الجزيرة السورية – تاريخها .. جغرافيتها البشرية

دراسة : مهند الكاطع

  • نبذة مختصرة

لا شك أن بداية الحضارة الأولى كما أجمع معظم المؤرخون وعلماء الآثار بدأت من هذه المنطقة ، منطقة الجزيرة الواقعة بين نهر الفرات العظيم ونهر دجلة ، لقد عرفت هذه المنطقة أقصى ما توصل إليه الإنسان خلقاً وابتكاراً ، ففيها تم اكتشاف الألواح المسمارية التي أنشأت الحرف الأبجدي الأول في تاريخ البشرية ، وفيها اكتشفت أقدم سلاح أستخدمه الإنسان ، وفيها اكتشفت تماثيل تجسد حياة الإنسان ومعتقداته قبل آلاف من السنوات قبل ميلاد المسيح ، كل بقعة من أرض الجزيرة لا يكاد يخلوا من آثرأو تل يخفي تحته آلاف الأسرار عن حضارات توالت على هذه المنطقة ، كان أشهر حضاراتها سومر وأكاد وبابل وآشور وكلدان و ارام ،كما وقعت المنطقة تحت حكم الحيثيون الذين اسقطوا بابل واعقبهم الكوشيون ثم الميتانيون او الحوريون القادمون من القوقاز لكنهم بعد سنة 1700 ق.ب انتشروا في كل شمال الأناضول،  كما احتل الفرس هذه المنطقة في فترة من الفترات  .

إن الآثار الدالة على تلك الحضارات عديدة ، منها ما تم اكتشافه بواسطة الباحثين وعلماء الآثار الذين تهافتوا على المنطقة من كل أصقاع المعمورة ، ونبشوا تربتها لينقلوا للعالم مكتشفاتهم عن أقدم وأجمل الحضارات ، والتي تعكس مقدار الثقافة الإنسانية والحضارة العمرانية والفلسفة وتطور العلوم آنذاك, و جدير بالذكر ان محافظة الحسكة اليوم تظم 1043 تل اثري تعود معظمها للحقبة الاشورية

  • التسمية والحدود :

لقد ورد اسم المنطقة  [الجزيرة] في سفر التكوين باسم [ أرض شنعار][1] ، وسماها الكلدان [بيث نهر أواثا ]، وأطلق عليها اليونان اسم [ميزوبوتاميا ][2] والمؤرخ اليوناني بوليبوس [ 102-202 ق.م ] كان أول من استخدم هذا المصطلح ، ويقصد به الإقليم المحصور بين أعالي نهر الفرات ودجلة ومنابعهما ، وهو يرادف مصطلح الجزيرة الذي أطلقه البلدانيون العرب على الإقليم نفسه [3]، أما تسمية الجزيرة [بالفراتية] فقد ورد عند ابن خلكان[4] في معرض كلامه عن مدينة [دنيسر] حيث قال أنها مدينة [بالجزيرة الفراتية بين نصيبين ورأس العين] ، كما ورد عن القلقشندي[5] ، وابن خلدون في معرض حديثه عن منازل مضر[6] وتسميتها بالفراتية يعود إلى كون نهر الفرات يحدها من الشمال والغرب والجنوب ، وبذلك فهو يحدها من معظم أجزاءها [7] .

أن أفضل ما يمكن توصيفه في حدود الجزيرة الفراتية إذا ما استثنينا الحدود المصطنعة الحالية هو الاعتماد على الحدود الجغرافية الطبيعية المحيطة بها ، وهذا ما اعتمد عليه أغلب الجغرافيون العرب في توصيفهم لأقليم الجزيرة ، حيث يحدها من الشمال جبال طوروس وبعض منابع روافد نهر الفرات ، ومن جهة الشرق والشمال الشرقي نهر دجلة ، أما من الغرب والجنوب الغربي فيحدها نهر الفرات وبادية الشام ، وتشكل سهول أرض العراق حدوداً جنوبية لإقليم الجزيرة  .

  • أقسام وديار الجزيرة الفراتية :

جليّ بالذكر إن الجغرافيين والبلدانيون العرب قد قسموا الجزيرة الفراتية إلى ثلاثة أقسام ، تحمل أسماء القبائل العربية التي هاجرت إليها قبل الإسلام ، واستقرت فيها وفرضت السيطرة عليها كما سيأتي بيانه لاحقاً ، فكانت هناك ديار بكر وديار ربيعة وديار مضر أنظر الشكل [1]  ، وهناك من دمج ديار بكر بديار ربيعة[8] ، وعدها كلها ربيعة ، على اعتبار أن بكر هي واحدة من قبائل ربيعة[9].

الشكل [1] صورة توضح أقسام الجزيرة الثلاثة بحسب توزع القبائل وسيطرتها عليها

الشكل [1]
الشكل [1] صورة توضح أقسام الجزيرة الثلاثة بحسب توزع القبائل وسيطرتها عليها
وهذه الأسماء والتقسيمات بدأت تظهر عند الجغرافيون والبلدانيون العرب في القرن الثالث والرابع الميلادي ، ونجد أنها معروفة في صدارة الإسلام وأنها  كانت متداولة في ذلك الزمان بشكل واسع ، فقد جاء في  نص الرسالة التي أرسلها الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب لقائد جيوشه في الشام أبو عبيدة ابن الجراح بعد العزم على فتح إقليم الجزيرة ما نصه ))……. فإذا قرأت كتابي هذا فاعقد عقدا لعياض بن غنم الأشعري وجهز معه جيشا إلى أرض ربيعة وديار بكر ….. ))[10]  .

فمنطقة ديار بكر هي أصغر أقسام الجزيرة الثلاثة وأقصاها إلى الشمال ، وكانت مدينة آمد هي المدينة الرئيسية في هذه المنطقة ، أما منطقة ديار مضر فهي بمحاذاة نهر الفرات وتمتد لتشمل كل السهول التي يرويها البليخ ، وهو أحد روافد نهر الفرات وينبع من عين الذهبانة من أرض حران[11]، ويصب في الفرات في أسفل مدينة الرقة ، والتي تعد أكبر وأهم مدن ديار مضر [12] . وتقع ديار ربيعة جنوب ديار بكر وشرقي ديار مضر ، وتشغل المنطقة شرقي نهر الخابور ، أما منطقة ديار ربيعة فإنها تشمل الأراضي الممتدة على ضفتي دجلة من تل فافان حتى جنوب تكريت ، وهي المنطقة التي يرويها الزاب الأعلى والزاب الأدنى ، وأهم مدن هذه المنطقة هي الموصل[13] وقصبتها نصيبين التي يقابلها  [القامشلي ]و المبنية لاحقاً بعد تقسيم الحدود في الأراضي  السورية كما سيأتي ذكره لاحقاً، جاء في كتاب معجم ما استعجم ما نصه [ ديار ربيعة: تضم عدّة كور، منها كورة نصيبين، وكورة قرقيسيا، وكورة رأس عين، وكورة ميّافارقين، وكورة آمد، وكورة قردى، وكورة ماردين، وكورة سميساط، وكورة بلد، وغيرها؛ وهى كلّها بين الحيرة والشام.][14]وحالياً تم ضم نصيبين وماردين و القسم الشمالي من الجزيرة الفراتية [ديار بكر] إلى أراضي الدولة التركية بعد الحرب العالمية الثانية بموجب اتفاقية أنقرة عام 1921 بين فرنسا والحكومة القومية التركية مقابل اعتراف تركيا بالانتداب الفرنسي على سوريا، والشكل [2] يوضح رسم لإقليم الجزيرة منذ ألف عام تقريباً مأخوذ من كتاب صورة الأرض لمؤلفه محمد بن حوقل الموصلي المتوفى 367 هجري ،

الشكل [2]

ويلاحظ من خلال هذه المخطوطة تسمية أقاليم الجزيرة بأسماء القبائل العربية المسيطرة عليها ، والتي لولا استقرارها المبكر مع وفرة أعدادها وغلبتها وتأثيرها الثقافي والاجتماعي لما استطاعت أن تحظى بهذه المكانة والأهمية ، بحيث يتم تسمية الأقاليم على اسمها ، ومازالت مدينة ديار بكر شاهدة حتى يومنا هذا على تلك التسمية .

]
والشكل [2] يوضح رسم لإقليم الجزيرة منذ ألف عام تقريباً مأخوذ من كتاب صورة الأرض لمؤلفه محمد بن حوقل الموصلي المتوفى 367 هجري
  • الوجود العربي وقِدَمِه في الجزيرة الفراتية :

لا شك أن سكنى القبائل العربية في الجزيرة الفراتية لا يقتصر إلى تاريخ ربيعة وبكر ومضر والتي كانت قبل الإسلام ، بل  يعود إلى عدة قرون قبل ظهور الإسلام كما أسلفنا ، وقد اعتنقت الكثير من القبائل العربية النصرانية في الجزيرة الفراتية [15]  ، وتدل أسماء المواضع قبل ذلك التاريخ لقدم العرب في المنطقة ، كموضع باعربايا او بيث عربايا [16] في المصادر السريانية ، وهو أسم لثلاثة مناطق يسكنها العرب وأخصها مدينة نصيبين [17] . وأطلقت المراجع الفارسية أسم [عربستان] أي بلاد العرب على منطقة نصيبين ومحيطها ، وأطلق كذلك الجغرافي المعروف سترابو [25ميلادي] اسم بلاد العرب على مناطق الجزيرة في جنوب المناطق الجبلية الكردية [18]  ناهيك عن الأسماء اللاحقة في صدر الإسلام لمناطق الجزيرة كما اسلفنا في ذكر ديار ربيعة وديار مضر وديار بكر ، كانت الهجرات البشرية كجماعات أو افراداً ظاهرة عامة في الشرق ، وكانت تلك الهجرات تتم أحياناً ببطئ بحيث لا تحدث أي حساسية ، وأحياناً واضحاً يؤدي إلى حروب ونزاعات ، لكن المؤكد انها لم تتوقف ، ولا شك أن الجزيرة العربية كانت مصدراً للأقوام القديمة التي استوطنت الجزيرة الفراتية منذ الألف الرابع قبل الميلاد ، ومنهم الآراميون ، الذين استوطنوا الجزيرة ومناطق اخرى في سورية وشكلوا ثقلاً بشرياً وحضارياً مميزاً في الجزيرة الفراتية [19].

وتعد سنة 612 ق.م والتي سقطت فيها نينوى وزالت فيها دولة الآشوريين بداية لهجرات عربية أخرى ضخمة إلى الجزيرة الفراتية ، وامتدت تلك الهجرات شمالاً إلى نصيبين وديار بكر ، وإلى ما وراء الرها [ أورفا الحالية] وأنطاكية ، حتى صارت الأقاليم الشمالية لما بين النهرين تسمى [عربايا][20] ، وقد أقامت القبائل العربية آنذاك إمارات مستقلة في الجزيرة ، ومنها إمارة الحضر والتي حكمتها سلالة عربية لمدة ثلاث قرون متواصلة ، وحكمها أميراً عربياً اسمه (سنطروق) ، ورد ذكره في نقوش اكتشفت هناك ، نصت على أن أباه يدعى نصراً وأن لقبه ( ملك العرب)[21]ويذكر الطبري بأن حكام هذه الدولة كانوا من قبائل قضاعة [22].

  • التغيرات الديموغرافية في الجزيرة الفراتية مع نهاية القرن التاسع عشر

الجزيرة الفراتية بحدودها الحالية باتت مقسمة بين تركيا الحالية وسوريا وجزء في العراق ، و بحسب المعجم الجغرافي يبدأ القسم الأول من حدود معاهدة لوزان عند جنوب بانياس حتى [محطة الراعي [جوبان بكوالقسم الثاني يبدأ من محطة الراعي إلى نصيبين، وفي هذا القسم تفصل الجزيرة السورية عن تركيا، واعتمدت سكة حديد قطار الشرق السريع الخط الحدودي الفاصل بين سوريا وتركيا، وهكذا تكون تركيا قد غنمت بهذه الحدود قسما كبيرا من أراضي الجزيرة الفراتية الخصبة[23]وأما القسم الثالث فيمتد من نصيبين وجزيرة ابن عمر على نهر دجلة وترك جزيرة ابن عمر ونصيبين داخل الحدود التركية. وبتقسيم الحدود بهذا الشكل انقسمت الكثير من العشائر العربية البدوية والحضرية إلى قسمين: قسم بقي داخل الحدود السورية والقسم الآخر أصبح داخل الحدود التركية. أنظر الصورة [1] و لقد تعرض عرب تركيا لسياسة التتريك التي اتبعتها الحكومات التركية المتعاقبة فبدلت أسماء القرى والبلدات وأسماء العائلات إلى أسماء تركيه ومع هذا فما زال معظمهم يتكلم اللغة العربية وان كان قد دخلها الكثير من الألفاظ التركية.[24]

لذلك عندما نتحدث عن بداية القرن العشرين فيجب أن ننوه  عن اي قسم نتحدث ، وحديثنا يتعلق بالجزيرة الفراتية [القسم السوري] ، والتي ما تزال تحتفظ بهذا الأسم ، فالناظر إلى الجزيرة الفراتية اليوم وخاصة إلى محافظة الحسكة والتي يمر فيها نهر الخابور فسيجد أن هناك تنوعاً قومياً هائلاً قد حدث في تلك المنطقة المسماة بديار ربيعة سابقاً ، فنجد أن هناك بالإضافة للقبائل العربية الموجودة بالاصل أو القبائل اللاحقة التي هاجرت إليها منذ بضعة قرون فأن هناك قوميات أخرى لم تكن موجودة في السابق في هذه السهول ، فنجد أن هناك أكراداً وأرمن وتركمان وشيشان وبعض الشركس ! إضافة إلى ذلك تزايد عدد الآشوريين والسريان الذي كان يرتكز وجودهم في السابق في منطقة طور عابدين وماردين والمناطق المحيطة بها ، فكيف حدث كل هذا التطور في هذا التنوع القومي والديني والديموغرافي وكيف حدثت كل تلك الهجرات  ؟!!
والإجابة على هذا السؤال أصبحت ضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى ، خصوصاً وأن القوميات التي لم تكن موجودة قبل القرن العشرين في الجزيرة وخاصة القومية الكردية التي كانت تسكن الجبال المحاذية للجزيرة من الشمال ، حيث أزدادت كثافتها في المنطقة بعد الهجرات الكثيفة التي شهدتها المنطقة نظراً لظروف الحرب في الجوار التركي ، وبدأت تحاول لعب دور سياسي والتي لا ننكر حق اي مكون بلعب أي دور سياسي وطني ، بيد أن الأمر تعدى  لعب دور سياسي منه إلى محاولة تزوير بعض الحقائق التاريخية حول تاريخ المنطقة أو تاريخ وجودهم من قبل بعض المتعصبين الأكراد، وإدعاء ساستهم وبعض مثقفيهم بأنهم اقدم الشعوب التي عاشت على هذه الأرض ، وأن باقي القوميات من عرب وغيهم هم مستوطنين ووافدين طارئين على المنطقة ! وبذلك لهم الحق بإقامة كيان قومي لهم على أرض الجزيرة الفراتية ، على أعتبار انها جزء من وطن قومي تم تقسيمه ضمن إتفاقية سايكس بيكو كما يتم الترويج له ، وكل ذلك ينافي الحقائق والتاريخ ،  لا بل وينافي العقل والمنطق ، لذلك سنولي الموضوع الكردي جانباً مهماً في دراستنا وسنوضح مراحل هذا التطور السياسي بشكل مفصل ، وسنركز عل الخطاب السياسي الكردي نظراً لكونها القومية الوحيدة التي تجاوزت مطالبها ما يمكن أن نعتبره مطالباً تهدف للتعايش المشترك أو الحقوق المشروعة التي ندعمهم في الحصول عليها لما نكنه من حب وأحترام لهذا المكون الذي ما يجمعنا معه أكثر مما يفرقنا عنه ،  وحرصاً منا على توضيح الحقائق وتسمية الأمور بمسمياتها ، خاصةً ونحن نعيش في خضم ربيع ثورات عربية ومخاض عسير لولادة دولة مدنية ديمقراطية يجب أن نساهم كلنا كأبناء منطقة واحدة  في أن تكون هذه الولادة سليمة ، وأن لا يأتي المولود ميتاً أو مشوهاً عبر نشر لغة عنصرية تدعوا للأنفصال والتقسيم ونبذ الآخر وإقصاءه أو تخوينه او الأنتقام منه،  أضف إلى ذلك عدم وجود أي ظروف موضوعية مناسبة لتلك المطالب الأحادية الجانب ، فلا ظروف سياسية أو تاريخية أو جغرافية أو حتى ديموغرافية تدعمها .

وقبل الخوض في تلك المطالب والحالة السياسية التي وصلت إليها اليوم منطقة الجزيرة الفراتية لا بد أن نعرج على مسار الأحداث منذ القرن التاسع عشر على الأقل ، حتى نفهم الأحداث كما هي ونستطيع معالجة ما نحن بصدده من جميع الجوانب. وحتى تكون نتائج دراستنا موضوعية وتعتمد الأسلوب العلمي الممنهج في طرح المسائل الإشكالية وتقديم رؤية محايدة في هذا المجال تضع المصالح المشتركة والرغبة في التعايش مع جميع المكونات في أول أولوياتها.

  • هجرة الأثنيات والقوميات إلى الجزيرة الفراتية :

بدأت هجرة القوميات ونزوحها إلى مدن الجزيرة الفراتية منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر وأستمر حتى النصف الأول من القرن العشرين ، فلقد بدأت الهجرة الشيشانية، على شكل جماعات منظمة، بقيادة زعماء قبليين أو دينيين، مثل شيوخ الطرق الصوفية، منذ عام 1865. وكانت أفواج المهاجرين تتوجه بداية، إلى الدول المجاورة، خاصة تركيا، التي كانت تتزعم العالم الإسلامي، ومنها تستأنف رحلتها إلى الدول الأخرى، خاصة بلاد الشام.[25]  بينما بدأت هجرات الشركس عام 1878م واستمرت حتى عام 1912 م واستقرت معظم افواج الشركس في الأردن [26]  أما هجرة الأرمن فكانت نتيجة الأقتتال الحاد في أطراف الدولة العثمانية والتي نال الأرمن جزء كبير منه بين عامي 1914-1915م وكان حصيلته ألاف القتلة من الأرمن [27]  ، وغير بعيد عن تلك الأحداث وتلك الظروف والفترة الزمنية فقد تعرض السريان والآشور والكلدان في تركيا للاضطهاد فيما عرف بمذابح سيفو وتعرف كذلك بالمذابح الآشورية أو مذابح السريان ، تطلق على سلسلة من العمليات الحربية التي شنت ي منطقة الأناضول  بمساعدة مجموعات مسلحة كردية شبه نظامية استهدفت مدنيين آشوريين/سريان/كلدان أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى[28]  مما دفعهم أيضاً للهجرة وخاصة من أزخ وجبل طور عابدين وسهل نينوى ، حيث يذكر أن ثلث سكان سهل نينوى من الآشور والسريان تم تهجيرهم إلى سوريا . أما الأكراد فقد بدأت هجرتهم الجماعية سنة 1926م بعد فشل ثورة الشيخ سعيد الكردي ، وبعد قمعهم من قبل الجيش الأتاتوركي الحديث مما دفعهم إلى النزوح إلى سوريا مع طول الشريط الحدودي ، وخاصة إلى الجزيرة [29]، وسيأتي ذكره بشكل مفصل.

 

 

 

  • الأكراد والموطن الأصلي:

دون الخوض في النظريات التي تتحدث عن أصل الأكراد ، والتي لم ينتهي الجدل بين علماء الأجناس البشرية (الانثروبولوجيا) من حسم موقف حيالها ، بحيث يمكن أعتماد إحدى النظريات  بناءً على دراسة علمية موثقة ، لكن سنتحدث عن ماهو أهم ، وما يمكن أعتباره حقائق مثبتة وفقاً للمراجع التاريخية المتنوعة، سواء في الدراسات الأستشراقية أم في المراجع العربية أو في كتب الرحالة، وسنورد كل ما نستطيع أن نوثقه من معلومات حول دراستنا هذه التي تركز على اصل التنوع القومي وجذوره في الجزيرة الفراتية في القرن العشرين والواحد والعشرين.

عاش الأكراد في الجبال الواقعة بين أرمينيا وبلاد مابين النهرين منذ القدم ، وقد عاشوا هناك في صورة مستقلة منقسمين إلى قبائل ، كما لم تكن روح الوحدة الشعبية على جانب كبير من القوة والتماسك لديهم[30] وتوضح الدراسات التاريخية أن الأكراد لم يتحدوا على مسرح التاريخ أسوة بشعوب اسيا الرحل مثل المغول أو نصف الرحل كالعرب ، ومعظم الأكراد كان يعترفون بالسلطة العليا لدولة من الدول الكبرى : الفارسية ، التركية ، الروسية [31] ، وهذا يعود لكون الأكراد من الشعوب التي تجمعهم التحالفات القبلية وتفرقهم ، دون النظر إلى عرق أو قومية ، ويتشابهون بذ1لك مع القبائل العربية الغير مستقرة ،  اضف إلى ذلك أنه لم تجمعهم لغة واحدة مشتركة ، ولم يعبروا عن لغتهم بكتابة ( وهذه أيضاً من صفات المجتمع  البسيط ) كما يقول المؤرخ الكردي الأستاذ الدكتور عمر ميران ، وبدأ الأكراد بالكتابة بعد دخول الإسلام حيث أخذوا منه الأحرف العربية ليكتبوا بها لغتهم وليحموا تراثهم [32]

ومعلوم أن جميع الأمم التي أنشأت حضارات وجيوشاً ودول قد أحتفظت بمعالم تلك الحضارات حتى وقتنا الحالي ، فها نحن نجد بجوار مسكن الأكراد في جبال شمال العراق  آثاراً وشواهد قائمة بذاتها تتحدث عن الحضارة الآشورية ، وهاهي آثار الآراميين في الجزيرة الفراتية ، وهاهي آثار العرب في بعربايا والنقوش التي حفظت أسماء ملوكهم شاهدة عليهم ، وبما أن موطن الأكراد الأصلي  هو التضاريس الجبلية الوعرة فحتماً كانت هذه التضاريس ستحافظ على معالم أي حضارة محتملة لهم فيما إذا كانت موجودة ، فالشعب الكردي لم يشكل أي دولة لها معالم حضارية مؤثرة  كما يصفه الدكتور عمر ميران حين يقول : [[ شعبنا الكردي لم يكن له تأثير مباشر وغير مباشر في أو على الأقوام المجاورة له ! ولا على الشعوب والأمم الأخرى في العالم ، وهذه هي الصفة الأساسية الأولى للشعوب البسيطة والمنعزلة عن محيطها الخارجي المجاور]] ،  ويعزز هذا كله ما ذكره المستشرق الروسي [ 1828-1884] في كتابه دراسات حول الأكراد ما نصه : [[ الأكراد اينما ظهروا تحت هذا الاسم ، لم يشكلوا دولة موحدة قائمة بذاتها تضم كافة الأكراد ، وإن أهميتهم مرتبطة بأهمية تلك الشعوب التي كانوا على أتصال معها ]][34] ، وأنا اقول بأن الشعب الكردي شعب حي وصافي الذهن ويمتلك من القدرات ما تجعل ابناءه يظهرون في الصفوف الأولى في التقدم والتطور ، إلا أن انعزالهم  عن بقية الشعوب تاريخياً بسبب طبيعة تواجدهم الجغرافي هو ما أدى إلى عدم تطور هذا الشعب في تلك الحقبة ، ودائماً الحضارات البشرية لا تتكون ولا تتطور إلا بالتنوع والتواصل مع الآخرين.

لقد كانت القبائل الكردية تستمر بالرحيل بين الفينة والأخرى عن مواضعها الجبلية ، وتنزل السهول المجاورة ، ويذكر المستشرق الروسي ليدخ أن هناك مجموعة من العشائر الكردية التي تتنقل شرق نصيبين وجبل طور عابدين وحوالي ماردين ، وذكر أنها عشائر رحل غير مستقرة وأورد عدد خيام الشعر لكل قبيلة منها ومكان وجودهاليدخ  .

من المعلوم أن  الأكراد من المحاربين الشجعان ، و قد حاولت الأمبراطوريات المتنازعة في المنطقة كالفرس والأتراك أستمالتهم في العديد من الحروب كلٍ إلا جانبه لما يعفون عن ضراوة في القتال وبسالة ، والأكراد  يدينون بالإسلام ، القسم الأكبر على المذهب السني وبعضهم على  المذهب الشيعي وبعضهم ذو معتقدات خاصة يسمون اليزيدية ويسكن هؤلاء في جبل سنجار ومنطقة الشيخان غرب العراق ، وقد برز الأكراد في العصر الإسلامي من خلال دولة كبرى كانوا هم مؤسسيها وهي الدولة الأيوبية ، إلا أنها كانت مبنية على اساس الإسلام ولم يكن آنذاك أي شعور قومي في ظل دولة إسلامية وحدت الشام ومصر ، وتمكنت من إسقاط لدولة العبيدية الإسماعيلية وإقامة الدولة السنية وفتح بيت المقدس [35]  .

 

  • بداية نشوء الفكر القومي الكردي :

بدأت هستيريا الأفكار القومية تنتشر في الشرق الأوسط مع بدايات القرن التاسع عشر ، وبدأت بوادر نشوء فكر قومي عربي يسعى للاستقلال عن الدولة العثمانية في تلك الفترة ، كما أن الدول الأوربية المهتمة أساساً بزعزعة الدولة العثمانية آنذاك بدأت تحتك أيضاً بالأكراد في مناطق تواجدهم بين تركيا وايران ، وذلك عن طريق بعض القنصليات وأهمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأمريكية ، وقد لعبوا دور هام في مهمة تحريض العشائر الكردية آنذاك ضد الدولة العثمانية لكي يحصلوا على مزيد من الامتيازات ، وبغية أحداث قلاقل في الدولة العثمانية ، وكانت الظروف النفسية مهيئة لتلك العشائر ، وخاصة في  تلك المناطق التي تم تقسيمها ضمن أتفاقية [[أماسيا]] سنة 1555 م بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية ، في الوقت الذي كانت تنعم فيه بعض تلك المناطق بنوع من الامارات المستقلة المشغولة بتنظيم شئونها الداخلية قبل عام [1514م][36]، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م لم يكن للأكراد مصلحة فيها ، وبرغم ذلك وجد الأكراد أنفسهم وقد جرفتهم أحداث الحرب للاشتراك في القتال على الجبهتين : القوقازية والعراقية ،  حيث انضم الأكراد إلى جانب تركيا في الحرب ، حيث تمكن الاتراك من توجيههم لقتال الارمن والآثوريين [ الآشوريين] الذين اعتبرتهم الدولة التركية بأنهم خانوها ، وتمردوا عليها ، وأنضموا إلى جبهة الحلفاء المعادية .[37].

  • لمحة تاريخية عن أكراد الجزيرة.

تعتبر مسألة النزوح الكردي من أهم المسائل في هذه الدراسة ، ويجب التركيز عليها لأنها مقدمة سنبني عليها ايضاً دراسة ميدانية تتحدث عن التوزع الديموغرافي والقومي الحالي في محافظة الحسكة  ، كما سنتحدث عن موضوع تطور الخطاب السياسي الكردي في القرن الواحد وعشرين .

لقد بدأ النزوح الكردي إلى منطقة الجزيرة الفراتية بشكل جليّ وواضح في عشرينيات القرن المنصرم ، وذلك على أثر اندلاع ثورة الشيخ سعيد بيران الكردي [النقشبندي] في شرق البلاد ، والتي سرعان ما فشلت ، مما دفع بأعداد كبيرة من الأكراد إلى النزوح إلى الأراضي السورية الكائنة تحت الأنتداب الفرنسي في ذلك الوقت ، وترتسم بعض صور ماجرى آنذاك ما جاء على سبيل الذكر في الخبر المنشور في مجلة لغة العرب العراقية في عددها 54 الصادر في تاريخ 1-12-1927م  مانصه [[أرسلت الجمهورية التركية في شهر ك1 من السنة المنصرمة ثلاث طيارات مع قوة كبيرة كانت في ديار بكر للتنكيل بالأكراد التابعين للشيخ سعيد الكردي المشهور بفتكاته والساكنين في قضاءي [حيني] ،فمثلت تلك القوة بأهالي القضاءين وقتلت من وجوههم وأماثلهم نحو اثني عشر ثم جالت في تلك القرى وقتلت زهاء 300 من السكان، وقبضت على كثير منهم وأفرغت نحو 80 قرية من سكانها وأحرقتها بعد أن سلبتها مواشيها وأرسلتها إلى ديار بكر فبيعت فيها.

في تلك الأثناء هرب أخو الشيخ سعيد ومعه نحو 200 رجل وقراب 40 امرأة من عشائره. فلجئوا إلى أراضي سورية، وكانت الطيارات في أثرهم تتعقبهم وتقذف قنابلها عليهم. ولم تزل بقية الطيارات تتقفاهم حتى رأس العين فلاذوا حينئذ بحكومة سورية وأنقطع تأثر الترك لهم، إذ قُبِلَت (دخالتهم) وأسكنتهم الحسكة ]] وبهذه الصورة استمرت الهجرات إلى هذه المنطقة من الحدود التركية إلى الجانب السوري ليتوزع الأكراد في قرى ومدن ناشئة على طول الحدود التركية السورية وفي أعماق تصل أحياناً لأكثر من عشرين كيلوا متراً داخل الأراضي السورية ، فقد نزحت على سبيل المثال عشيرة الفيركان برئاسة حاجو آغا بأكملها إلى منطقة قبور البيض [القحطانية] داخل الأراضي السورية سنة 1926م ، وقد ساعدهم الفرنسيين على التمدد نحو الجنوب واستيطانهم في كثير من المساحات الشاسعة ، كما يؤكد على ذلك القيادي الكردي حميد درويش حيث يقول [[أما في ظل الانتداب الفرنسي على سوريا حيث خفت  وطأة النزاعات العشائرية و ضعفت هيمنتها خاصة عشيرة شمر …. وقد هيأ هذا الوضع الجديد في ظل الانتداب الفرنسي أمام المواطنيين الاكراد كما أمام غيرهم لان يتوسعوا نحو الجنوب و يشيدوا قرى جديدة ]]

مع نزوح السريان والآشور إلى مناطق الجزيرة قادمين من طور عابدين وآزح وغيرها من المناطق التي تعرضوا فيها للذبح والتشريد ، فقد قامت أيضاً حكومة الانتداب الفرنسي باسكانهم ، وقد قامت بترحيل بعض العشائر العربية كالشرابيين مثلاً من منطقة الخابور إلى مناطق نائية في الجنوب وجاءت بالآشوريين مكانهم ، وعلى هذا النحو كان الفرنسيين يشجعون تداخل القوميات  لحفظ التوازن بما يخدم مصالحها أو لأشغال المنطقة بأي صراع قومي عندما يتهدد أمنها ، وقد تطور الموقف السياسي الكردي بشكل لافت في نهاية الخمسينات ، إذ شكَل حركة قومية كردية ذات طابع قومي ، وتزامن ذلك مع ذروة ممارسة العمل القومي العربي المتمثل بالعمل في إطار الأحزاب القومية العربية  البعثية والناصرية ، وقد تمثل الحراك القومي الكردي بولادة حزب قومي كردي أطلق عليه [ الحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية لعام 1957م ، وكان أبرز مؤسسيه عثمان صبري ، وكان شعاره [[ توحيد وتحرير كردستان]] كما يقول صلاح بدر الدين ، وفي تشرين الأول عام 1962م أصدرت الحكومة السورية مرسوماً تعلن بموجبه أن كل من لا يقدم اثبات ووثائق أنه كان يعيش في سوريا قبل سنة 1945م على اقل تقدير تسقط عنه الجنسية ، إذا أنه بعد موجة الهجرة الأولى بين عامي 1925-1927 فقد تدفقت موجة هجرة كبيرة بين عامي 1945-1962م ، وحتى نعرف حجم هذه الهجرة لك أن تتخيل بأن عدد سكان الجزيرة كان سنة 1943م 146.001 نسمة وفق السجل المدني السوري ، وبلغ سنة 1959م (قبل قانون الأحصاء) 293.140 نسمة ، مما يشكل نسبة زيادة تقدر بــ 100% خلال 16 عاماً فقط ، وبمعدل 6.25% سنوياً !!!

وقانون الإحصاء رغم تحفظي عليه وعلى نتائجه التي أنعكست سلبياً على الواقع الإنساني للعديد من الأسر والعوائل التي حرمت من كثير من حقوقها الإنسانية ، لكن أنوه أن القانون تم تسييسه في الخطاب الكردي السوري ، و أتخذ منه الأكراد حجة ليصرخوا أمام العالم أن هذا القانون ظلمهم وجائر بحقهم، وبالغوا في الأراقم التي تم تجريدها بموجب هذا القانون من الجنسية ، التي وصلت عند بعض المبالغين إلى 400 ألف ، وفي سنة 2011 تزامناً مع أنطلاق شرارة الثورة السورية ، حاول النظام السوري كسب الأكراد من خلال استصدار قانون يسمح بموجبه منح الجنسية السورية لكل كردي أجنبي ، وفتح المجال لمن هم خارج القطر أيضاً بالحصول على الجنسية ، وقد بلغ عدد المسجلين الذين حصلوا لاحقاً على الجنسية حوالي مئة ألف شخص، الأمر الذي يظهر بوضوح المبالغات في الارقام التي يستخدمها الساسة الأكراد لأجندات سياسية ، وما كان استصدار القانون في تلك المرحلة إلا نتيجة لتفاقم موجة الهجرة من تركيا إلى سوريا وخاصة بعد أصدار قانون الأصلاح الزراعي في سورية رقم 61 لسنة 1958م الذي كان يوزع الأراضي على الفاحين الأكراد والعرب دون النظر لقوميتهم ودون أدنى تمييز ، بعد الأستيلاء على أراضي الملاكين العرب  (الإقطاعيين) وتوزيعها على الفلاحين ، وكان المستفيد الأكبر من هذا القانون الأكراد والأقليات الأخرى التي لم تكن تملك أراضي في المنطقة ، وقد تم أستغلال بعض ضعفاء النفوس من دوائر الأحوال المدنية في المحافظة لاستصدار شهادات ميلاد لإثبات هوية سورية لبعض المهاجرين من الأراضي الدولة التركية الحديثة ، فتم استصدار ذلك القانون لوقف بحر التدفق البشري على المنطقة،  وهذا كما أسلفت ليس دفاعاً عن ذلك القانون ، لكنها حقائق يجب أن نوضحها للقارئ بغض النظر عن موقفي السلبي من ذلك القانون.

لا شك أن كثير من الجدل دار في السنوات الأخيرة حول الأكراد ، وخاصة بعد حرب الخليج الثانية ، سنة 1991 والتي حصل بموجبها حظر طيران ليتمكن الأكراد من إدارة إقليم شمال العراق [كردستان العراق] ، والمبني أساساً على أتفاق بين الحكومة العراقية والأكراد سنة 1970 منحت بموجبه الحكومة العراقية حكماً ذاتياً وحقوقاً قومية للأكراد لم تمنع من نشوب أقتتالات بين الطرفين أنتهت بفرض منطقة الحظر[38]

الخطاب القومي الكردي في سوريا تأثر كثيراً في الخطاب الكردي في العراق ، ويحاول الأكراد في سوريا تكرار سيناريو المشهد العراقي دون الأخذ بعين الاعتبار أن الواقع في سوريا مختلف تماماَ عن العراق ، ومن مظاهر تكرار ذلك السيناريومسألة تزوير الحقائق ، ففي الوقت الذي يتهم فيه الأكراد السلطة بتعريب المنطقة ، والذي قد يكون حدث في حالات استثنائية لبعض القرى ! إلا أن الأكراد يمارسون الأسلوب نفسه ، وذلك من خلال محاولة تكريد مدن تاريخية وضعت أسمها وبصمتها في التاريخ ـ وعلى سبيل الذكر مدينة رأس العين التي عرفت بهذا الإسم القديم منذ صدر الإسلام وقبله ، قاموا بترجمتها ترجمة حرفية إلى الكردية [ سري كانيه] وإدعاء أن هذا اسمها دون أي دليل قديم أو حديث !!! ، وحتى الحضارات القديمة والتي يمثل أكتشافها وفك رموزها وتسجيل بياناتها على مستوى العالم موضوع لا غبار عليه ، ولا مجال للتلاعب فيه ، فقد حاول القوميين الكرد تغيير أسماء تلك الحضارات وتزوير معلومات عنها في خطوة تثير الشفقة على المستوى الذي وصل إليه هؤلاء، فمثلاً حضارة تل حلف والتي أكتشفها عالم الآثار الألماني ماكس فون أوبنهايم ، أنظر الصورة [1] وعرض الكثير من مكتشافتها في معارض في باريس وبريطانية والتي  ما تزال تزخر بالكثير من آثار تلك الحضارة ، بحيث أصبح معلوماً لكل العالم أن تلك الحضارة عاصمتها واشوكاني ، لكن الأكراد يتعمدون كتابة [باش كاني] في مقالاتهم ! والتي تعني بالكردي النهر الجديد ـ!

الصورة 2
الصورة [1] احد ابناء القبائل العربية مطلع القرن العشرين في تل حلف والذي عمل في فريق اوبنهايم

لم يقتصر التزوير على المدن التاريخية والحضارات القديمة ، بل تعداها ليشمل مدن حديثة كمدينة القامشلي والتي دونت في محاضر الأرشيف الفرنسي جميعها بأسم (القامشلية) كما تلفظ عند العشائر العربية ، فبدؤوا يحرفون أسمها إلى قامشلو بتكلف واضح على الحرف العربي ، !! إذا أننا نعلم جيداً بأن الأسماء في اللغة الكردية غالباً ما يتبعها اللاحقة ( و) كأن نقول محمدو وعثمانو بدلاً من محمد و عثمان ، إلا أن ذلك يجب أن يصاغ عندما نكتب الأسم بالكردية ، اما وأن نستخدم الحرف العربي ، وبوجود تسمية عربية فمن التزوير أن يحاول البعض إطلاق أسم غير أسمها الحقيقي والتاريخي ويعيد سياسة الأنظمة التي فرضت أسماء قومية على القرى العربية والكردية والآشورية منذ سنة 1957 ! في عصر المد القومي العربي ، والكثير الكثير من تلك الممارسات . و كلمة القامشلي بدورها تركية وتعني مدينة القصب او بلد القصب. وقد أنشئت مع بداية القرن المنصرم، وبالضبط سنة 1928 م أنظر الصورة [2] ، فسكنها في البداية الحاج حسين المكطف من قبيلة حريث ، حيث كانت قبائل طي منتشرة في تلك المنطقة بكثافة منذ عصور ما قبل الإسلام[39] ، ثم جاءها مجموعة من المهاجرين والمسيحيين [الكاثوليك والبروتستانت] الذين نزحوا من مدينة ماردين التركية بعد أحداث سفر برلك الشهيرة،او مذابح سيفو  التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الارمن والسريان والآشور على يد الجيش التركي والقبائل الكردية. كذلك الحال بالنسبة الى المدن الاخرى، المالكية [ديريك سابقاً] والقحطانية [قبور البيض سابقاً] وعامودا والدرباسية ، وهي مدن تحاذي الحدود السورية التركية لمئات الكيلومترات.[40]

الصورة 3
الصورة [2] القامشلي في اوائل القرن العشرين

كما أن الأكراد في سوريا يحاولون أستنساخ الخطاب الكردي العراقي من خلال طرح مسألة تزوير أرقام التركيبة الديموغرافية للمنطقة ، ففي الوقت الذي يقول أكراد العراق أن السلطة جلبت عرباً من مناطق في العراق إلى كركوك بغية تغيير الديموغرافية ، يقول الأكراد في سوريا أن السلطة جاءت بالمغمورين* إلى مناطق الأكراد ! بغية أحداث خلل في التركيبة الديموغرافية في المنطقة ! ، متجاهلين حقيقة  أن هذه المناطق ليست مناطق كردية ، ليس فقط بموجب التاريخ ، إنما بموجب الواقع الذي يتعايش فيه مع الأكراد العديد من القوميات كما أسلفنا ،  وان سكان المنطقة الأساسين هم من رحب بهم و أعتبروهم شركاء لهم في الوطن ، و لا بد أن ننوه بإن هؤلاء المغمورين، قد غمرت أراضيهم الخصبة مياه السد ، ناهيك عن أن الدولة عوضتهم  من أراضي تعود مليكتها بالأساس إلى ملاكين عرب ، لأن الأكراد أيضاً جاؤوا من تركيا [ من دولة أخرى] في ظروف إنسانية مررنا على ذكرها ، ولا يمكن القول بحال أن أربعين قرية في محافظة مثل الحسكة والتي تبلغ عدد القرى التابعة لها 1683 قرية سيكون له أثر على ديموغرافية المنطقة .

لا شك ان الخطاب القومي الكردي يميل إلى تضخيم عدد الأكراد في سوريا ، حيث يدعي البعض أنهم مليونين ونصف المليون نسمة ، وتذهب بعض الخطابات المتحيزة إلى أنهم 5.3 مليون كردي في سورية ، في حين أن الدراسات الموضوعية ، ونشير إلى دراسة غسان سلامة عن ” الدولة والمجتمع في المشرق العربي ” كذلك تقديرات جوناثان راندل في كتابه ” أمه في شقاق : دروب كردستان كما سلكتها ” والذي يبدي فيه حماسة كبيرة للأكراد وقضاياهم نرى أنه يذكر أن عدد الأكراد السوريين يتراوح بين 850 ألف شخص عند غسان سلامة ، وما يقارب المليون كما يرى راندل. [41]

وها نحن الآن في ظل الثورة السورية ، نشهد أرتفاعاً حاداً في نبرة الخطاب القومي الكردي ، وعدم موضوعية في الخطاب السياسي الذي يبدو موتوراً وغير واضح المعالم ، من خلال عدم تمثيل الأكراد من طرف كردي يمثلهم أو يمثل مطالبهم ككتلة ، فنجد أن هناك العديد من الأحزاب والتي وصل عددها إلى أكثر من 50 حزب كردي وهيئة في منطقة الجزيرة لوحدها ، والعديد من المجالس ، ونجد أن الخطاب الكردي مشتت ما بين مطالب بحقوق قومية ما يلبث أن يتحول لمطالبة بفيدرالية ، بينما تطلب اطراف أخرى بحكم ذاتي، والكل مجمع على عبارة يتم تداولها على الإعلام [ بالمناطق ذات الأغلبية الكردية ] ،  وهذا عارٍ تماماً عن الصحة إذ أن اعدادهم وفق جميع الدراسات المحايدة التي تمت وفق ناشطين سوريين بحسب عدد قراهم ومناطقهم لا تتعدى 30 بالمئة في محافظة الحسكة مثلاً على أحسن تقدير.
كما يروج الأخوة الأكراد خطاب يناقض مطالبهم بحقوق ثقافية أو قومية عبر نشرهم لثقافة أقليم الجزء من الكل ،  أو (( كردستان سوريا)) وبعضها يسميها (( كردستان الغربية)) مع نشر خرائط لكردستان توضح ضم مناطق شاسعة سورية ولا وجود تاريخي للأكراد فيها إلى هذه الخريطة ، بحيث أننا لو عدنا إلى الخارطة التي قدمها القوميين الأكراد سنة 1948م والتي لم توضح أبداً أي منطقة كردستانية في الأراضي السورية الحالية !(42)

ويكفي أن نعلم بأن السيد كاميران بدرخان في محاضرته بعنوان ” المشكلة الكردية” أمام الجمعية الملكية الآسيوية بلندن في 6- تموز – 1949م قال وسأقتبس: (( استولت على الشعب الكردي ثلاث دول ، لذلك انقسمت كردستان بين هذه الدول الثلاث وهي أيران وتركيا والعراق)) (43)الأمر الذي يؤكد بوضوح زيف الإدعاء حول تلك المصطلحات القومية من الناحية التاريخية ، وانها طارئة وحديثة و مدفوعة بالأطماع السياسية.

ختاماً :
يجب أن  أوؤكد أن هذه الدراسة لم تقم  لولا الحاجة إلى تفنيد الإدعاءات العنصرية ، وإيماننا العميق بأننا لا يمكن أن نبني هذا الوطن إلا مجتمعين . وأن الوطن يتسع للجميع ، وأن سوريا لن تكون إلا بالجميع .

المراجع

  1. الكتاب المقدس – سفر التكوين – الاصحاح 15- العدد 11-12
  2. أدي شير : تاريخ الكلدو آشور مجلد 2 [بيروت 1912-1913 م] ص 1
  3. طه باقر : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة – ج 1 ص 11
  4. وفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان – تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ج4 ص232
  5. صبح الاعشى في صناعة الإنشا ج 4 ص 314
  6. تاريخ ابن خلدون – كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر مجلد 2 ص 648
  7. محمد جاسم حمادي – الجزيرة الفراتية والموصل ص 36
  8. احسن التقاسيم المقدسي ص 137 ، المسالك للاصطخري : ص 71
  9. معجم البلدان – ياقوت الحموي ج 2 ص 294
  10. فتوح الشام : الواقدي ج2 ص 64
  11. ابن سرابيون : عجائب الاقاليم السبعة [فين ، 1921م] ص 120-121
  12. معجم البلدان ج2 ص 294
  13. لسترنج : بلدان الخلافة ص 87
  14. معجم ما استعجم من اسماء البلاد والمواضع ج2 ص 568
  15. تاريخ الرسل والملوك ج2 ص 58-59
  16. روفائيل ابو اسحق – مدارس العراق قبل الاسلام [ بغداد 1955م] ص 40
  17. النصرانية و آدابها – شيخو : ص 93
  18. السامر : الدولة الحمدانية ص 165
  19. طه باقر : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ج1 ص 491
  20. فؤاد سفر – الحضر- ص 17
  21. الحضر – سليمان الصايغ ص 3
  22. تاريخ الرسل والملوك ج2 ص 47-48
  23. هيلين تشابين ميتز – تركيا – دراسة حول البلد 1995م
  24. هيلين تشابين ميتز – تركيا – دراسة حول البلد 1995م
  25. موسوعة مقاتل – المشكلة الشيشانية
  26. ثقافة الشيشان والشركس – الدكتور يوسف شريف حميد ص 6
  27. منطمة هيومن رايتس – موقع المنظمة على الانترنت
  28. Prim ص 49
  29. موسوعة مقاتل المسألة الكردية
  30. دراسات حول الاكراد واسلافهم الخالدين – المستشرق الروسي ب ليدخ ص14
  31. نفس المرجع [30] ص 17
  32. دراسة حول الاكراد – أ.د عمر ميران ، مؤرخ كردي مختص في تاريخ شعوب الشرق الاوسط – حاصل على الدكتوراة من جامعة السوربون سنة 1952م
  33. نفس المصدر [32]
  34. نفس المصدر [30] ص 10
  35. علي محمد الصلابي – صلاح الدين الايوبي – دار المعرفة ط 2008
  36. راغب السرجاني – بين التاريخ والواقع – قصة الاكراد
  37. الاشوريين في العراق [1973م] رياض رشيد الحيدري
  38. الموسوعة الحرة – المناطق التي ينتشر فيها الاكراد
  39. ماكس فون اوبنهايم – البدو مابين النهرين العراق الشمالي وسوريا ج1 ص 265
  40. تركي علي الربيعو – مقالة عن القبائل والعشائر العربية في الجزيرة السورية
  41. تركي علي الربيعو – مقال في قسم دراسات وبحوث الجزيرة 31/3/2006م [ المعارضة الكردية تخطب ود امريكا ]
  42. مارتن بونسين – الآغا والشيخ والدولة صفحة 41-43
  43. البدرخانيون في جزيرة بوطان – ماليميسانز – وثائق جمعية العائلة البدرخانية – ترجمة كولبهار بدرخان صفحة 193.

انظر ايضا

مرض «غير قابل للشفاء» يهدد ربع سكان القامشلي

في الطريق المؤدية إلى شارع الوكالات وسط السوق التجارية في مدينة القامشلي (شمال شرق سورية)، …

بيان حول انتفاضة حي غويران في الحسكة

بيان حول انتفاضة حي غويران في الحسكة من جديد وفي تأكيد على جذوة الثّورة التي …

ﻣﻠﻴﺸﻴﺎ "ﺏ ﻱ ﺩ" ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺘﺼﻔﻴﺔ ﺃﺣﺪ ﻣﻘﺎﺗﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﺸﻦ ﺣﻤﻼﺕ ﺩﻫﻢ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺎﺭﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻙ

ﻣﻠﻴﺸﻴﺎ “PYD” ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺘﺼﻔﻴﺔ ﺃﺣﺪ ﻣﻘﺎﺗﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﺸﻦ ﺣﻤﻼﺕ ﺩﻫﻢ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺎﺭﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻙ

ﻣﻠﻴﺸﻴﺎ “ﺏ ﻱ ﺩ” ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺘﺼﻔﻴﺔ ﺃﺣﺪ ﻣﻘﺎﺗﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﺸﻦ ﺣﻤﻼﺕ ﺩﻫﻢ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺎﺭﻳﻦ ﻣﻦ …

تعليق واحد

  1. لم يكن هناك في الجزيرة كما تسمونها قبل 200 سنة او اقل قوم اسمهم عرب يسكنون فيها بشكل دائم لانهم لم يكونوا اصحاب الارض ,ولكن بمرور الزمن وبتشجيع العثمانيين بدا العرب البدو (الرعاة) بشراء القرى والاراضي من الاكراد والمسيحيين شيئا فشئا وبدوا ببناء القرى والمستوطنات هنا وهناك وفي بداية القرن الحالي اصبح العرب الاكثرية في محافظة دير الزور والموصل واستمروا في توسعهم بمساعدة الحكومات التي جاءت بعد الاستعمار الانكليزي والبريطاني ففي سوريا قام البعثييون بطرد الكورد من الشريط الحدودي ومعظم المناطق حول قامشلو وكوباني وعفرين واسكن العرب بدلا منهم واضحى الاكراد بلا ارض ولا هوية اما في العراق فقد قام البعثييون بنفس الشي حيث رحلوا الاكراد من مناطقهم واسكنهم في مجمعات (الفرق الوحيد عن سوريا)واعطي الاراضي للعربان في كركوك وهولير ودهوك وسليمانية وديالى والان يريد منا العرب ان نعترف بالواقع الذي فرضه علينا المجرمين ويصرخون بلا حياء وشرف ان الاكراد يطردونهم من مناطقهم…فاي اخلاق واي انسانية واي اسلام هذا الذي تتمسكون به ايها العربان الجربان.

اترك تعليقاً