تل رفعت .. ، تل أرفاد .. أم أرباد ؟!

مهند الكاطع

مع إقدام ميليشيا ما يسمى الحماية الشعبية ( النسخة السورية لحزب العمال الكردستاني ) قبل شهرين على إحتلال تل رفعت في ريف حلب الشمالي، سارعت كعادتها لإعلان التسمية الجديدة للمنطقة، فأطلقت بعد ساعات تسمية جديدة ( Arpet) ليتم استخدامها بدلاً من تل رفعت، وكذلك فعلت بالنسبة لبعض معالم الجزيرة السورية التاريخية عبر اطلاق تسميات جديدة بعضها يحمل صبغة كردية والآخر اسماء تاريخية لا علاقة لها بالكردية لاستغلالها والايحاء بأنهم يعيدون اسماء تاريخية قديمة، فتسمية قديمة مثل ” ميزوبوتاميا” معروفة وهي التي اطلقها الاغريق على بلاد ما بين النهرين وهي ترجمة اغريقية لتسمية ما بين النهرين، فقد بدأ حزب العمال الكردستاني بإطلاق هذه التسمية على بعض المرافق المحدثة، وبالمقابل فقد قام باختلاق تسميات كردية لمدن تاريخية قديمة مثل رأس العين وتل أبيض عبر ترجمتها للكردية والادعاء بتاريخيتها!

كذلك الأمر بالنسبة لتل رفعت، فقد تم اختلاق اسم Arpet، ويريدون بذلك اسماً محرفاً عن (تل أرفاد) التسمية القديمة للبلدة، وتعود التسمية للحقبة الآرامية واستمرت حتى العهد العثماني حيث تم تغييرها إلى تل رفعت في بداية عهدهم. فتغيير اسم تل رفعت اليوم إلى أسم قريب من الاسم الكنعاني القديم يأتي في إطار الديماغوجية التي تريد الإيحاء بأن عمليات التكريّد لأسماء المدن والقرى الأخرى ماهي إلا جزء من “إعادة” أسماء البلدات والمدن والقرى إلى أصلها الحقيقي، وأن جميع ما نراه من تسميات عربية هي جاءت في عهد البعث عبر سياسية التعريب، وهذا غير صحيح تماماً.

 

بالنسبة لتل رفعت أو ( تل أرفاد) أو أرباد فالواقع انه من الناحية التاريخية كل التسميات صحيحة، والتسمية الاقدم هي الآرامية أرباد “أرفاد” ، كانت تدعى أرباد “أرفاد”، وكانت عاصمة مملكة بيت آغوشي الآرامية، ولا علاقة لهذا الاسم بأي لفظ ميتاني وفق الاحتمال الذي ذكره الباحث الكردي احمد خليل بأن أرفاد قد تكون من بقايا العهد الحوري الميتاني معتمداً بذلك على معلومة سربت إليه مفادها أن الباء المهموسةP غير موجود في صوتيات اللغة السامية وهذا الأمر غير صحيح ، فالباء المهموسة هي أصيلة في اللغات السامية وموجودة في الأكدية والآرامية (السريانية) والعبرية والحبشية كما يؤكد الدكتور عامر الجميلي الذي يشير إلى مجلد كامل في قاموس شيكاغو الأكدي عن ألفاظ حرف الباء المهموسة p يضم ما لا يقل عن بضعة آلاف الكلمات التي تحوي هذا الحرف، ومثلها في بقية اللغات السامية الاخرى، ولا زال السريان إلى يومنا هذا والعبرانيين ينطقون حرفهم السامي الاصيل p ، بل والأكثر من ذلك نجد تسرب أحرف سامية أخرى إلى اللغات الهندوآرية، فحرف العين والحاء (السقف حلقيين) التي نسمعها في الكردية هي ليست ضمن احرف اللغات الهندو_اوربية الايرانية، لكنها اليوم مستخدمة لديهم بعد ان تسربت من العربية إليهم.

 

واسم هذه البلدة مذكور في التوراة وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس الصادر عن دائرة المعارف الكتابية المسيحية ما نصه: ” أرفاد : وهي مدينة في آرام يرجح أن موضعها اليوم هو “تل أرفاد” على مسافة 13 ميلًا شمالي حماة، وتذكر عادة مع حماة في العهد القديم، ونقرأ في ملوك2 الاصحاح 18: عدد 34، الاصحاح 19: عدد 13 واشعيا الاصحاح 10: عدد 9 أن الآشوريين يفتخرون بأنهم أخذوا أرفاد. كذلك يذكر أرميا .

في كتاب الشرق الخالد تردُ ترجمة نصوص مسمارية عن المعاهدات التي فرضت على ملك أربادا، ومنها معاهدة ملك كنكتا مع ملك اربادا (متى ايل) التي جاء فيها (( اذا خان متى ايل عهوده وقسمه، لتصبح مملكته مملكة رمل، ومثلما يحترق هذا الشمع بالنار تحترق أربادا))، الدكتور عامر الجميلي في بحثه الموسوم اسماء المدن والمواقع الجغرافية المتشابهة لفظاً والمختلفة موقعاً في النصوص المسمارية، يذكر بأن أرپادّا “”arpadda هي عاصمة مقاطعة في العصر الآشوري الحديث، وأصل معناها في الكنعانية تعطي دلالة: المَدّ والدَّعم.

 

البلدة احتفظت بتسميتها في العهد الإسلامي، وقد ذكرها ياقوت الحموي فقال:” أَرْفَادُ: بالفتح ثم السكون، وفاء، وألف، ودال مهملة، كأنه جمع رفد: قرية كبيرة من نواحي حلب ثم من نواحي عزاز، ينسب إليها قوم، منهم في عصرنا أبو الحسن عليّ بن الحسن الأرفادي أحد فقهاء الشيعة، في زعمه، مقيم بمصر.”
أما عن تاريخ تسميتها بتل رفعت فهذا يعود إلى عهد دخول العثمانيين، وقد جعلوها بادئ الأمر بالتاء المربوطة ( تل رفعة) وبسطت التاء لاحقاً واستقرت على تل رفعت، وقد ورد ذكرها عند الغزي في كتابه نهر الذهب في تاريخ حلب فيقول:

” قلت: تل أرفاد هذه هي الآن قرية. وفي سنة 1338 جعلت مركز قضاء. ثم في سنة 1340 نقل المركز إلى عزاز. والأتراك سموها تل رفعت. وقد جعل عندها محطة لسكة الحديد بغداد. وهذه القرية طيبة المناخ عذبة المياه تربتها حمراء مشهورة بجودة البطيخ الأخضر. وفيها كروم وبساتين. وقبل بضع سنوات وضع فيها مطحنتان تتحرّكان بالكاز الفقير.”

 

أما عن تسلسل الحضارات في تل رفعت فهي من الأقدم إلى الأحدث كما يلي:

  • عصر كالكوليتك حوالي الالف الخامس قبل الميلاد
  • البرونزي القديم 3000 ق.م
  • العهد ما قبل الآرامي ( البرونزي الوسيط) 2300 ق.م
  • الآراميون من القرن العاشر إلى التاسع ق.م
  • الآشوري من القرن التاسع إلى السابع ق .م
  • البابليون الجدد من السابع إلى السادس قبل الميلاد
  • الفرس من القرن السادس إلى الخامس قبل الميلاد
  • الهلينسيون من الاول قبل الميلاد إلى القرن الرابع قبل الميلاد
  • الرومان من القرن الأول قبل الميلاد إلى الرابع الميلادي

طبعاً تغيير اسماء المدن والقرى يكون ضمن اطار رسمي، ولا يمكن لعصابة تغييره ومحاولة العبث بالمنطقة وتاريخها بالشكل الذي تقوم به عصابات حزب العمال الكردستاني. وهذه حالات وتسميات لا قيمة لها ابداً، فقد قامت داعش ايضاً بإطلاق تسميات محدثة على بعض المناطق التي سيطرت عليها وغدت داعش وتسمياتها في مهب الريح في كثير من تلك البلدات.

 

 

 

المراجع :

  • الشرق الخالد ” مقدمة في تاريخ وحضارة الشرق الأدنى من أقدم العصور حتى عام 323 ق . م ” : دكتور عبدالحميد زايد ، ص 86-94
  • نهر الذهب في تاريخ حلب
  • د.عامر الجميلي، اسماء المدن والمواقع الجغرافية المتشابهة لفظاً والمختلفة موقعاً في النصوص المسمارية، مجلة آداب الرافدين، العدد 54، جامعة الموصل، 2009 ، صفحة 4
  • الكتاب المقدس العهد القديم
  • دائرة المعارف الكتابية المسيحية
  • خطط الشام
  • الموسوعة البريطانية
  • معجم البلدان ياقوت الحموي

موسوعة العلماء السوريين

عن شباب بوست

انظر ايضا

جريمة بشعة ومقززة بتفاصيلها تهز أركان المجتمع في المناطق “المحررة” بالتزامن مع القصف الهمجي والوحشي

مؤيد اسكيف أ قدم شبان على اغتصاب وتعذيب وقتل المربية والآنسة سوزان ديركريكور من أهالي …

هل خسر العرب تركيا لصالح إيران؟

الباحث مهند الكاطع تشهد منطقة الشرق الأوسط عموماً، ودول المجال العربي على وجه الخصوص، تحديّات …

تحذيرات لشركات الطيران المدني بالابتعاد عن سماء البحر المتوسط خوفاً من توجيه ضربة للأسد خلال 72 ساعة

تحذيرات لشركات الطيران المدني بالابتعاد عن سماء البحر المتوسط خوفاً من توجيه ضربة للأسد خلال 72 ساعة

حذرت هيئة الطيران المدني الأوروبي  NMOC  والتي تقع في بروكسل ، في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء …

اترك تعليقاً