Image processed by CodeCarvings Piczard

الدولة العلوية المزعومة، حقيقة أم خيال؟

لم يتوقف الإعلام العربي والغربي عن الترويج لفكرة أن حل النظام السوري الأخير هو الانسحاب للمنطقة الساحلية وإنشاء الدولة العلوية كحصن أخير يحميه مع الطائفة العلوية. هذه الفكرة أيضا نالت حظها من الدعم من قبل النظام السوري وإعلامه وإعلام حلفائه. دعم النظام كان من خلال استدعاء التوصيف الطائفي للثورة السورية من أول يوم للحراك السلمي من خلال عمله على الأرض حين تقصد وضمن خطة مدروسة تسريب الفيديوهات التي ترسخ مقولة “العلوية يقتلون في سوريا” بالإضافة لحرب الشائعات التي تتقنها المخابرات السورية. فكرة الدولة العلوية وما يستتبعها كما هو مفترض دولة سنية ودرزية وكردية على مساحة سوريا تستند أساسا للتوصيف الطائفي الغالب الآن على الإعلام سواء المدعي صداقة السوريين أو إعلام النظام السوري وحلفائه، وطبعا كلا الإعلاميين يسوق الفكرة موحيا أنه ضدها ويستهجنها أخلاقيا ووطنيا وحتى إسلاميا

لندع الآن نقاش التوصيف والتفسير الطائفي لما يجري في سوريا جانبا ونحاول الإجابة على السؤال المطروح: “هل الدولة العلوية هي خيار حقيقي قائم وممكن؟“. الإجابة على هذا السؤال تستدعي بالضرورة البعد عن المواقف العاطفية أو المتأثرة بالإعلام، لنناقشها وفق الحقائق الموضوعية المحيطة بسورية داخليا وخارجيا. في هذا المقال نتناول الموقف والمصالح الدولية دون الدخول بالعوامل المانعة لهذا الاحتمال داخل سوريا ذاتها.

الموقف الدولي والصراع المستعر حول وفوق سوريا هو العامل الأهم والمتحكم بشكل سوريا حتى الآن، خاصةً مع هشاشة أداء المعارضة السورية وتفرق حراكها الثوري داخل وخارج سوريا. الحقيقة الأولى تاريخيا أن الحراك الجيوسياسي للعالم محكوم بالصراع الأزلي على القوة والمال أي المصالح وليس محكوما بالقوميات أو الأديان بعمقه. والحقيقة الثانية أن نتائج أي صراع يصوغها المنتصر في هذا الصراع. فلو عدنا مئة سنة للوراء وقرأنا تغيّر الحدود السياسية بين الدول عبر العالم لوجدنا أنها دائما نتيجة مقايضات المنتصرين حسب قوة كل طرف، فمن ينظر للتقسيم السياسي لأوروبة قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها يصاب بالذهول كيف تحركت الحدود بين دولها متجاوزة كل التصنيفات الوطنية والدينية أو حتى اللغوية، فالنمسا تراجعت من دولة كبرى لدولة صغيرة. وألمانية انقسمت مدة أربعة عقود، بل حتى أن جنوب بولندا الحالية كان ألمانياً قبل الحرب. وكذلك يوغسلافيا وتشيكوسلافكيا ورومانيا وطبعا الاتحاد السوفيتي نفسه. ولو انتقلنا للقارة الآسيوية لواجهنا ألف سؤال حول الهند والباكستان وبنغلاديش إذا أردنا الاستسلام للتفسير الديني في تحريك الحدود السياسية.

إن احتمالية التقسيم في سوريا واردة ولكن فقط إذا انتصر الصراع الدولي فوق سوريا على ثورة الشعب السوري. وهذا التقسيم سيتبع بالتالي مصالح الدول المنتصرة وليس أحلام أو كوابيس الناس العاديين. فالسؤال هنا ما هي مصالح الدول المتحكمة بالصراع على سوريا؟

من الواضح أن سوريا الآن بين معسكرين قويين وشرسين، الأول هو حلفاء النظام ومقاد من قبل روسيا والصين ويضم إيران والعراق، والثاني هو ما يسمي نفسه أصدقاء سوريا ومقاد من قبل الولايات المتحدة الامريكية ويضم السعودية وقطر وتركيا بالإضافة لأوروبا الغربية. كلا المعسكرين يدافع أو يهاجم سعيا لتحقيق مصالحه ضمن الصراع الأضخم عالميا للسيطرة على السوق بعد أزمة 2008 المالية. فكلا المعسكرين يريد ضمان أن سوريا المستقبل لن تكون مع الآخر ضده. بما أن الوضع السوري المعقد ووجود إسرائيل ذات الأولية الاستراتيجية عند كلا المعسكرين منع حصول أي حسم عسكري في سوريا ومنع انتصار أي طرف بشكل نهائي، وبما أن المعارضة السورية مشلولة بنيويا لاسباب متعددة مما يمنع الشعب أو الثورة السورية من قول كلمتها فإن التسوية النهائية ستمر عبر غرف المقايضات والتفاوض بين هذه الدول والتي قد تؤدي غالبا لتقاسم “الكعكة السورية” فيما بينهم على حسب قوة كل طرف. للأسف الطرفان قويان بما يكفي لتصعيب شروط المقايضة لأن من يدفع الثمن الغالي هو الشعب السوري والذي يقع في آخر اهتمامات كلا المعسكرين.

المفتاح الأهم عند لجوء طاولة المقايضات الدولية للتقسيم هو مصلحة إيران وتركيا بحكم قربهما الجغرافي وبالتالي دعم روسيا والولايات المتحدة لحليفيهما. فالسؤال الأول، ما هي مصلحة تركيا في دولة علوية وسنية بسورية؟ بالواقع بالنسبة لتركيا فإن أولويتها منذ نصف قرن هي القضية الكردية المتداخلة مع سوريا وإيران والعراق، وثاني أولوياتها هي علاقاتها الإقتصادية. فلا ننسى أن روسيا هي أكبر شريك تجاري لتركيا خلال السنوات الماضية وإيران هي سادس أكبر شريك تجاري لتركيا عدا عن أن العراق بالسنة الماضية 2012 كان أكبر مستورد من تركيا. ضمن هذه المعايير فالمصالح التركية حساسة ضد أي دولة كردية وبنفس الوقت لن تسمح باهتزاز شراكتها التجارية مع روسيا وإيران.

نصل للعامل الأهم، ما هي مصلحة إيران إذا في دولة علوية؟ من السذاجة تصديق التفسير القائل أن إيران تتحرك سياسيا في أخطر وأهم بقعة بالعالم وفق نظرة دينية طائفية ضيقة وهي من أكبر دول المنطقة حجما سكانيا وإقتصاديا وتقنيا. الحاكم الذي يغلب المعايير الدينية أو الأخلاقية في سياساته -وفق الواقع التاريخي والموضوعي- على معايير المصلحة المادية هو حاكم فاشل بالضرورة، وليس حاكم إيران فاشلا بعد ثلاثة عقود من حكم هذا البلد الضخم نسبيا. تأتي قوة إيران ليس فقط من غناها المادي أو حجمها بل أيضا من تحالفاتها الإقليمية والدولية، ومصلحتها مع سوريا أساسا هي بسبب الجغرافيا وموقع سوريا، وخروج سوريا من هذا الحلف وخصوصا إذا انتقلت للمعسكر الغربي الخليجي هو أكبر هزيمة للنظام الإيراني الذي سيفقد بالتالي كل أياديه في المنطقة ويصبح محاصرا جغرافيا بين بيئات عدوانية ضده. بناء على ذلك فإن دولة علوية مخنوقة على ساحل البحر الأبيض المتوسط من ريف اللاذقية وجبالها إلى حدود حمص لا يشكل أي أهمية جيوسياسية لإيران ولا يقدم أي منفعة استراتيجية، بالواقع سيكون مجرد عبء مادي بدون أي مردود. المصلحة الإيرانية الواضحة هي في الحفاظ على “طريق سيارة” من إيران للعراق لسوريا للبنان لفلسطين وللبحر المتوسط والأردن، هذا الامتداد الجغرافي هو المتنفس الأساسي للنظام الإيراني ضمن الصراع المحتدم على الشرق الأوسط ووسط آسيا. وهما يمكننا الجزم أن إيران لا يمكن أن تتقبل وبالتالي روسيا والصين قيام دولة علوية محصورة بين الجبل والبحر.

السؤال، هل يعني ذلك أن التسوية مستحيلة بين هذه الدول إذا استمرت الحال كما هي في تشتت العمل الثوري نتيجة صراعات المعارضة السورية؟ بالواقع أن خيار توزيع مناطق النفوذ مطروح أكثر من التقسيم، لكن أيضا ضمن المدى الطويل يمكن للتقسيم أن يتحقق؛ بكل الأحوال الاحتمالان مناطان بمصالح الدول الفاعلة في سوريا، وحسبما هو ظاهر على الأرض من توزع عسكري واهتمامات استراتيجية لإيران وتركيا فإن التقسيم يسير نحو سيناريو إرضاء تركيا في بعض الشمال  وإبقاء الباقي مع النظام السوري وبالتالي بقاء سيطرة إيرانية على طريق السيارة من إيران لبغداد لدمشق فبيروت وعمان، حيث ستكون حلب هي بيضة القبان بمساومات توزيع السيطرة، وبهذا تتحقق مصلحة إيران التي ذكرناها سابقا ومصلحة تركيا بالسيطرة على الحراك الكردي، وبالتالي مصالح المعسكرين الشرقي والغربي. طبعا تبقى مصلحة إسرائيل مصانة ضمن هدوء جبهة الجولان مدة 40 سنة وضمان أن سوريا لم تتحول لدولة ديمقراطية مدنية تهدد مصالحها.

 

علاء الدين الخطيب

عن شباب بوست

انظر ايضا

خسر مواطنه في اللعبة فاتهم عراقياً بـ”المؤامرة”.. فريق إيراني يثير البلبلة في أولمبياد ريو

استدعيت قوات الأمن إلى قاعة رفع الأثقال الأولمبية، الثلاثاء 16 أغسطس/آب 2016، بعدما تعامل مسؤولو …

اترك تعليقاً