
همام مختار -شباب بوست
يُعرف المرصد السوري لحقوق الإنسان بدوره البارز في نشر الأخبار والتقارير حول الأوضاع في سوريا، ويُدّعى بأنه يعمل من منطلق حقوقي وإنساني. ومع ذلك، تثير الطريقة التي يتناول بها المرصد الأحداث وتسليط الضوء على الانتهاكات جدلاً واسعاً حول حياديته ومصداقيته، خاصةً فيما يتعلق بتغطيته لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مقارنة بالمناطق الخاضعة للمعارضة السورية. في هذا المقال، نستعرض عدة جوانب تكشف عن ما يبدو من ازدواجية معايير في الخطاب والتحليل الإعلامي للمرصد.
1. التحيز في صياغة الأخبار: بين “حملات أمنية” و”حملات قمع”
يلاحظ أن المرصد يستخدم لغة تختلف بشكل ملحوظ في وصف الأحداث وفقاً للجهة الفاعلة، إذ تُصاغ أخبار العمليات الأمنية التي تنفذها قسد بعبارات تُعطيها طابعاً منظماً وقانونياً، بينما يُشار إلى العمليات المماثلة التي ينفذها الجيش الوطني السوري بعبارات تحمل طابعاً انتقادياً وتُصنفها على أنها “حملات قمعية” أو “اعتقالات تعسفية”. على سبيل المثال:
- في دير الزور:
تُذكر إحدى التقارير:”اعتقال 20 شخصاً وضبط أسلحة وذخائر في حملة أمنية في ريف دير الزور الشرقي”

- وفي مناطق أخرى مثل عفرين أو الباب:
يُصاغ الخبر بطريقة تختلف، إذ يُشار إلى العملية بـ:”حملة اعتقالات تطال المدنيين”

هذا التباين في صياغة الأخبار يثير تساؤلات حول مدى حيادية المرصد في تقديم المعلومات، حيث يبدو أن لغة التقرير تتماشى مع مصالح جهة دون أخرى.
2. التلاعب بالأرقام: دقة قاسية ضد قسد وتضخيم لعداوة الجيش الوطني
يبرز التناقض في تناول المرصد للأرقام الإحصائية خلال الأحداث العسكرية. فمن جهة، يُظهر المرصد دقة في تسجيل أعداد القتلى لخسائر قوات سوريا الديمقراطية، معتمدًا في ذلك على الأرقام التي تصدرها قيادتها العسكرية. ومن جهة أخرى، يُشاع تضخيم أعداد قتلى الجيش الوطني السوري في نفس الأحداث. يمكن الإشارة إلى حالتين:
- معركة “غصن الزيتون” (2018-2019):
خلال معركة عفرين، ظلّ المرصد يؤكد أن عدد قتلى وحدات حماية الشعب (YPG) لا يتجاوز 300 قتيل، فيما أعلنت وزارة الدفاع التركي أرقاماً أعلى بكثير. وعند دخول الجيش الوطني السوري إلى المدينة، تم الإعلان عن رقم 1600 قتيل من صفوف قسد، ما يثير تساؤلات حول دقة التقارير وأهدافها في تغيير الأرقام حسب المصلحة السياسية. - معارك منبج (2023-2024):
يُلاحظ أن التقارير تُظهر دقة في ذكر خسائر قسد اعتماداً على المصادر العسكرية الرسمية لها، بينما تُنشر أرقام خسائر الجيش الوطني بشكل يومي دون تقديم مقارنة أو تدقيق من مصادر مستقلة.
3. ازدواجية المعايير في تغطية انتهاكات حقوق الإنسان
من المفترض أن يقوم المرصد بدور مراقب محايد لحقوق الإنسان، إلا أنه يتضح من خلال تقاريره تباين واضح في التعامل مع الانتهاكات حسب الجهة الفاعلة:
- تجاهل انتهاكات قسد:
يُشير بعض التقارير إلى حدوث انتهاكات في مناطق سيطرة قسد، مثل عمليات الاعتقال والتعذيب، إلا أن هذه الأحداث تُذكر بعبارات مبهمة كـ”شكاوى من ممارسات غير مبررة لبعض الأفراد” دون تقديم تفاصيل كافية أو تحقيق مستقل حولها. - تسليط الضوء المكثف على انتهاكات الجيش الوطني:
في المقابل، تُبرز التقارير انتهاكات الجيش الوطني السوري بشكل مفصل من خلال استخدام مصطلحات مثل “حملة قمعية” و”اعتقالات تعسفية”، مما يُضفي صورة أكثر سلبية على جهوده، دون تقديم المقارنات اللازمة مع المصادر الرسمية أو التقارير الدولية.

4. التلاعب بالمصطلحات: إعطاء شرعية زائفة لقسد وتشويه صورة الجيش الوطني
يلجأ المرصد إلى استخدام مصطلحات تبدو مضللة لتشكيل رؤية معينة حول الفاعلين في المشهد السوري:
- تشويه صورة الجيش الوطني:
يُستخدم وصف “القوات الموالية لتركيا” عند الحديث عن الجيش الوطني السوري، مما يهدف إلى تقويض صورته الوطنية وربطه بمصالح خارجية. - منح قسد هوية وطنية زائفة:
بدلاً من الإشارة إلى علاقتها الواضحة بحزب العمال الكردستاني (PKK)، يستخدم المرصد تسميات مثل “مجلس منبج العسكري” أو “مجلس تل تمر العسكري”، مما يعطي انطباعاً بأنها قوى محلية مستقلة، في حين أن الدلائل تشير إلى تأثير مباشر من الكوادر الكردية المنتمية إلى PKK.
هل المرصد مؤسسة حقوقية أم أداة دعائية؟
يُظهر تحليل خطاب ومحتوى تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان وجود انحياز واضح يتجلى في التلاعب بالأرقام، وتفاوت الصياغة اللغوية، وتوظيف المصطلحات بما يخدم أجندة محددة. هذا التباين لا يؤثر فقط على مصداقية المرصد كمصدر معلومات، بل يُسهم أيضاً في تشكيل صورة مشوهة للأحداث في سوريا لدى الجمهور الدولي.
في ضوء هذه الحقائق، يبقى التساؤل مفتوحاً: هل يُعد المرصد السوري لحقوق الإنسان جهة مراقبة حقيقية تسعى لإحقاق العدالة، أم أنه يعمل كأداة دعائية تُسهم في تأجيج الانقسامات وتضليل الرأي العام؟
ندعو القارئ إلى مراجعة المصادر المتنوعة والتعمق في التقارير الدولية المستقلة لتكوين صورة متكاملة حول واقع الانتهاكات في سوريا، والعمل معاً من أجل تحقيق الشفافية والمساءلة في نقل الأحداث.
اكتشاف المزيد من شباب بوســــــت
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.