وول ستريت جورنال: مختبرين علاقات الولايات المتحدة مع تركيا، الأكراد يقتطعون موطنًا في سوريا

وول ستريت جورنال: مختبرين علاقات الولايات المتحدة مع تركيا، الأكراد يقتطعون موطنًا في سوريا

رجا عبد الرحيم وديون نيسينباوم – وول ستريت جورنال – ترجمة وتحرير ترك برس

عامودا، سوريا، وسط فوضى الحرب في سوريا، الأكراد قد اقتطعوا منطقة حكم شبه ذاتي تُسمى كردستان السورية التي يعيش فيها حوالي أربعة ملايين شخص، وهي بحجم بلجيكا، بمساحة تقارب 565 ميل على امتداد الحدود بين سوريا وتركيا.

أضاف ظهور كردستان السورية تعقيدًا إلى المنطقة المضطربة، ممّا أثار مقاومة من الخارج ومعارضة من الداخل.

أزعج التوسع الإقليمي المستمر للإدارة الذاتية الكردية في سوريا تركيا، التي تقاتل الانفصاليين الأكراد داخل حدودها، حيث دخلت تركيا إلى سوريا لمهاجمة قوات تنظيم الدولة (داعش) ولكبح جماح الأكراد السوريين. ولكن علقت الولايات المتحدة بشكل غير مريح في الوسط، لأنها تعتمد على الأكراد السوريين لمحاربة داعش، كما تعتبر تركيا حليفًا جوهريًا لها.

ومع ازدياد قوة الإدارة الذاتية الكردية في سوريا، وقرب تحقق طموحات الحكم الذاتي المنشودة للأكراد، يشعر بعض من سكان المنطقة بالاستعداء بسبب ما يصفونه بأنه أساليب تضييق تذكرهم ببقية من النظام السوري.

بدلًا من مساعدة جود حمو – البالغ من العمر 23 عامًا – في إنهاء سنته قبل الأخيرة في الجامعة، باع والداه سيارة العائلة واقترضوا المال لتهريبه إلى ألمانيا، كي لا يتم تجنيده في القوات المسلحة الكردية التي تقاتل داعش. يقول رضوان والد جود: “لقد اخترنا أهون الشرين”.

ووفقًا لوزارة الجيش في الإدارة الذاتية فمنذ أواخر عام 2014، أُجبِر 6000 على الأقل من الشباب الأكراد السوريين على الخدمة العسكرية، ولقي أكثر من منهم حتفهم في المعركة. إضافة إلى ذلك، قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان المُعارِضة إن مسؤولي الإدارة الكردية السورية اعتقلوا وأجبروا على الخدمة العسكرية ما مجموعه 1178 مدنيًا، من بينهم 217 قاصرًا و69 امرأة.

وقال الرئيس السابق للمجلس التنفيذي للإدارة الكردية في واحدة من المحافظات السورية الثلاث التي تشكل “كردستان السورية المزعومة” أكرم حيصو: “على كل فرد المشاركة، ويمكن لأولئك الذين يخرجون ضد المشروع أن يذهب إلى  مخيمات اللاجئين في أوروبا”.

وتشير مصادر نقد أخرى إلى كيفية شنّ الإدارة الكردية – التي أسست نفسها بنفسها في أوائل عام 2014 – حملة على المعارضة، وإدخالها منهاجًا مدرسيًا أيديولوجيًا، ووضعها لقوتها في حزب سياسي واحد.

ويقول زعماء أكراد إن المشروع، الذي أدى إلى هجرة الشباب مثل السيد حمو، وغيره من السياسات هو من ضروريات المعركة ضد داعش. كما تكثر علامات أخرى للحكم الذاتي للإدارة الكردية السورية، من فتح مكاتبها الخارجية في فرنسا وألمانيا والسويد وموسكو، إلى الدستور الذي يعتنق العلمانية وحقوق المرأة.

شددت الإدارة الكردية السورية على خطوط السيطرة الفعلية التي تسرع تجزئة سوريا. حيث يتم تقاسم البلاد نظام الأسد وداعش والجماعات المسلحة والأكراد السوريين، وتحاول كل مجموعة تنفيذ ايديولوجيتها ورؤيتها للحكم.

تعترف الحكومة العراقية المركزية بكردستان العراق باعتبارها منطقة ذات حكم ذاتي منذ عام 2005، ولكن الاستقلال الحقيقي لها لا يزال بعيد المنال. وتتصارع كردستان مع الحكومة المركزية العراقية للحصول على حصة من ميزانية العراق، كما تهدد القيادات الكردية العراقية مرارًا بالانفصال.

بعد عقود من التهميش في عهد الرئيس السوري بشار الأسد ووالده الراحل، تم السماح للأكراد على يد النظام الاستبدادي في سوريا بالحصول على بعض من الحكم الذاتي كجزء من استراتيجية لمنعهم من الانضمام إلى الانتفاضة التي بدأت في مارس/ آذار عام 2011، والتي تحولت إلى حرب أهلية. علاوة على ذلك، انسحبت القوات الحكومية من المدن والبلدات الكردية في شمال شرق سوريا، ومن ثم وَسّعَ الأكراد منطقتهم من خلال الانتصار في معارك على أراضٍ كانت يسيطر عليها تنظيم داعش.

ظهور الإدارة الكردية السورية

أصبحت القوة المتزايدة للأقلية العرقية مصدر قلق بالنسبة لنظام الأسد، الذي شَنَّ غارات جوية في منتصف شهر آب/ أغسطس على القوات الكردية في شمال شرق مدينة الحسكة. وفي بيان مكتوب عن القتال، استخدم الجيش السوري لغة ربط القوى الكردية مع جماعة متشددة مصنفة من قبل الولايات المتحدة وتركيا كمنظمة إرهابية.

في الأسبوع الماضي، دعمت تركيا ثوارًا سوريين في هجوم مفاجئ عبر الحدود شمال غرب سوريا. وكان الهدف من الهجوم طرد قوات تنظيم داعش من البلدة الحدودية الاستراتيجية، ووقف المكاسب الإقليمية لميليشيات كردية مدعومة من الولايات المتحدة المعروفة باسم وحدات الحماية الشعبية.

يقول مسؤولون أمريكيون إنهم أوضحوا للقوات الكردية أن الدعم العسكري الأمريكي لا يرقى لمستوى طموحاتهم السياسية.

وفقًا لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، غضب المسؤولون عندما سيطرت وحدات الحماية الشعبية على أراضي أكثر مما اتفقوا عليه مسبقًا، وذلك خلال هجوم منبج مؤخرًا. ومع ذلك، هيج الدعم العسكري من الولايات المتحدة التطلعات الكردية، وأدى إلى توتير علاقة أمريكا مع تركيا- الحليف الجوهري لأمريكا.

قال روبرت فورد، السفير الأمريكي إلى سوريا عند بدء الانتفاضة: “لقد كان قرارًا تكتيكيًا على المدى القصير، ولكن يمكن أن تكون له سلبيات استراتيجية على المدى الطويل، كل ذلك تحت اسم إحراز تقدم على داعش”.

في آذار/ مارس، أعلن الأكراد السوريون تشكيل اتحاد يضم مناطق الإدارة الكردية الذاتية السورية الثلاثة في تأكيد على الحكم الذاتي. قال السيد حيصو: “ستكون كردستان السورية أساسًا لإقامة نظام فيدرالي في سوريا”. ولكن رفضت واشنطن وحكومات غربية أخرى هذه الخطوة.

في جميع أنحاء الإدارة الكردية السورية، تم استبدال صور منتشرة في كل مكان للرئيس السوري بشار الأسد ووالده الراحل بلافتات لمقاتلي وحدات الحماية الشعبية الذين قُتِلُوا في المعركة، ويسميهم العديد من سكان كردستان السورية بالشهداء.

في وسط عامودا، كان يتوسط دوار المرور تمثال لحافظ الأسد إلى أن تم إسقاطه من قبل المتظاهرين، والآن فيه تمثال لامرأة تحمل شعلةً وكتابًا وبعض سنابل القمح. إنها سيدة الحرية الخاصة بالإدارة الذاتية الكردية السورية.

على أي حال، وراء مظاهر الاستقلال يكمن الاعتماد الدائم على النظام السوري. حيث تعتمد الإدارة الكردية على النظام لدفع غالبية رواتب الخدمة المدنية، وإصدار شهادات المدارس الثانوية والكليات، وتشغيل المطار في المنطقة.

وتقول أحزاب المعارضة إن القادة الأكراد اعتقلوا وضربوا مُعارضين وأغلقوا مقرات أحزاب منافسة. منع مسؤولون في الإدارة الكردية أيضًا اثنتين من وسائل الإعلام المستقلة عن العمل بحرية. تم تأجيل الانتخابات المقررة عام 2014 مرارًا وتكرارًا.

ويقول عماد عمر يوسف، المنسق العام لحركة الشباب الكردية المعارضة “أي شيء لا يعمل وفقًا لمصلحتهم، يحظرونه، وسبعون في المئة من الأكراد ضدهم”.

يوم 13 أغسطس، قالت الجماعة في بيان: اعتقلت قوات الشرطة في الإدارة الكردية السورية رئيس المجلس المحلي الكردي، وهو مظلة لمجموعة من أحزاب المعارضة، وأبعدته إلى العراق وهددت بقتله في حال عودته.

تنفي سينام محمد – الممثلة الخارجية لكردستان السورية – أنه تم توقيف أي شخص أو تهديده لأنه معارض سياسي. وكل الأشخاص المحتجزين أو المرحلين بسبب جرائم جنائية. وتضيف السيدة محمد: تشارك وسائل الإعلام المستقلة في “جمع المعلومات الاستخبارية” و”استعداء إدارة الحكم الذاتي”، “وهذا مخالف للقانون”.

ووفقًا لبعض السكان السابقين والمسؤولين الأكراد السوريين، في بعض القرى، تم منع السكان العرب السنة- الذين فروا عندما طردت وحدات الحماية الشعبية “المتطرفين السنة” من داعش- من العودة إلى ديارهم. ووفقًا بعض مسؤولي الإدارة الكردية، يدافع المسؤولون عن المنع من العودة المفروض على أساس أن الإدارة الكردية السورية هي عرضة لاستمرار الهجمات من الخلايا النائمة لتنظيم داعش والمتعاطفين معه. أيضًا الطرد الجماعي له ما يبرره في ظل العادات القبلية، لو كان واحد أو اثنين في العائلة هم أعضاء في تنظيم داعش.

ويقول تاكوشار، وهو قائد في قوة أمنية في الإدارة الكردية: “نحن نتبنى ثقافة القبيلة. لذلك إذا وُجِدَت مشاكل بين قبيلتي وعائلة أخرى، يتم طرد العائلة على أقل تقدير”.

شجع ظهور الإدارة الكردية السورية والتأكيد على المساواة بين الجنسين بعض الفتيات في سن المراهقة إلى الهرب والانضمام لميليشيا وحدات حماية المرأة للنساء.

يقول مروان حسين إنه تم استدراج شقيقته للانضمام إلى وحدات حماية المرأة من قبل أصدقائها عندما كانت في سن الخامسة عشر. واقتيدت إلى جبال قنديل في العراق، حيث يتواجد حزب العمال الكردستاني. وتُصنّف تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية.

وسمح لها بالعودة إلى الوطن لزيارة أواخر العام الماضي، فخبأ السيد حسين شقيقته. وقال مسؤولون في وحدات الحماية الشعبية إن قاصرات انضموا إلى الميليشيا بدون موافقة الوالدين، على الرغم من أن بعضهن كن يهرُبن من منازلهن غير المستقرة.

بعد منع استخدام اللغة الكردية لعقود من قبل النظام السوري، يطالب قادة كردستان السورية الآن العديد من المدارس بالتعليم باللغة الكردية، مما أثار ردود فعل غاضبة من بعض الآباء والأمهات والمعلمين الذين يعارضون التغيير. وفي بداية العام الدراسي 2015-16، وضعت الإدارة الكردية المنهج الجديد الذي يلزم الأكراد والعرب والآشوريين بالتعلم بلغتهم الأم.

لا تزال تُدفع معظم رواتب المعلمين من قبل النظام السوري، والذي أخبر المعلمين بعدم اتباع المنهج الجديد، فيما يُعد محاولة أخرى من قبل النظام السوري لتقويض سلطة الإدارة الكردية. ويقول المعلمون بأنهم حضروا كل يوم خلال العام الدراسي من أجل الرواتب، ولكنهم لم يعلموا أي طالب. وبالنتيجة استبدل المسؤولون الأكراد السوريون المعلمين، ولكنهم كانوا يفتقرون للتدريب اللازم.

“كل ما يفعلونه هو لإثبات أنفسهم،” معلم للصف الأول يقول عن إدارة كردستان السورية: “لأن النظام يفعل شيئًا ما بطريقة ما، هم يفعلونه بطريقة أخرى، وذلك فقط ليثبتوا أنهم دولة”.

تقول صالحة عبد الرحمن والدة جود حمو، الذي هرب إلى ألمانيا لتجنب التجنيد – المنهج الكردي يضر الطلاب لأن الجامعات في كل سوريا لا تزال تدرس باللغة العربية فقط. وتقول السيدة صالحة وهي معلمة ابتدائي: يهرب السكان حاليًا “بسبب المدارس والوضع الاقتصادي و… المشروع”.

حتى مع ابنها في ألمانيا، عانت العائلة ضد ما يسمونه الإدارة الكردية الاستبدادية. ففي فجر صباح أحد الأيام في حزيران/ يونيو، اقتحم رجال الأمن مع إدارة كردستان السورية عشرات المنازل بحثًا عن مطلوبين للتجنيد الإلزامي. وانضم والد جود مع مقيمين آخرين محتجين على المداهمات، وتم اعتقاله.

تقول السيدة سينام محمد، الممثلة الأجنبية للإدارة الكردية السورية: “لا تسمح كردستان السورية بالاحتجاجات دون تصريح من الإدارة أو الشرطة”. وتقول السيدة صالحة إنها لا تعرف أين كان زوجها حتى تم الإفراج عن الأشخاص الذين اعتقلوا معه. ويقول إنه تم احتجازه لمدة 44 يومًا من دون إبلاغه عن أسباب الاعتقال.

تقول السيدة صالحة: “يقول البعض إن الحدود مع تركيا لو كانت مفتوحة، سنكون جميعًا في ألمانيا”.

عن شباب بوست

انظر ايضا

جريمة بشعة ومقززة بتفاصيلها تهز أركان المجتمع في المناطق “المحررة” بالتزامن مع القصف الهمجي والوحشي

مؤيد اسكيف أ قدم شبان على اغتصاب وتعذيب وقتل المربية والآنسة سوزان ديركريكور من أهالي …

الوجود السوري في تركيا.. وقود صراع سياسي مجهول النتائج

مثلت جولة الإعادة للانتخابات البلدية في اسطنبول، نهاية الشهر الماضي، الحلقة الأحدث ضمن التطورات السياسية …

هل خسر العرب تركيا لصالح إيران؟

الباحث مهند الكاطع تشهد منطقة الشرق الأوسط عموماً، ودول المجال العربي على وجه الخصوص، تحديّات …

اترك تعليقاً