لوحة للروسي فيكتور بريجيدا

في انتظار الربيع الفكري وزلزاله

 

د.يسرى السعيد

كانت الليالي حبلى بآماني يسجلها شوق العطاء و المعرفة, ومما لم ننساه هو أن تُعَرَّف الأشياءُ بحدودها، فإذا كان حدُّها الأوحد أن لا حدود لها فالتعريف أشبه بالتناقض المنطقي الذي يدور في حلقة مفرغة بين البحث عن الحدود بغرض الإدراك، ونفي هذه الحدود للوصول للبعد المجرد؛ وبين هذا وهذا تتأرجح أكثر المفاهيم غموضًا وأكثرها وضوحًا، وقد نطلق عليها تجاوزًا سمةَ حدها الوحيد (التجريد) فندعوها المفاهيم المجردة.

وكنا نعتقد أن المفاهيم التي اكتسبناها ترسخت، وهي ثابتة، حتى عصفت بنا رياح الحرب، فأحرقت هذا التصور، وجددت داخلنا كل مانعرفه، عن كل ماعرفناه.

شكَّل الدين فضاء الفكر ردحًا من الزمن، فكانت الرؤى الميثولوجية وسيلة للتعبير العقلي بخلاف من يخرجها عن دائرة السؤال الفلسفي لمجرد أنها اتكأت على ركن المتعالي المقدس ولم تصرِّح بإنسانيتها؛ عدا أنها مع ذلك فرضت وجودها في البُنى العقلية اللاحقة على شكل إشارات ورموز.

واليوم يقف الإنسان بطموحه الشاسع، والذي لايعرف القيود أمام تلك الرؤى، ليخلق لنفسه رؤى جديدة حول كل ماهو سائد، وكل ماتم تخزينه في الذاكرة والعقل والقلب، لقد تمحور الفكر اليوم في دائرة تكوين مفاهيم خاصة يرى من خلالها مايفيده، أو يقنعه، وغير بعيد عمانكتب  قال سقراط: اعرف نفسك بنفسك، وعلى حادثته الشهيرة بنى أفلاطون نظرية الكهف كأول نسق متكامل لنظرية معرفية. وعلى هذا فحين قرأت مقولة نيل ديغراس تايسون -محاور العلوم الشهير-( في تصور المجتمع … فشلي الأكاديمي أمر متوقع، بينما نجاحي يعُزى به الفضل للآخرين. لقد أمضيت معظم حياتي أقاوم هذه التصورات، ما كلفني ضريبة وجدانية، أشبه بالعجز الفكري. هي ضريبة لا أرجوها حتى لأعدائي.)، أدركت أن مايفكر به العالم هو ذاته مايقلق الفرد المتعايش مع بعض مفاهيم مجتمعه، لقد فرض التجديد والتطوير لبعض المفاهيم على كل منا أن يعيد ترتيب موقفه من كل ماهو قائم الآن، فمفهموم كالعدالة والخير والشر باتت الآن أبعد مايمكن عما تم تصديره ، لقد طور علماء النفس مؤخرًا، وإلى حد كبير، مفهومهم عن مدى تأثير تهديد الصورة النمطية على الفرد، وسبب حدوثه، وأكثر أهمية من كل ذلك، عن كيفية منعه. وجاء تجاوب الأكثرية مع ضرورة ذلك التطوير، و آخر المستجدات تقول أن الباحثين نقلوا دراسة تهديد الصورة النمطية من المختبر إلى المدارس وقاعات المحاضرات، في محاولة لإزالة أو منع التهديد بالكلية. “وعليه فنحن ننتظر ثورة وربيع جديد لتلك المفاهيم بمجملها والتي يمكن أن تنقلنا من وضع التلقي السلبي، إلى وضع التأطير الحقيقي لما يدور الآن وفي مختلف جوانب الحياة، وهذا مانتأمله في الأيام القادمة والقريبة. وهذا ماسنقاوم به الأحكام التي تنعتنا بالسوداوية. لقد كان يغمرني شعور لم ألحظه بداية لسنوات عدة، بأن أحد ما كان يسخر مني، لم أكن أملك الوسيلة للدفاع عن نفسي ضد مؤامرة نامية وحاذقة في أن تجعلني أشعر بأني غير مثقف أو غبي كلما حضرت معارضا، عروضا، رأيت أفلاما، مسرحيات أو برامج تلفازية، أو حتى قرأت كتبا، مجلات أو صحف معينة.

الثقافة اليوم هي ماتستطيع أن تزلزل به كل المفاهيم السابقة وتطرح معان جديدة للعديد من القضايا، أو لنقل الأفكار التي سيطرت ولما تزل.

 

 

 

 

 

عن Avatar

انظر ايضا

مصر تقترب أكثر من الأنظمة والجماعات الشيعية وتبتعد عن «التحالف السني»

السيسي يدعم بشار “هاشتاغ” يعبر عن غضب نشطاء تويتر.. ومغردون: رحم الله مرسي

على إثر تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للتلفزيون البلغاري، والتي اعترف بها رسميا ولأول …

هيئة التنسيق تضع العصي في دواليب الثورة

هيئة التنسيق تضع العصي في دواليب الثورة

د.محمود الحمزة – موسكو هيئة التنسيق دائما ومنذ بداية الثورة كانت تضع العصي في دواليب …

محلل سياسي روسي: الهجوم على حلب قد يبدأ قريبا

محلل سياسي روسي: الهجوم على حلب قد يبدأ قريبا

محلل سياسي روسي: الهجوم على حلب قد يبدأ قريبا 1 نوفمبر – صحيفة “أرغومينتي اي …

اترك تعليقاً