العلاقات الأمريكية الإيرانية

ساد اعتقاد غير دقيق أن العلاقات « الأمريكية الإيرانية » على أحسن ما يرام، بل إنها وصلت إلى حد التحالف الاستراتيجي بينهما. لكن هذا لم يحصل ولن يحصل مادامت البنية الحاكمة في إيران بهذه النمطية الشاذة والمنحرفة داخلياً وخارجياً.

لازالت حكومة «ولاية الفقيه» الإيرانية ترفع شعار «تصدير الثورة»، الأمر الذي ينطوي على كثير من المخاطر التي رافقت تنفيذ هذا الشعار، مخاطر تطال السلم الدولي وتنال من الاستقرار العالمي.

تحرص إيران على ممارسة هوايتها بإثارة الاضطرابات وصناعة النزاعات، وذلك بلا ضوابط وبلا حدود، بدعمها لكل أشكال العنف الطائفي والإرهاب المنظم، متمثلاً بميليشيا حزب الله اللبناني والميليشيات الطائفية العراقية والأفغانية والباكستانية، وكذلك دعمها لجماعة الحوثيين اليمنية.

كما تمارس إيران كل أنواع الفساد المالي والخلقي والمجتمعي، كغسيل الأموال، وتجارة المخدرات وتجنيد الأطفال في الحروب، ولا تتوقف إيران عند حدودها الداخلية في ذلك، بل تتعداها إلى الدول الأخرى.

سعت إيران جاهدة لحيازة السلاح النووي لخدمة مشروعها الاستراتيجي بالتوسع والتمدد في المنطقة، وأخذ إسرائيل رهينة أمام الغرب للتخيف من ردات أفعالهم، على اعتبار أن إسرائيل لا تتحمل كثيراً من الضربات النووية!.

بدأت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة عندما بعث «شاه فارس ناصر الدين شاه» أول سفير لفارس المسمى «ميرزا أبو الحسن شيرازي» إلى واشنطن في عام 1856. وفي عام 1883 كان «صمويل بنجامين» أول مبعوث دبلوماسي رسمي للولايات المتحدة إلى إيران. وتم الإعلان عن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين رسمياً في عام 1944 .

على الجانب الإيراني ظل التدخل الأمريكي الذي أطاح بحكومة «مصدق» عام 1953، أحد المكونات الرئيسية للذاكرة السياسية للنظام الإيراني الجديد، والذي لم يستبعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية في أية لحظة بتكرار ذلك الدور نفسه. وقد كرّس التوجس الإيراني إزاء الولايات المتحدة قيام الأخيرة بدعم العراق عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، ثم قيامها بالتدخل في 1988، والذي أسفر عن ضرب عدد من المنشآت البترولية الإيرانية.

أما على الجانب الأمريكي فقد جاء غياب الشاه ليكشف ظهر الولايات المتحدة في منطقة الخليج، الأمر الذي جعلها تغير سياستها تجاه العراق نحو مزيد من دعم النظام البعثي، كما تجلى في الحرب مع إيران، وظلت واقعة احتجاز الرهائن الأمريكيين – التي أنهت حكم الرئيس كارتر – ماثلة في الذاكرة الأمريكية، ثم جاء دعم إيران لعدد من “التنظيمات الإسلامية” في لبنان وفلسطين.

زاد انهيار الإتحاد السوفيتي من التوجس الأمريكي؛ حيث صارت إيران رمزاً “للأصولية الإسلامية” التي رشحتها أمريكا وقتها لتكون العدو الجديد. وفي 1993 أعلنت الولايات المتحدة سياسة «الاحتواء المزدوج»، التي سعت إلى جعل كل من إيران والعراق أقل قوة منها في المنطقة. لكن طموحات إيران جعلت أمريكا تركز على دعمها للعراق واحتوائه أكثر من احتوائها لإيران، ثم انتهت حرب الخليج الثانية؛ فصار الجديد في تلك السياسة هو السعي لإضعاف الطرفين معاً.

وفي أوج حملة انتخابية رئاسية وتشريعية في أمريكا، كان الرئيس كلينتون قد أصدر في عام 1995 «قانون داماتو» ويفرض هذا القانون عقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعامل مع كل من ليبيا وإيران في مجال النفط والغاز، وتشمل العقوبات المنصوص عليها في القانون سبعة أنماط مختلفة من العقوبات الذكية.

اختلفت صورة العلاقات الإيرانية الأمريكية في 1997 على إثر فوز « محمد خاتمي » بأغلبية 70% في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وظل خطاب الولايات المتحدة الأمريكية الرسمي يستخدم مفردات تتهم إيران بكل الشرور، بل وتتناولها بدرجة عالية من الاستهانة والامتهان أيضاً، فقد كانت الولايات المتحدة تستخدم مثلاً تعبير «السلوك الإيراني» والذي يستخدم للإشارة إلى غير العاقلين وإلى الخارجين عن القانون، ومن ثَمّ لم يعد من الممكن لأمريكا الرسمية أن تظل تستخدم مثل تلك المفردات، خصوصاً أن الجالية الإيرانية كانت قد بدأت تنظم نفسها بشكل أفضل، وتستقطب عدداً من رموز النخبة السياسية الأمريكية؛ سعياً لإحداث انفراجة في السياسية الإيرانية، وقد حدث شيء من هذا واضح لا تخفيه العين.

ثم حضرت الضغوط القوية التي مارسها «اللوبي الصهيوني» في واشنطن على إدارة كلينتون والكونجرس؛ لوقف أية محاولة لتحسين العلاقات مع إيران، ولعلها من الأمور بالغة الدلالة أن الرئيس كلينتون كان قد أصدر قرارين تنفيذيين يفرضان عقوبات على إيران، إلا أن الأهم من اتخاذ القرارين كان حرصه على الإعلان عن كل منهما في اجتماع له مع إحدى المنظمات اليهودية الكبرى .

مع وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، أظهرت بعض الأصوات الإيرانية قلقاً بالغاً من التصريحات الأمريكية التي وردت على لسان الرئيس الأمريكي «جورج بوش» وعدد من أركان إدارته، والتي عدت أن العالم قد غدا الآن منقسماً بين معسكرين: معسكر التحالف ضد الإرهاب، ومعسكر الإرهاب، وبعبارة أخرى من ليس مع أمريكا والتحالف فإنه مع الإرهاب، ومن هنا عمدت إيران إلى التعبير الواضح على أكثر من مستوى عن إدانتها للهجمات على الولايات المتحدة، ورفضها للإرهاب بكل صوره وأشكاله، ففي كلمة لمرشد الثورة خامنئي أمام أهالي أصفهان في 30 أكتوبر 2001 قال: “إننا نشجب الإرهاب بكل أشكاله”. فقد أدركت طهران أن الولايات المتحدة جادة في تهديداتها خاصة بالنظر إلى أنها تضع إيران على قائمة الدول المتهمة برعاية الإرهاب الدولي.

وفي حرب الولايات المتحدة في أفغانستان في إطار ما تسميه بحربها على الإرهاب، كانت واشنطن بحاجة إلى مساعدة إيران في المراحل الأولى في حربها في أفغانستان، ولذلك سعت إلى حوار معها بكل الطرق وخاصة على المستوى الأمني، ولقد لعبت بريطانيا دور الوسيط في ذلك من خلال زيارة وزير خارجيتها «جاكسترو» لطهران .

وعلى الرغم من الإدانة الإيرانية للغزو الأمريكي لأفغانستان على لسان المرشد الأعلى خامنئي بقوله: “إننا نعارض الحملة الأمريكية على أفغانستان، ونرفض الدخول في أي تحالف تقوده أمريكا”، على الرغم من ذلك فقد قامت إيران بتقديم الدعم الميداني للولايات المتحدة في حربها ضد طالبان وتنظيم القاعدة، حيث وافقت في أكتوبر 2001 على المساهمة في إنقاذ أي قوات أمريكية تتعرض لمشاكل في المنطقة، وشاركت في الدعم العسكري لقوات التحالف الشمالي حتى سيطرت على كابول .

لكن هذا التقارب سرعان ما تلاشى، وذلك في ضوء كثرة الخلافات الأمريكية الإيرانية، سواء فيما يتعلق باستمرار الحظر الاقتصادي الأمريكي الشامل، أو الخلافات الإقليمية، إضافة إلى مواقف إيران تجاه إسرائيل، ودعمها « حركات المقاومة» اللبنانية والفلسطينية، ومما عمق من هذه الخلافات هو تصنيف جورج بوش في 29 يناير 2002 كلاً من « إيران والعراق وكوريا الشمالية » دولاً إرهابية تهدد السلام العالمي، وأنها تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل وتشكل خطراً تزداد حدته، ووصف الدول الثلاث بأنها «محور الشر» الذي يسلح نفسه لتهديد سلام العالم.

تعاملت أمريكا مع إيران بلغة صحراوية خشنة ، ليس فيها أي مجاملة، خلال ما يقرب من أربعة عقود، وفرضت على إيران عزلة سياسية واقتصادية خانقة. لكن الأمور تغيرت نسبياً في عام 2015 ، تزامناً مع محادثات جادة حول ملف إيران النووي ، وقد انهمكت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة لتطويق طموحات إيران النووية، هناك حدث الغزل السياسي من أمريكا والميوعة السياسية من إيران، لكن هذا كان حالة عارضة ومؤقتة وسرعان ما تعود العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى سابق عهدها من تباعد وجفاء .

 

المصدر: الهيئة السورية للإعلام – الكاتب والباحث السياسي عبد الناصر محمد

عن شباب بوست

انظر ايضا

صحيفةٌ أمريكيةٌ تكشفُ خفايا الوجودِ الإيراني وأهدافَه العميقةَ في سوريا

صحيفةٌ أمريكيةٌ تكشفُ خفايا الوجودِ الإيراني وأهدافَه العميقةَ في سوريا

أعلنت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إنّ “إخراج إيران من سوريا لن يكون سهلاً”، موضّحةً …

أميركا: سنعاقب الأسد ويجب أن يرى العالم العدالة تتحقق.. روسيا: نحذركم من تداعيات خطيرة

قالت نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، الإثنين 9 أبريل/نيسان 2018، إن الولايات …

الورقة الكردية في اللعبة الدولية!

 الورقة الكردية في اللعبة الدولية! مهند الكاطع ( خاص شباب بوست) [arabic-font]أولاً: بين إيران (الصفوية) …

اترك تعليقاً