الخطابات التحريضية التي تقوم على إقصاء الآخر. يجب أن تكون الأولوية لبناء نظام سياسي يحترم التعددية، ويوفر الحقوق لجميع المكونات دون الحاجة إلى التضليل أو التلاعب بالتاريخ.
خاتمة
لا يمكن بناء مستقبل مستقر في سوريّة على أساس الأوهام والتزوير التاريخي. على الأحزاب الكردية أن تعي أن تبنيها لخطاب الكراهية لن يخدم الكرد، بل سيزيد من عزلتهم ويخلق صراعات لا تنتهي. الحل الوحيد هو الاعتراف بالواقع، والبحث عن أسس للتعايش المشترك، حيث يكون الجميع شركاء في بناء دولة تحترم حقوق جميع مكوناتها.
اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.